كان انهيار الاتحاد السوفيتي بمثابة الصدمة علي معظم باحثي العلوم السياسية في شتي بقاع الأرض، حيث لم تستطع كل النظريات السياسية والأدوات البحثية من الوصول أو حتي الاقتراب والتنبؤ الذي يعتبر في حد ذاته الغرض الأساسي من البحث في العلوم السياسية ، بهذه الحادثة التي كان لها عظيم الأثر علي العالم بعد ذلك . انتهي زمن القطبية الثنائية وأصبح العالم يحمل ملامح جديدة ونظامه اعتمد علي وجود الولاياتالمتحدةالأمريكية إن جاز لنا التعبير علي كرسي حكومة العالم، وانتصرت الأيديولوجية الليبرالية وأصبحت دين العالم الجديد وعلي العالم كله أن يتخذ من هذا الدين المنهج والأسلوب ليصل في النهاية إلي الاندماج في العالم الواحد والثقافة الواحدة والمعني الضيق لهذه الظاهرة التي يطلق عليها العولمة يكرس لنظريات اقتصاد السوق وأري ومعي غيري أن العولمة تحتوي علي جوانب أخري كثيرة ومتعددة وآثارها تمتد حتي الأسرة والشخص ذاته ولا ينبغي الحكم عليها علي أساس قصة العميان والفيل فالشخص يتحسس جسد الفيل وعندما تسأله يجيب بمواصفات الفيل كله علي الرغم من أنه لم يتحسس إلا موضع كفه والأمر كله يدور حولنا نحن الدول النامية والأفريقية جنوب الصحراء ويؤثر فينا بشكل واضح وفاضح. وكأن الأمر كله موجه لنا نحن وليس لغيرنا ولتأصيل ذلك ينبغي النظر إلي هذه الظاهرة وأقصد بها العولمة التي تُعرف بمظاهرها وكما أشرت أن لها تأثيرات علي جميع النواحي فإن الجانب السياسي يرصد الوصول إلي توسيع الحدود واختراقها ليس بشكل عسكري ولكن بشكل تكنولوجي يعتمد علي الاتصالات والمعلومات ، أما الجانب الثقافي فهو الجانب الأخطر ويظهر في شوارعنا وعلي مظاهرنا بشكل واضح في تعميم الثقافة الأمريكية علينا وعلي سائر بلاد الدنيا ، كل ذلك بفعل التكنولوجيا ، وللموضوعية فإن الثقافة الأمريكية تبهر الكثيرين لأنها تمثل ثقافة الانتصار والانبهار بها حق لمن يريد ذلك ، أما أنا فإني أري أنها ثقافة مادية ينقصها الكثير من القيم ولا تعكس واقع الاختلاف بين الثقافات الوطنية حول العالم. وقد طالت مظاهر العولمة كل شيء فأصبح كل شيء يحدث علي واقع الحرية التي تعتبر المفهوم الأساسي في الليبرالية أو الرأسمالية ، وأصبحت الحدود لا قيمة لها في ظل اقتصاد السوق وحرية التنقل للأشخاص والسلع والخدمات. كذلك نجد العولمة في مجال الإعلام والسيطرة الغربية عليه أما العولمة الثقافية التي أشرنا إليها فإن تأثيراتها ستمثل كارثة ممتدة علي الثقافات الوطنية والهوية الثقافية وتمثل زحفا علي الخصوصية الثقافية والتاريخية لنا والأخطر هزيمة لغتنا العربية واللغات الأفريقية المحلية والتأثير ممتد إلي القيم الدينية والأخلاقية والسلوكية ويصبح السؤال: هل يمكن الوقوف أمام هذه الظاهرة؟؟؟ والإجابة لا تعني علي الإطلاق الانغلاق وإنما وصف طرق للحفاظ علي الهويات والثقافات الوطنية التي ضاعت بسبب التطور التكنولوجي الهائل في مجال الاتصالات الذي لم نكن يوما طرفا فاعلا فيه وما زلنا ولابد لنا من التمسك بوحدتنا فكلما زادت التوجهات نحو العولمة لابد من المواجهة في إطار محلي وطني وإقليمي فاعل وفرض نظام علمي وتربوي يحافظ علي ثقافتنا ووحدتنا حتي لا نصل إلي أن تصبح العولمة والاندماج فيها مسار إجباري يؤدي إلي المزيد من التبعية التي دمرتنا ومازالت.