من المؤكد أن التطرف كله مرفوض جملة وتفصيلا بكل أشكاله وبكل اتجاهاته فلا يجوز مواجهة التطرف بتطرف مشابه، فالرئيس عبد الفتاح السيسي أكد أكثر من مرة أن تصحيح أسلوب الخطاب الديني لنشر الفكر الديني المعتدل لا يكون إلا من خلال الحوار والفكر، وطالب في أكثر من كلمة له بتعديل لغة الحوار وتقديم معالجات موضوعية لأي مشكلة أو ظاهرة تواجه مجتمعنا خاصة مسألة التطرف في الفكر الديني. واستكمالا لحديثنا في مقالات سابقة عن فكر المدخلية الذي ظهر في منابر بعض المساجد بالمنيا مؤخرا وتم وقف اثنين من الأئمة عن العمل بسبب نشرهما هذا الفكر الذي يغالي في تقديس الحاكم ويحرم التعددية الحزبية ، فإن إشاعة تسويغ استخدام العنف ضد الآخر بسلاح الفتوى، واستخدام النصوص الدينية وتوجيهها وتوظيفها بطريقة ملتوية، أمر لا يجوز السكوت عنه. لا يجوز تسهيل دخول أصحاب هذه الأفكار إلى المجتمع فتحقيق الاستقرار يتم بالعمل وليس بتحريم التعددية الحزبية، فنحن بغنى عن هذا الفقه المتطرف الذي يثير الفتنة، والذي لا يقل بشاعة عن التطرف الإرهابي الذي يبيح قتل رجال الجيش والشرطة. فالشيخ محمد أبو حطب وكيل وزارة الأوقاف بالمنيا، الذي أعلن في بيان له عن ضبط أصحاب هذا الفكر ومنعهم من الخطابة أكد أن الإمامين اللذين تم وقفهما عن الخطابة عملا على تبني فكر المدخلية بهدف نشره بين الأئمة. كما أنهما وعلى منابر مساجد المنيا أعلنا هدف هذا الفكر الذي لا يؤمن بالديمقراطية بل ويكفر المنادين بها والداعمين لها، وكأنهم اطلعوا على قلوب العباد وكأن الجنة بأيديهم والنار بأيديهم، ولم يكتفوا بذلك بل وصفوا الديمقراطية بالحمار الأعرج. أصحاب هذا الفكر ينتهجون منهج التقيه، وهو استحلال الكذب والمراوغة والمداهنة، وكانوا يقومون بتوزيع كتيبات تحمل شعلة فكر المدخلية ويراوغون ويزعمون أنهم يحاربون جماعة الإخوان من أجل أن تلقى دعوتهم رواجاً بين الأئمة وبين الناس، من باب باطل أريد به باطل، فهم يخرجون من عباءة واحدة، فكما كان فكر الإخوان يحرم الخروج على الحاكم فهذا هو منهجم وفكرهم أيضا. المشكلة التي تواجه مكافحة هذا الفكر ، أن التيار المدخلي عادة ليس له رموز أو قادة معروفون، وإنما تأتي تحركاتهم في شكل جهود فردية، كلٌ في منطقته. ربما تلتقي أفكار عدد منهم فيشكلون مجموعات عمل أو مركزا لنشر أفكارهم لكنه ليس تنظيما يتحرك خلف قيادة بعينها. لكن المصالح قد تحرك هؤلاء طمعا في سلطة أو مال. في مصر ظهرت هذه الفئة التي خرجت من عباء السلفية ، التي يقسمها ماهر فرغلى في كتابه "سراديب السلفيين - محاولة لفهم الحالة السلفية" إلى عدة أقسام . واعتبر أن السلفيين الحركيين هم الأخطر، فهم يرفضون تكوين جماعة خاصة، لكنهم يشجعون أتباعهم على التعاون مع جميع الجماعات العاملة حتى تنظيم القاعدة، حتى إن كل المجموعات المسلحة التى قبض عليها فى مصر، اعترفت فى التحقيقات أنها كانت من تلاميذ محمد عبدالمقصود وفوزى السعيد شيخى هذا الفصيل الذى يدعو للانقلاب على أنظمة الحكم. وعلى النقيض تماما يظهر التيار الآخر من السلفية وهو التيار "المدخلى" بقيادة أسامة القوصى ومحمود عامر الذى كان أفتى بقتل البرادعى حيث يرى بعدم الخروج على الحاكم المسلم. في عدة دول مجاورة بدأ يظهر هذا الفكر ، فمن الكويت والسعودية والأردن إلى ليبيا ، ومؤخرا مصر، وكلها خرجت من عباءة السلفية لكن وكما مصر دائما حصن الإسلام المعتدل ، لذلك نحن بحاجة إلى مواجهة التطرف بكل صوره ضد الدولة أو المعارضين ، لتكون المواجهة عبر نشر الوعي والفكر المعتدل والصحيح والفقه العميق لمواجهة الأفكار التي تنظم نفسها فقها أو شرعا يتحدث بلسان الدين وتطبيق الشرع. المسألة عاجلة وملحة في نشر ثقافة التسامح وتقبل الآخر وترسيخ التعددية وهي صيغ التوافق القائمة على احترام الدستور والقانون والنظام.