إن مصر بتاريخها العريق والطويل تكون قد انفردت عن باقي الأمم بصفات قلما تواجدت في شعب بعينه. فكما خالفنا المؤرخ العظيم "هيرودوت" وصححنا وعدلنا مقولته "مصر هبة النيل" إلي "مصرَ هبة المصريين" وبعدما حاورنا الراحل المبدع "جمال حمدان" في رائعته "شخصية مصر-دراسة في عبقرية المكان" نكون أمام ملحمة أسطورية من عبقرية شعب رسم جغرافيته الثقافية بيديه بعدما أنعم عليه الله بجغرافية فريدةٍ من حيث التوسط للعالم القديم والحديث والتواصل المميز بعدد من الحضارات غيرت وجه العالم مثل الحضارة الفرعونية واليونانية والإسلامية كما أسهمت التضاريس الطبيعية من جبال وسهول وصحاري ووديان وبحر ونيل في إكساب شعبها تقاليد وعادات مختلفة مما أحدث تنوعاً متناغماً لا تمله العين الباحثة والمتبحرة في أصول الشعوب والثقافات، فمصر تمتلك تعددية تراثية شعبية من البدوية إلي الصعيدية ومن البحراوية إلي الريفية. إلا ان الأطماع العالمية والقوي الإستعمارية والتوسعية عبر التاريخ لم تنفك عن محاربة تلك الأمة الفتية فتتابع عليها الغزاة والأباطرة فكانت صلبة قوية بعزم أبنائها وتوحدهم خلف قادتها فردت الهكسوس والصليبيين وكفت العالم بأسره شر التتار وواجهت القوي العظمى آنذاك (فرنسا وإنجلترا) حتي تآمر عليها الخونة والفاسدون فوقعت تحت براثن الإحتلال ولم تركع بإذن الله حتي استعادت حريتها واستقلالها التام علي أيدي رجال أحرار وثقت في وطنيتهم وأمانتهم وكرة أخري تحالفت عليها قوي الشر ولم تلبث أن احتلت جزءاً غالياً من أرضها فخرج من رحمها رجال أعادوا لها كبرياءها الجريح وأخرجوها من ظلام اليأس إلي نور الرجاء. وبالأمس القريب، تواصلت عبقرية الشعب العظيم واستطاع منفرداً ومتوحداً مع قواته المسلحة في التخلص من جميع أنواع الوصاية سواء الداخلية منها أو الخارجية في فهم فطري وإيمان بمقدراته وثقة في الله. ولم يكتف أبناء هذا الوطن بذلك فأتبعوها بوضع خطط ومهام للتحول الديموقراطي للبلاد فيما عُرف "بخارطة المستقبل" فأنجزوا منها خطوتين فأصبح للبلاد دستور يعبر عن الأمال والتطلعات ورئيس وطني منتخب بإرادة وعزم المصريين. واستكمالاً لنوايا عُصبة الشر ضد الأمة الأبية تحالفت عليها قوي الظلام وخفافيش البشر وبدأوا ضدها حرباً شاملة من حروب الجيل الرابع فخاضت منفردة ومازالت حروباً ضد إرهاب أسود لا يعرف وطناً ولا ديناً إلا أنها بتوحدها وتماسك جبهتها الداخلية والخارجية وبسالة أبنائها من العسكريين والمدنيين لقادرة علي العبور من مستنقع الأوحال طاهرة وذكية وعطرة. وهكذا هو قدرها أن تواجه التحديات تلو الأخري بل وتستشرف المستقبل وكلما زادت التحديات كلما عُرفت أقدار وقيم الرجال وكلما زادت قيمة الوطن فهذه هي مصرنا دوماً بين المستقبل والتحديات. ومن براهين عبقرية هذا الشعب وعلي الرغم من التهديدات المتلاحقة لأمنه القومي والإقليمي ان يسارع بالمشاركة مع قيادته السياسية في إقامة العديد من المشروعات القومية العملاقة التي تهدف إلى تحسين مستوى معيشة المواطن وأحواله الاجتماعية والاقتصادية، والتي كانت البداية الفعلية لهذه المشروعات العملاقة في مشروع تنمية محور قناة السويس والذي سيعقبه مشروعات أخرى متعددة بتوفيق وإذن من الله. ومن البراهين أيضا،ً استكماله للتحول الديموقراطي من خلال فتح باب الترشح لمجلس النواب بل والإقبال الشديد علي المشاركة مما يعطي مؤشراً فعلياً علي الدعم الشعبي لتوجهات القيادة السياسية للبلاد ومؤشراً اخر علي استعداد الشعب لتحمل مسئولياته التشريعية والرقابية. إن المستقبل القريب والتحديات التي أمامنا تحتاج تضافراً للجهود من الجميع بغض النظر عن اختلاف الفكر والأيديولوجيات فمعركة الأمة المصرية الآن هي معركة وجود، وما دامت فكرة الوطن فوق ما عداها ومتفقا عليها فلابد وان يتقدم منا الشرفاء ذوي الكفاءة والرؤي والعلم والجهد لنمضي بمصرنا الحبيبة في طريق الأمل.