حراك دبلوماسي وسياسي شهدته القضية الفلسطينية على مدى عام 2014 ذلك الحراك الذي أحدثته اعترافات رمزية أوروبية بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدسالشرقية على حدود 1967..وقبيل انقضاء العام ، تتجه أنظار العالم إلى أروقة مجلس الامن ومتابعة ما ستجنيه الساعات المقبلة بشأن مشروع قرار قدمته الاردن أمس باسم المجموعة العربية إلى المجلس الدولى ينهي الاحتلال الاسرائيلي عن الأراضي الفلسطينية ويدفع بمفاوضات جديدة إلى الطاولة. وبات موقف الولايات المتحدة محل ترقب شديد لما سيتجه إليه إزاء هذا المشروع، وسط حذر من أن تستخدم حق النقض (فيتو) ضد هذا المشروع، فى خطوة اعتراضية قد تعيد هذا الحراك السياسي والدبلوماسي فى هذه القضية إلى نقطة الصفر ويغير من مسار هذ ا المطلب من سياسي إلى آخر قانوني ستتخذه فلسطين ضد اسرائيل أمام المحكمة الجنائية العليا فى لاهاي. ولم يظهر موقف الولايات المتحدة بشكل واضح حتى الآن بعدما أخذ منحنى التصريحات التى أطلقتها "صعودا وهبوطا" ما بين التلويح باستخدام (فيتو) كما بدا فى التحذير الذي ابلغه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات خلال لقائهما أول أمس ..وبين موافقتها على إقرار مشروع "رزين" وفق ما قاله كيري من أن بلاده ليست لديها "أي مشكلة" في حال تقديم الفلسطينيين إلى الأممالمتحدة مشروع قرار "رزين" يمكن أن يحقق آمالهم في قيام دولة فلسطينية شرط ألا يزيد مشروع القرار هذا من التوتر مع إسرائيل. ويبقى الموقف الامريكي يترنح ما بين السعي لإرضاء مصالح إسرائيل وبين محاولتها بحث سبل تجنب تبعات استخدامها حق (فيتو) وتحويل مسار القضية إلى محكمة لاهاي؛ مما سيعقد الأمور من وجهة النظر الامريكية والاسرائيلية؛ وهو ما قد يدفعها فى نهاية المطاف إلى إدخال تعديلات ربما تفرغ فحوى مقصد الفلسطينيين فى مشروعهم. وقدم الفلسطينيون أمس الاربعاء مشروع قرار إلى مجلس الأمن ينص على المطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضي دولة فلسطين خلال ثلاثة أعوام. ومشروع القرار هو الآن باللون الأزرق، مما يعني أنه أصبح جاهزا ليصوت عليه في مجلس الأمن بعد24 ساعة من تقديمه في حال لم تطلب أى من الدول ال15 الأعضاء فى المجلس مناقشته وهو أمر متوقع. ويقضى مشروع القرار الفلسطيني العربي المقدم إلى مجلس الامن ب"إلزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضى الفلسطينية التى احتلتها عام 1967 بما فيها القدس المحتلة ، قبل نهاية 2017". إذا فالأمر فى المشروع سيتغرق ثلاثة أعوام ففكرة العودة إلى مفاوضات جدية ستتم في السنة الأولى بينما إنهاء الاحتلال يتم في السنتين التاليتين أي نهاية 2017 بدلا من 2016 كما كان ينص مشروع القرار الفلسطيني الأصلي قبل إدخال الملاحظة الفرنسية..كما شمل مشروع القرار الذي قدم "حل قضية اللاجئين ووقف الاستيطان والاعتداءات ومصادرة الأراضى وهدم البيوت". وينص مشروع القرار على ضرورة أن يستند اي حل يتم التوصل اليه من خلال التفاوض إلى عدة عوامل منها حدود 1967 والاتفاقات الامنية والقدس كعاصمة مشتركة للدولتين ؛ وهو ما يلبي الطموح المشروع للطرفين ويحمي حرية العبادة. كما يدعو النص الجانبين إلى التوقف عن اي اجراءات احادية وغير قانونية بما في ذلك الانشطة الاستيطانية والتي قد تقوض جدوى حل الدولتين. ويحتاج الفلسطينيون موافقة 9 أعضاء أو أكثر من أعضاء مجلس الامن ال15 للتصويت لصالح اعتماد القرار، وذلك طبقا للمادة 26 من ميثاق الاممالمتحدة ولكن بشرط آلا تعترض عليه أي دولة من الدول ال 5 دائمة العضوية..وحتى الآن ضمن الفلسطينيون 6 دول أعضاء في مجلس الأمن لتأييد المشروع العربي، وهي الأردن وروسيا والصين وتشاد ونيجيريا والأرجنتين، بينما تعارضه الولايات المتحدة ولتوانيا وكوريا الجنوبية ورواندا وأستراليا، ويبقى موقف لوكسمبورج وفرنساوبريطانيا وشيلي غير واضح بانتظار نتائج المفاوضات. وكانت السلطة الفلسطينية قد صاغت مشروع قرار ينص على إقامة دولة فلسطينية وعاصمته القدسالشرقية على حدود 1967 بحلول نوفمبر 2016.. وفى اكتوبر الماضي وزعت فلسطين مسودة مشروع قرار بهذا المعنى على أعضاء مجلس الامن الدولى تمهيدا لتقديمه رسميا إلى المجلس. وقد بلور فحوى المشروع الفلسطيني ، كافة العناصر التى تضمنتها مبادرة السلام العربية والثوابت الوطنية للشعب الفلسطيني بما فيها اعتبار القدسالشرقية عاصمة لدولة فلسطين جزءا لا يتجزأ من الاراضي التى يجب أن ينسحب عنها الاحتلال ، وضمان حقوق اللاجئين وفق قرار 194 . وفى مقابل المشروع الفلسطيني، نادت فرنسا (العضو الدائم فى مجلس الامن) بمشروع مواز نجحت فى إقناع بريطانيا (وهي أيضا عضو فى مجلس الامن) وألمانيا بالانضمام إليها..ورمى المشروع الفرنسي إلى ترتيب مؤتمر دولي لاطلاق مفاوضات تستمر حتى 2017 تقام بعدها الدولة الفلسطينية. وفى مقاربة بين مشروعي القرار الفرنسي والفلسطيني يتضح نوايا المشروعين.. ففي الوقت الذي حوت فيه المبادرة الفرنسية نصا على أن المدة التى تستمر حتى 2017 هي لإنهاء المفاوضات وبعدها يبدأ الحديث عن بدء الانسحاب، نصت المبادرة الفلسطينية (فى نسختها قبل الأخذ بملاحظة فرنسا) على أن مدة العامين هذه لإنهاء الانسحاب وليس لإنهاء التفاوض، كما أن المبادرة الفرنسية لم تكن تتحدث عن الاعتراف الفوري بفلسطين كدولة دائمة العضوية فى الاممالمتحدة. ووسط ذلك كثفت المجموعة العربية من تحركاتها الدبلوماسية فى نيويورك باتجاه تقديم مشروع فلسطيني عربي يأخذ فى عين الاعتبار الملاحظات الفرنسية وغيرها بشكل يبلور معها تطلعات الشعب الفلسطيني وينهي الاحتلال ويتجاوز مبدأ التفاوض الثنائي (الاسرائيلي الفلسطيني) بعدما أثبتت هذه المفاوضات فشلها بعد نحو عقدين، ليتم توسيع إطار المفاوضات وإعادة إطلاقها في مؤتمر دولي على غرار مؤتمر مدريد، ويضم أطرافا جديدة بينها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية ودول عربية "أساسية". فمن "وعيد أمريكي" إلى "وعد فلسطيني" ربما ستسير الامور خلال العام القادم.. ففي مقابل "وعيد" أطلقته الولايات المتحدة في وجه منظمة التحرير الفلسطينية إزاء محاولتها الإقدام على اللجوء إلى مجلس الامن، يبقى على السلطة السير في تنفيذ "وعدها" الذي قطعته أمام شعبها بأنه في حال فشلت خطتهم في مجلس الامن سيستعدون إلى الانضمام لاتفاقية روما من أجل اتخاذ خطوات قانونية ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية. وبالفعل أتيحت الفرصة، لأول مرة، أمام المراقب الدائم لدولة فلسطين السفير رياض منصور الاثنين الماضي لمخاطبة جمعية الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية وعددها 122 دولة تحت بند (94) الذي يتيح للدول غير الأعضاء في المحكمة مخاطبة الجمعية وهو ما أعطى لفلسطين فرصة إعمال البند بعد مراجعته مع الدائرة القانونية حيث وجد أنه ينطبق على فلسطين كدولة في وضع "مراقب" وليست عضوا في المحكمة. وفى كلمة استغرقت نحو 10 دقائق، علت كلمات منصور وقتما قال "إن الشعب الفلسطيني ينظر إلى هذه المحكمة بحثا عن العدالة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها إسرائيل، قوة الاحتلال للأراضي الفلسطينية بما فيها القدسالشرقية. فإذا لم يكن لدينا القدرة على محاكمة من يرتكب جرائم ضدنا أليست المحكمة الجنائية الدولية هي العنوان الصحيح الذي نتوجه إليه؟.. ألم يقل نظام روما الأساسي إن تحويل الدولة المحتلة لجزء من سكانها إلى الأراضي التي تحتلها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة يشكل جريمة حرب؟.. أليس من المنطق إذن أن نتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية ونحن نرى انتشار المستوطنات والمستوطنين في أراضينا المحتلة؟.. أليس مقتل أكثر من 500 طفل وجرح أكثر من 3 آلاف في عدوان الدولة المحتلة على شعبنا في الجزء الجنوبي من دولتنا في قطاع غزة لمدة 50 يوما يستحق تقديم المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجرائم للمحكمة الجنائية الدولية؟". وفى عودة إلى القانون الدولي وإطاره العام نجد أن هذه الجرائم الدولية تشكل "العمود الفقرى" لما بات يعرف ب"القانون الجنائي الدولي" وهذا القانون الذي طبق للمرة الأولى أمام محكمة نورمبرج وطوكيو في 1945 و1946 اعتمد مسارات طويلة انتهت بتشكيل المحكمة الدولية استنادا إلى الاتقاية الدولية في روما 1998. ففي 17 يوليو 1998، وافقت 120 دولة في اجتماع الجمعية العمومية للامم المتحدة في ايطاليا على ما يعرف بميثاق روما واعتبرته قاعدة لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة..فيما رفضت 7 دول على رأسها امريكا واسرائيل.هذا وقد تأسست المحكمة الجنائية الدولية بصفة قانونية في الأول من يوليو 2002 بموجب ميثاق روما الذي دخل حيز التنفيذ في 11 أبريل من السنة نفسها بعد تجاوز عدد الدول المصادقة عليه الستين دولة. ومن اختصاصات المحكمة النظر في الجرائم المتعلقة بالابادة الجماعية وقد عرفها ميثاق روما بأنها تعني القتل أو التسبب بأذى شديد بغرض إهلاك جماعة أو قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية إهلاكا كليا أو جزئيا. كما تنظر المحكمة في الجرائم ضد الانسانية وهي فعل من الافعال المحظورة المنصوص عليها في نظام روما اذا ارتكبت بشكل منظم وممنهج ضد مجموعة من السكان المدنيين.كما تختص الجنائية الدولية بالنظر في جرائم الحرب وهي تعني كل الخروقات المرتكبة بحق اتفاقية جنيف لسنة 1949، ثم أضيفت جرائم الارهاب إلى الجرائم الدولية التى تنظرها الجنائية. وتتنوع جرائم إسرائيل التى ارتكبتها خلال هذه الفترة الطويلة بحق الشعب الفلسطيني ، ما بين ما يمكن وصفه بجرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم العدوان وذلك وفقا لاحكام القانون الدولي.. فبدءا من مجزرة دير ياسين إلى مجزرة جنين والعدوان المتوالي على قطاع غزة ومنها ما يمكن أن يتعلق بارهاب الافراد وارهاب الدولة معا، ومنها ما يتصل بانتهاك الاتفاقيات الدولية (تحديدا اتفاقية جنيف الرابعة) إضافة إلى خرق القرارات الدولية لاسيما وأن مجلس الامن أصدر عشرات القرارات التى أكدت ادانة دولة اسرائيل من منطلق سياساتها كقوة قائمة بالاحتلال. وقد استطاعت اسرائيل طوال الفترة الماضية أن تتنصل من تنفيذ موجات القرارات الدولية المتلاحقة خاصة أن مجلس الامن لم يصدرها استنادا إلى الفصل السابع (باستنثناء القرار رقم 62 الذي فرض بموجبه الهدنة بين اسرائيل والعرب 1948 – 1949 ). يذكر التاريخ أن فلسطين كانت قد تقدمت في عام 2009 بطلب انضمام لميثاق روما ، لكي تحقق المحكمة في جرائم حرب قامت إسرائيل بارتكابها أثناء حربها على غزة نهاية عام 2008 ، غير أن المدعي العام للمحكمة وقتها جابه هذا الطلب بالرفض، وقال إن اختصاص المحكمة يقتصر فقط على الدول ، وإن الوضع الممنوح لفلسطين في الأممالمتحدة (في ذلك الوقت) هو مركز "مراقب" ، وليس "دولة غير عضو". وقال إن المحكمة يمكن أن تنظر في المستقبل في "مزاعم الجرائم المرتكبة في فلسطين"، وذلك عند تغيّر وضع فلسطين في الأممالمتحدة. وحصلت فلسطين فى التاسع والعشرين من نوفمبر عام 2012 خلال اجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة السابع والستين على قرار حمل رقم 19/67 يعتبر فلسطين أنها دولة مراقب بالاممالمتحدة ، وهو القرار الذي حول فلسطين من مسمى "كيان" إلى دولة. وفي يوم الجمعة 11 أبريل عام 2014 أعلن المجلس الفيدرالي السويسري (الجهة الوديعة لاتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولاتها) عن قبول فلسطين "طرفا ساميا" في اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولها الإضافي، وذلك بناء على الطلب الذي تقدمت به فلسطين بعد توقيع الرئيس محمود عباس على طلبات بالانضمام إلى 15 اتفاقية دولية ، كرد فعل على عدم إفراج إسرائيل عن الدفعة الرابعة المتفق عليها من السجناء الفلسطينيين ، ما أدى إلى تعثر المفاوضات. كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد تقدمت بطلب سابق فى عام 1989 لانضمام فلسطين لاتفاقيات جنيف ، ولكن الحكومة السويسرية قالت حينها "إنها في موقع لا يسمح لها بتقييم قبول أو عدم قبول هذا الانضمام ، كون أنه ليس من الواضح ما إذا كانت فلسطين تعد دولة". وفى سبيل مسعى السلطة إلى تحريك المياه الراكدة في قضية حقوقها ، استضافت مدينة جنيف السويسرية أمس الاربعاء ، بمشاركة سفراء نحو 200 دولة ، مؤتمر "الاطراف السامية لاتفاقية جنيف الرابعة" من أجل احترام اتفاقيات جنيف فى الاراضى الفلسطينية . وقد صرخ المشاركون ، في المؤتمر ، ضيقا من الانتهاكات المتكررة للقانون الدولي من أطراف النزاع، بما في ذلك العمليات العسكرية والهجمات الموجهة ضد الأراضي الفلسطينية المحتلة. وحمل المؤتمر أهمية خاصة فى ظل اعتراف سويسرا بدولة فلسطين والمبادرات التى شهدتها برلمانات دول: فرنسا وايرلندا واسبانيا وهولندا وأخيرا برلمان لكسمبورج والبرلمان الاوروبي من أجل الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة فى الاشهر الاخيرة اذ اعترفت 135 دولة بها حتى الان.