في أي دولة تحترم القانون إذا أهان أحد مسئوليها أو وزرائها فئة أو طائفة من المجتمع، تقوم الدنيا ولا تقعد، يجتمع المجلس الممثل للشعب لبحث الأمر، ويطالب الحكومة بالاعتذار، أو بإقالة هذا المسئول حفاظا على السلم الاجتماعي، ولعدم إثارة العنصرية التي تهدد الاستقرار. ممثل القانون والعدل في مصر، أقصد وزير العدل، أهان فئة من فئات المجتمع، فئة السعاة العاملين في مجال النظافة، قائلا إن أبناء عمال النظافة لا يجب أن يكونوا قضاة "لابد أن يكون القاضي من بيئة محترمة تليق بشموخ القضاء"، فهل تعتذر الحكومة رسميا لهذه الفئة، أو هل يعلن المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، تعيين وزير جديد خلفا لصابر؟ هذا ما ستسفر عنه الأيام المقبلة. هذا التصريح، رغم اقتضابه، أزعج معظم المصريين الذين يذكرهم الرئيس عبد الفتاح السيسي في كل خطاب من خطاباته عشرات المرات، وأزعج معظم المتابعين لأداء الحكومة بل وأداء الرئيس شخصيا، وهو من يؤكد ليل نهار أنه ضد التمييز وأنه يقدر مجهود أصغر عامل قبل أي مسئول كبير، وأنه جاء لإنقاذ هذه الفئات الفقيرة ودعمها بعد سنين طويلة امتص خلالها "الكبار" خيرات البلاد. يا سيادة الوزير الدستور المصري ينص على أن "الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة حقوقهم وحمايتهم، وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي، إلا في الأحوال التي يحددها القانون"، وبالتالي فإن الوزير خالف الدستور مخالفة صريحة، ما يستوجب إقالته، والإقالة هنا ليست انتقاما ولكن تصحيح لمسار دولة تقول إنها مستعدة للعمل في العالم بمفاهيم جديدة تعتمد على العمل وتحافظ على حقوق مواطنيها وترعى مصالحهم. إن كانت هذه هي رؤية كبار مسئولي الدولة للمواطنين الفقراء من أبناء هذا الشعب، فإنها تهدد ثقتنا فيمن يديرون مؤسسات الدولة، وبالأخص المؤسسات القضائية، وتجعلنا نتساءل هل يدرك وزير العدل أنه خالف الدستور الذي أقسم بالمحافظة عليه؟ وهل من المقبول أن يكون من يخالف مواد الدستور هو الوزير الذي يمثل العدل؟ وهي، لا شك، أسئلة مشروعة. السيسي نجح عقب ثورة شعبية من أهم أركانها العدالة الاجتماعية، وأقسم على احترام الدستور والقانون، وإليه أقول إن تصريحات وزير العدل بشأن عدم أهلية ابن الساعي لتولي منصب القضاء مناقضة لأبسط قواعد الدستور والعدل والمساواة. مشكلة كبرى أن يكون الوزير لا يعي مواد الدستور، والمشكلة الأكبر أن نكون نحن من أدرك خطأً أن الوظائف العامة يدخل ضمنها سلك القضاء. [email protected]