وكاننا أمام رجل آخر، وأفكار أخرى، وخطاب جديد. مساء الجمعة اعتلى مرسي منصة التحرير هاتفا مع الثوار في الميدان" ثوار أحرار هانكمل المشوار"، متعهدا بالقصاص للشهداء، والافراج عن المعتقلين، وإعادة حقوق الجرحى، محييا الكتاب والفنانيين والإعلاميين، متفاعلا مع الروح الثورية، كاشفا عن صدره غير المحصن بدرع واق للرصاص، تاركا المنصة المجهزة والمؤمنة ومتقدما إلى الأمام، متقمصا شخصية عبد الناصر وحسن نصر الله، حتى نال ما أراد وهو شرعية الميدان والثورة. في جامعة القاهرة كنا أمام رجل آخر يضرب مفاصل الدولة الدستورية في مقتل باجلاسه صديقه وإبن جماعته وحزبه سعد الكتاتني في الصف الأول، وفي المكان المخص لرئيس مجلس الشعب، رغم انه يعلم انه لا وجود شرعيا للمجلس، بعد حكم المحكمة الدستورية ببطلان قانون انتخاباته، وحله من قبل المجلس العسكري. أفهم ان جلوس الكتاتني في الصف الأول بينما يوضع لشيخ الازهر الجليل كرسي في الصف الثاني، وما تبع ذلك بحديث ملتبس عن عودة المجالس المنتخبة، وما سبقه من طلبه ذهاب الجمعية العمومية لقضاة المحكمة الدستورية إلى القصر الجمهوري لحلف اليمين، ثم طلبه لاحقا ألا تبث مراسم القسم على الهواء،أفهم من ذلك ان مرسي يريد ان يقول ببساطة ان أحكام القضاء ستخضع لتوازنات السياسة، وسينتصر فيها من يملك القوة والنفوذ، وإذا كان مجلس الشعب (الإخواني السلفي) حل قبل دخوله قصر الرئاسة فانه سيعود بقرار، وربما بحكم آخر وهو داخل القصر، وهو ما يعني باختصار اسقاط الرئيس لدولة المؤسسات. ان خطاب مرسي في الجامعة هو خطاب إخواني بامتياز، يعتمد على المواقف المتلونة، به كل شيئ ونقيضه، فهو يحيي المؤسسة العسكرية ويصعد بقادتها إلى أعلى عليين، وهو يعلم ان يدها ملوثة بدماء شهداء تعهد بالقصاص لهم. تحدث مرسي عن سلطات الرئيس الكاملة، واللواء العصار أعلن صراحة ان المشير طنطاوي هو زير الدفاع المقبل. خطب من فوق منصة تصدرتها يافطة تقول لا للإعلان الدستوري المكمل، ووافق ضمنيا على هذا الإعلان بعد ساعات بالقسم أمام المحكمة الدستورية. تحدث مرسي عن عدم تدخل مصر في الشئون الداخلية لأي دولة، ثم تعهد بالإفراج عن منظر ومفتي جماعات الجهاد المسلحة عمر عبد الرحمن المسجون في أمريكا بحكم قضائي. تعهد مرسي بدولة دستورية قانونية متهربا من لفظ دولة مدنية في خطاب التحرير، ثم أرضى السلف ومن تعهد لهم في جوف الليل أثناء صفقات التأييد بحديث ملتبس عن المرجعية الإسلامية. تعهد مرسي بحكومة كفاءات وطنية ثم رأينا يسري حماد ونادر بكار المتحدثان باسم حزب النور يصران على تولى السلف حقائب التربية والصحة والزراعة. تعهد مرسي باقرار مبدأ المواطنة، بينما يرفض بكار وحماد تعيين نواب للرئيس من المرأة والأقباط، لانه منصب يخص الولاية العظمى، والمسكوت عنه في حديثهما هو ان هذه الأمور حسمت باتفاقات قبل جولة الإعادة. تعهد مرسي بعدم وجود أحد من حزب الحرية والعدالة في مؤسسة الرئاسة، بينما قاد عصام الحداد القصر في يومه الأول، قبل ان يسلمه لعصام العريان لاحقا، ويحق لنا ان نسأل الرئيس ماذا يفعل العريان في القصر؟ تعهد مرسي باجراء مشاورات مع القوى الوطنية لانجاز تعهداته، بينما يقوم قادة الجماعة بتلك المهمة نيابة عنه حتى الآن. أعلم ان الوقت مبكرا جدا لتقييم أداء الرئيس، واختبار مدى جدية تنفيذ تعهداته التي وصلت إلى 64 تعهدا، لكن الدلائل الأولى المتناقضة تعطي انطباعات غير مريحة، خاصة اننا عهدنا في الجماعة نكوصها بالوعود، ونعلم انها يمكن ان تتفاوض وتتخلى عن كل تعهداتها في لحظة تعارض مصالحها مع مطالب القوى الثورية، ونعرف ان المبررات معدة سلفا، وكتائب الجهاد الإعلامي جاهزة للتبرير.