ونحن على أعتاب إتمام خطوات خارطة المستقبل نكون قد وضعنا المبادئ الأساسية للتحول الديمقراطي للبلاد بعد أعوام طوال من التخبط، وعدم وضوح الرؤى سواء للفئات النخبوية، أو لعموم الشعب العظيم فأصبح لدينا دستور جديد ورئيس وطني منتخب ومجلس نيابي ليكتمل الشكل الدستوري لمؤسسات الدولة الساعية للانطلاق. وفي ضوء المستجدات على الساحتين الداخلية والخارجية ووفقاً لمؤشرات التهديدات المحتملة للأمن القومي والإقليمي لمصر يكون البناء القادم لمجلس النواب هو بناءٌ شديد الحساسية والخصوصية ممتلأً بالتحديات حيث لن تتوقف مهامه علي التشريع والرقابة فحسب بل ستتعداها إلى الالتحام المباشر مع كل ما يحيط بالوطن من تهديدات وتحديات سعياً للعبور مع باقي مؤسسات الدولة إلى مرحلة التنمية الشاملة بما يحقق للشعب العظيم آماله وتطلعاته. فلو تحدثنا عن مظاهر الخصوصية سنجد أنه ولأول مرة منذ عقود لن يسمى ببرلمان الرئيس؛ حيث إن جميع الكيانات السياسية سواء الأحزاب أو الإتلافات لا يمكن أن نطلق على أي منها الغطاء السياسي للرئيس وهم ما أعلنه الرئيس مراراً وبالتالي تغيب مصلحة الدولة في دعم كيان على حساب آخر ولا مجال هنا للوساطة لأحد أو من أحد. وأيضاً فإن غياب المجلس النيابي عن الساحة التشريعية قرابة العامين، فضلا عن غياب المجالس المحلية يعطي مؤشراً إيجابياً في التصدي لإرادة التزوير أو المحاباة (إن وجدت) لأحد الأطراف على حساب الآخرين مما يعني أن جميع أوراق اللعبة الانتخابية الآن ستكون بين أيدي الناخبين مما يُلقي بمسئولية الاختيار على الشعب ولا أحد سواه ليتصدر الناخب المشهد بعد أعوام طوال من التهميش والاتهام بعدم الفهم والسلبية.
كما أن مجلس النواب القادم سيأتي بصلاحيات مغايرة للمجالس النيابية السابقة حيث إن الدستور الجديد المُستفتي عليه عام 2014 قد استحدث مهاماً ونصوصا جديدة بشأن تنظيم عمل مجلس النواب، تستهدف ضمان استقامة الأداء التشريعي واستقلاله وضمان نزاهة وشفافية دوره الرقابي على السلطة التنفيذية بعيداً عن الصورة القديمة والتقليدية لعضو مجلس النواب والمعروفة بنائب الخدمات بل ووصل الأمر لاحتمالية تشكيل الوزارة إن حصلت أحد التحالفات السياسية على الأغلبية النيابية. أما على صعيد دقة وحساسية مجلس النواب القادم فهي أنه يأتي في إطار ظروف وتحديات متعددة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية مما يفرض عليه مسئوليات إضافية تندرج تحت بند المسئولية التشاركية مع أجهزة الدولة ليكون لزاماً عليه الآتي: * استكمال ما يلزم من نقص تشريعي لضمان مواجهة الإرهاب على أكمل وجه. * تنقية ما قد يتواجد من تضارب بين القوانين من جانب والدستور الجديد من جانب آخر. * إصدار التشريعات المنفذة لمبادئ الدستور بما تحققه من إيجابيات للمواطن على صعيد حياته اليومية ويشعره بالتحسن في مختلف الجوانب الأساسية من الغذاء والصحة والتعليم والأمن. ومن ناحية أخرى فإن هذا المجلس سيأتي في ظروف تحول اقتصادي للدولة في محاولة لإنعاش الاقتصاد وسعياً للانطلاق من خلال المشاريع القومية التي تستهدف رفع مستوى معيشة المواطن التي كانت البداية الفعلية لهذه المشروعات العملاقة في مشروع تنمية محور قناة السويس والذي سيعقبه مشروعات أخرى متعددة تتطلب الآتي: * إصدار ما يلزم من تشريعات تتطلبها هذه المشروعات سواء من حيث مراجعة الأُطر القانونية والدستورية أو من حيث توفير الميزانيات المالية المطلوبة ومشاركة ومراجعة أجهزة الدولة في تنفيذها. * إصدار التشريعات اللازمة للحفاظ على أملاك الدولة والمواطنين ومكافحة الفساد والإفساد في جميع مراحله لتحقيق الأمن الداخلي والسلام الاجتماعي على حد سواء. وأيضاً فلابد أن يأتي المجلس القادم توافقياً في أغلبه حتي لا نُدخل البلد في أزمة دستورية حادة لا قدر الله في حال عدم التوافق ورفض بعض القرارات والقوانين التي تم سنها طوال العامين المنصرمين. أما على صعيد التحديات فالمجلس القادم سيواجه عدداً من التحديات أهمها: * الحفاظ على وجود وهوية الدولة المصرية ككتلة متماسكة علي الصعيدين الداخلي والخارجي و تحصيل سبل القوة والمنعة أمام القوي الظلامية وداعميهم من المتربصين بالوطن. * السعي لخلق مناخ مستقر يساعد الدولة والمواطن على بعث إرادة جديدة للعمل والتطوير والتطهير في ذات الوقت بعد أعوام من التغيير السريع والعشوائي. * العمل بكل دقة وسرعة على عرض ومناقشة القرارات والقوانين التي اتخذت منذ حل برلمان 2011، سواء التي أصدرها المجلس العسكري، أو كل من الرئيس المعزول محمد مرسي، أو الرئيس السابق المستشار عدلي منصور، وأيضًا القرارات بقوانين التي أصدرها الرئيس عبد الفتاح السيسي لتسيير البلاد. ومن كل ما سبق، يتضح لنا مدى المسئولية الملقاة علي الشعب المصري والذي سيتحمل نتائج اخياراته لأعضاء المجلس النيابي القادم، فلنعمل سوياً وبجهد علي اختيار القوي الأمين صاحب الكفاءة والعلم والرؤية والقدرة علي العمل الدؤوب المتواصل لنعبر بمصرنا الغالية من مرحلة التخبط والتهديدات إلى مرحلة أكثر رحابة يستحقها الشعب المصري العظيم في طريق الأمل.