عاجل: سعر الدولار أمام الجنيه المصري في تعاملات اليوم الإثنين 6-5-2024    تعاون بين وزارة الاتصالات وشركة "إكسيد" لتطوير ضمان الجودة في مراكز الاتصالات باستخدام الذكاء الاصطناعي    محافظ أسيوط يناقش الاستعدادات النهائية لتطبيق قانون التصالح الجديد    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    توريد 133 ألف طن قمح إلى صوامع وشون كفرالشيخ    الاثنين 6 مايو 2024.. نشرة أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة    بيرنز يعتزم لقاء نتنياهو في محاولة أخيرة للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس    مسئول فلسطيني ينفي إغلاق مصر لمعبر رفح تزامنا مع تلويح إسرائيلي بشن عملية عسكرية    لقاء بعد 5 سنوات.. ماكرون لنظيره الصيني: التنسيق بشأن الشرق الأوسط وأوكرانيا ضروري    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    اتحاد القبائل العربية يحذر من خطورة اجتياح رفح ويطالب مجلس الأمن بالتدخل لوضع حد لهذا العدوان    بايرن ميونخ يعلن عن قميصه للموسم الجديد    سيد معوض: أحمد سامي واحد من أفضل المدربين في مصر    لاعب نهضة بركان: حظوظنا متساوية مع الزمالك.. ولا يجب الاستهانة به    تنظم معسكر الرياضة من أجل التنمية "ليقاتي مهارتي" في أسوان    تمارا نادر السيد: لقطتي أنا وشقيقي بصالة الأهلي طبيعية.. ودور مرتجي دليل على الروح الرياضية    سام مرسي: أفتخر بأنني أول مصري يحقق هذا الإنجاز.. وأهديه أيضا للشعب الفلسطيني    السيطرة على حريق منزل بمنطقة الصف    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    كشف ملابسات واقعة مقتل أحد الأشخاص بالوادى الجديد    بيطري المنيا تضبط لحوما وأسماكا غير صالحة بمركزي بني مزار ومطاي    إصابة أب ونجله في مشاجرة بالشرقية    التنمية الثقافية يطلق سلسلة "حكايات المدينة" للأطفال    إيرادات فيلم السرب تتخطى 13 مليون جنيه في 5 أيام    مهرجان جمعية الفيلم يهدي دورته لاسم صلاح السعدني وعصام الشماع في يوبيله الذهبي    الموت يفجع الفنان عمرو محمود ياسين    فنان العرب في أزمة.. قصة إصابة محمد عبده بمرض السرطان وتلقيه العلاج بفرنسا    بعد نفي علماء الآثار نزول سيدنا موسى في مصر.. هل تتعارض النصوص الدينية مع العلم؟    المستشفيات التعليمية تعقد المؤتمر السنوى لمعهد الكلى والمسالك البولية    توافد المواطنين على حدائق القناطر للاحتفال بشم النسيم (صور)    انتصار السيسي: عيد شم النسيم يأتي كل عام حاملا البهجة والأمل    واشنطن بوست: مدير المخابرات المركزية الأمريكية توجه إلى قطر    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس وتعلن النتيجة    إصابة 7 أشخاص في تصادم سيارتين بأسيوط    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    تعرف على أسعار البيض اليوم الاثنين بشم النسيم (موقع رسمي)    الرئيس البرازيلي: التغير المناخي سبب رئيس للفيضانات العارمة جنوبي البلاد    يستفيد منه 4 فئات.. تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس بالجامعات    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    كولر يضع اللمسات النهائية على خطة مواجهة الاتحاد السكندرى    مفاضلة بين زيزو وعاشور وعبد المنعم.. من ينضم في القائمة النهائية للأولمبياد من الثلاثي؟    الدخول ب5 جنيه.. استعدادات حديقة الأسماك لاستقبال المواطنين في يوم شم النسيم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    هل يجوز قراءة القرآن وترديد الأذكار وأنا نائم أو متكئ    طقس إيداع الخميرة المقدسة للميرون الجديد بدير الأنبا بيشوي |صور    نصائح لمرضى الضغط لتناول الأسماك المملحة بأمان    عصير سحري تناوله بعد الفسيخ والرنجة.. تعرف عليه    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    "ماتنساش تبعت لحبايبك وصحابك".. عبارات تهنئة عيد الأضحى المبارك 2024 قصيرة للأحباب    وزيرة الهجرة: نستعد لإطلاق صندوق الطوارئ للمصريين بالخارج    مع قرب اجتياحها.. الاحتلال الإسرائيلي ينشر خريطة إخلاء أحياء رفح    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    طبيب يكشف عن العادات الضارة أثناء الاحتفال بشم النسيم    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكارو والمرسيدس .. رحلة لتتبع حداثة لم تكتمل في المشهد الثقافي المصري
نشر في صدى البلد يوم 28 - 03 - 2015

"الكارو والمرسيدس.. حداثة لم تكتمل" .. العنوان قد يشي بشيء من مضمون الكتاب ولكنه خادع من حيث أنه لا يعقد مقارنات بين غني وفقير أو سيارة مرسيدس وعربة بدائية تجرها الدواب (الكارو) ولكنه يصف تجاور حالتين اجتماعيتين- محدثة مجلوبة من الخارج وتقليدية بدائية.
الكتاب للباحثة الدكتورة هبة شريف صدر قبل نحو شهرين يحاول تتبع مسيرة التحديث الرسمية المصرية والنتائج الواقعية لعملية التحديث هذه على الأرض مع التركيز الشديد على المشهد الثقافي في مصر.
تقول الكاتبة في مقدمة الكتاب إن المجتمع في مصر لم يصبح مجتمعا حديثا تماما رغم أن به العديد من الناس الذي يتحدثون اللغات الأجنبية ويقودون السيارات ويجيدون التعامل مع كل مكتسبات المجتمعات الحديثة.. "مجتمع ما زال لم يتخط تماما طور المجتمعات التقليدية.. مجتمع مهجن بين الحديث والقديم.. أو هو حديث "حداثة منقوصة" لم تكتمل كل أركانها بعد."
هذه هي الفكرة الرئيسية في هذا الكتاب الذي يتناول أيضا فكرة الحداثة المنقوصة وانعكاساتها على المشهد الثقافي في نخبته. ويعرض للحالة الثقافية في البلاد بالقول إن مصر بها العديد من المثقفين ولكنهم عاجزون عن التقدم بالمجتمع نحو الحداثة، ومصر بها العديد من المؤسسات والكيانات الثقافية مثلها مثل أي دولة متقدمة في العالم. ويسأل "لماذا لم تتحول مصر إلى دولة حديثة فعلا؟"
ترى الكاتبة أن العبور إلى الحداثة هو أساس الصراع الدائر في مصر الآن. "صراع ثقافي شرس بين القديم والجديد أي بين التراث والحداثة بلغة المثقفين."
يقول الكتاب إن الثقافتين نشأتا عبر التاريخ بسبب الاستعمار أو البعثات الخارجية والمدارس الأجنبية والإرساليات. والثقافتان هما: ثقافة الحكام والنخبة المنبهرة بالثقافة السياسية الأوروبية والغربية و ثقافة الأغلبية وهي الثقافة التقليدية وقيمها التي تقف أحيانا نقيضا للثقافة الأوروبية.
تقول الكاتبة هبة شريف وهي أستاذ سابق في الأدب الألماني بجامعة القاهرة إنه عبر التاريخ سارت عمليات التحديث "بطريقة غير منظمة إلى حد كبير واعتمدت على أسلوب أقرب إلى التجريب العشوائي.. و كان اختيار قيم الحداثة وفرضها انتقائيا إلى حد كبير وفقا للأهواء السياسية للحكام."
ففرض طرق الإدارة الحديثة في عهد محمد علي أو الاشتراكية في عهد عبد الناصر "لم يصاحبه استعارة قيم الحداثة الأخرى مثل الحرية والديمقراطية والمساواة أمام القانون.. لأن هذه القيم كانت ستهدد طبعا النظام السياسي من أساسه."
ولكن بتغير هوى الحكام السياسي والأيديولوجي تغير الواقع تغيرا سريعا فشهدت مصر عدة مراحل من التطور المجتمعي. ونتيجة للتطلع إلى تحقيق المجتمع الحديث واللحاق بركب المدنية ظهر مفكرون مثل أحمد لطفي السيد أو فرح أنطون أو قاسم أمين ومحمد عبده حاولوا من خلال كتاباتهم التعريف بأفكار الحداثة التي يبغون تحقيقها. "ومع ذلك ظلت تلك الأفكار مقتصرة على النخبة وعلى العاصمة."
ومع ظهور نظام عبد الناصر أصبح التعليم مجانيا وأتيحت بذلك فرص كبيرة لطبقات محرومة للارتقاء مجتمعيا. ولكن "رغم ذلك لم يتحقق حلم مصر الحديثة.. فأصبحت الدولة تتحكم في مصائر البشر.. وأممت مثلا كل الصحف ومعظم دور النشر.. وانحسر الخطاب الذي كان من قبل متنوعا ما بين إسلامي وليبرالي واشتراكي وشيوعي ليصبح خطابا رسميا واحدا اختزل الحرية والتقدم في التحرر من الاستعمار."
"ومع تغول الدولة الشمولية صاحبة الصوت الواحد والرأي الواحد فقد رضي المفكرون المصريون بتنحية أفكار التجديد التي كانت تنادي بالديمقراطية والحرية لصالح هذا الخطاب الأوحد." وصار المثقفون المصريون جزءا من دائرة المستفيدين من النظام الحاكم بسبب تشابك مصالحهم مع مصالح الدولة.
وترى الكاتبة أن عقد التسعينات شهد اتجاها إلى الخصخصة واقتصاد السوق.. فتغير المجتمع المصري بصورة خاصة تبدلت فيها الرؤى والمواقع أكثر من مرة وبسرعة بشكل لم يتح للمجتمع أن يستوعب نتائج كل تجربة بشكل عميق.
وتخلص إلى أن شكل الحياة الحديث لم يقض تماما على الشكل القديم.. فنشأت "حداثة هجينة أو منقوصة". وتسوق الكاتبة مثالا هو فيلم قنديل أم هاشم (المأخوذ عن رواية يحيى حقي) حيث يخلص الطبيب الذي تلقى تعليمه في الخارج إلى أنه لا بد أن يستوعب ما هو موجود إلى جانب ما هو علمي.
فالحداثة في مصر "حداثة منقوصة" لم تتحقق لأنها لم تدخل في نسيج المجتمع المصري بل فرضت عليه فرضا من قبل النخبة الحاكمة.
وفي وقتنا هذا فهم القطاع الإعلامي الخاص أن مزاج المصريين الثقافي شديد التنوع فلم يقتصر على تقديم منتج يعكس خطابا واحدا موجها إلى المثقفين الذين يصبون جام غضبهم على هذا القطاع "لأنه لا يرتقي لمستواهم".
وفهم القطاع الإعلامي الخاص أيضا أن الأصل هو إتاحة جميع المنتجات وليس منعها وأن الأفضل إتاحة جميع المنتجات الثقافية المختلفة لأن الجمهور ليس فصيلا واحدا إسلاميا أو تنويريا ولا تيارا واحدا ولا نخبويا فقط ولا شعبيا فقط. الجمهور المتلقي للمنتجات الثقافية المصرية هو خليط من هذا كله.
والدافع في هذا أن المحطات الخاصة تعتمد في دخلها إلى حد كبير على الإعلانات المقترنة بنسبة المشاهدة العالية. وبالتالي كان لزاما عليها أن تخاطب شرائح متعددة من المجتمع المصري... لأن هذه القنوات تبنت مفاهيم السوق الحداثية المبنية على استراتيجيات جذب المشاهد فقد اختلفت البرامج الدينية التي تقدمها اختلافا جوهريا في الشكل والمضمون.
وتشير الكاتبة إلى أن الإعلام الخاص في مصر يملكه رجال أعمال لهم مصالحهم وحساباتهم مع السلطة الحاكمة. لكن هذا القطاع الإعلامي يعيش على الإعلانات وعلى نسبة المشاهدة. فإذا لاحظ تراجعا في نسبة المشاهدة يبدأ يغير من سياساته باستثناء بعض القنوات التي أنشئت لهدف معين.
فالمشاهد في النهاية هو الذي يضغط على هذه القنوات لتغيير خطابها. وذلك بخطوة بسيطة هي أن ينصرف عن مشاهدة هذه القنوات.
تنتقل الكاتبة من مرحلة إلى أخرى لتبين أن محاولات التحديث الفوقية لم تأت بثمار نتيجة لتفريغها من مضمونها الذي يعتمد بالأساس على الحرية والديمقراطية والمساواة أمام القانون. وترصد أن النخبة المثقفة انحازت للسلطة تارة ولاذت بالتعالي عن أذواق الناس تارة أخرى ورسمت حدودا بين ما هو راق وهابط تارة ثالثة متسلحة بعلم وثقافة ومعرفة باللغات وغير ذلك.
وتفرد الكاتبة جزءا من كتابها لرصد مشهد انتفاضة يناير كانون الثاني 2011 من الزاوية الثقافية. وتتساءل: هل يختفي الخطاب المتنوع الذي ظهر بعد الثورة معبرا عن كل الأفكار التي تدور في المجتمع المصري بتياراتها المختلفة ليتم فرض خطاب رسمي واحد في استدعاء صريح لنفس سيناريو الخمسينات الذي أضر كثيرا بمسيرة الحداثة في مصر؟
وعلى الرغم من أن الكتاب صغير في حجمه ( 109 صفحات) وهو من القطع الصغير إلا أن الكاتبة تناقش التطور التاريخي لتجليات محاولات التحديث وترسم صورا دقيقة مصحوبة بأمثلة واقعية لما آل إليه المشهد بعد كل ما مر على مصر.
وترصد الكاتبة أن المشهد الثقافي المصري يملك شكل المشهد الثقافي الحديث ولكن لا يملك مضمونه. فمضمون المشهد الثقافي الحديث هو حرية التعبير ودعم قوي للمبدعين وبنية تحتية جيدة وكوادر ثقافية مؤهلة وطرق إدارة حديثة ومساواة في توفير الفرص وإتاحة المنتجات الثقافية للجمهور بشكل عادل وشفافية في اختيار المبدعين والرقابة والتقييم.
وتؤكد الكاتبة في كتابها الصادر عن دار سلامة للنشر والتوزيع أن إتاحة الفنون بجميع أنواعها هو أساس حرية الاختيار فكل جماعة أو مجموعة من البشر تختار من المعروض ما يلائم ذائقتها ويلائم احتياجاتها. فالجمهور ليس مجموعة واحدة وليس كتلة واحدة يمكن تشكيلها طبقا لذوق النخبة.
وتختم الكاتبة كتابها الشيق بالتساؤل: هل يعد هذا مؤشرا على أن المجتمع المصري لا يناسبه شكل الحداثة كما هي موجودة في مجتمعاتها؟ أم أن الحداثة هي شكل من أشكال التطور الإنساني العام يمكن تحققها في مجتمعات مختلفة شرط تحقق شروطها كلها وشرط أن تكون الحداثة هي النتاج الطبيعي لتطور هذا المجتمع وحركته؟
الكتاب شيق للغاية وصعب اختزاله في عرض صغير وهو في الوقت نفسه ممتع ومبسط إلى أقل درجة ولا يصعب على القارئ العادي فهم مضمونه وتدبره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.