اعتدتُ من حين لآخر، عندما تتراكم على عاتقي مشكلات الحياة، أن أذهب إلى منطقة كامب شيزار بالإسكندرية، حيث منظر البحر الرائع، والهدوء الذي يحوم على جميع أرجاء المكان، غالبًا ما أعود من هذا المكان سعيدًا ومرحًا، وكأنه المكان الذي يزيل كل همومي ويعيدني شخصًا آخر، شخص يتطلع إلى الحياة بنظرة أكثر تفائلًا، ولكن من الواضح أن البحر أراد أن يحدثني هذه المرة بطريقته الخاصة، أراد أن يخبرني بقصة مأساة شاب أتحمل جزءًا كبيرًا منها بدون أن أدرى، وكيف أدرى! وأنا لا أعرفه، فهذه هى المرة الأولى التى أراه فيها، فعندنا ذهبتُ إلى مكاني المفضل وحرصت أن أجلس على المكان الذى اعتدت الجلوس عليه، وجدت شخصًا جالس يبكي وكأنه يحمل كل هموم الدنيا، اقتربتُ منه قليلًا ولكن سرعان ما وجدته ينظر إلىّ وكأنه يريد أن يقول اتركني، أرغب فى الجلوس بمفردي. بالفعل عندما بدأت الاقتراب منه قال: أريد أن أجلس بمفردي، فهل من الممكن أن تتركني. أحسست أنه يمر حقًا بأزمة حقيقية فحاولت أن أهدئ من روعه فقلت له: أعلم جيدًا أنك حزين، فحاول أن تقص عليَ ما بك؟ واعلم أن سرك سيذهب معي وأنا ذاهب فأنا لا أعرفك، فلعل تجد ردًا يخفف عنك الكثير. فأجاب: لا، لا أحتاج إلى شىء، فقد خسرت كل شىء، وانهالت الدموع من عينيه. فأسرعت وجلست بجانبه قائلًا: كفاك حزنًا، قص عليّ لعل كلامك معي يرحك، واعلم أن سرك يذهب بمجرد ذهابي من هذا المكان. سرعان ما وجدته ينظر إلي قائلًا: سأقص عليك، قصة شقائي. أولًا أنت لا تعرفني فأنا خالد، شاب بسيط كان يحب الضحك والمرح، ولكن سرعان مافقد كل شىء، فمنذ خمسة أعوام، كنت شابًا مرحًا، سعيد بحياتي، تعرفتُ بالصدفة على فتاة، كنت أشعر نحوها كمثل أى زميلة جمعني بها مكان دراسة، لم أكن أتصور أنني سأحبها فى يوم من الأيام ولكن حدث ذلك، كثرة الاهتمام جعلتني أتعلق بها بالفعل، شعرتُ أنها تحبني، تعرفتُ عليها، وكنتُ على وشك أن أتقدم إليها، وعلى الرغم من مرور ثلاثة أعوام عشت خلالها أجمل أيام حياتي، فوجئتُ برفضها بدون إبداء أية أسباب، وعلمت بعد ذلك بجوازها، بعد خمسة أشهر على فراقنا، حيث تقدم إليها أحد أقاربها، وعقد قرانها، وكأنني لم أظهر فى حياتها، وسألت نفسي: هل أنا شخص قليل بهذه الدرجة؟ سرعان ما نظرتُ إليه قائلًا: لماذا تقول ذلك؟ قليل! أنت لم تخطئ فى شىء أنت أحببت بصدق، نعم أحببت بصدق، على الرغم من أني أشك فى هذا الحب المزعوم!، هذا لا يحسب حبا، أنت تعلقت بفتاة أردت أن تتزوج، فاختارتك ولكن عندما وجدت الأنسب تركتك، فلا أعتقد أنها كانت تحبك، كان يتوجب عليها أن تتمسك بك، أو على الأقل تصرح لك بسبب تركها لك، أفضل من أن تتركك فى بحر الشكوك والأوهام، هل تحدثتم قريبًا؟ وجدته يقول: علمتُ من صديقتنا رباب أنها تزوجت وأنجبت خالد ورباب، فابتسمت قليلًا قائلًا: وأنا أيضًا لدي طفلين خالد ورباب، من الواضح أنها مازالت تحبك فقد سمت اسم أحد أبنائها على اسمك، ألا تجد في ذلك حزنًا عميق بداخلها على فقدانك؟ وضحكتُ قائلًا: ما زلتُ متذكر اسمها؟! فأجاب: نعم، ولكني أرفض ذكره، حتى لا أتذكرها، وأتذكر أيامنا الجميلة. انتبهت جيدًا لحديثه وأسرعت قائلًا: لدي سؤال يحوم على خاطري وهو، أنت حدثتنى أنك أحببتها طوال ثلاثة أعوام ثم انتهى الموضوع بزواجها، فهل مازالت تبكي عليها عامين؟ فسرعان ما قال: كنت أتذكرها من حين لآخر، ولكن هذه أول مرة أجد نفسي أجلس بجوار البحر، وأتذكرها وأبكي على فراقنا، فأمل أفقدتني أية أمل فى الحياة. فى هذه اللحظة شعرتُ وكأن الكلام يرفض أن يخرج من فمي، ولكن سرعان ما نظرت إليه قائلًا: أمل! يا له من اسم جميل! فلابد أن تكون رسامة ماهرة، فهذا الاسم دائمًا ما يميل إلى الفن فوجدته يقول: أنت رائع! بالفعل هى تحب الرسم كثيرًا، ودائمًا ما تقدم لوحات رائعة، لوحات تسر الناظرين حقًا. فأدركت فى هذه اللحظة أنه يتحدث عن زوجتي، تلك التى تزوجتها قبل سفري مباشرة، وأسرعت فى تنظيم حفل الزفاف، حتى تستطيع مرافقتى فى السفر، لم أكن أدرك أني بفعلي هذا، أجرمتُ فى حق شخص، حولت حياته من سعادة وهناء، إلى كآبة وشقاء. حاولت أن أوهم نفسي، بأن كل ذلك، من الممكن أن يكون صدفة، فاسمها وأسماء أولادنا وموهبتها، قد تتمتع به عدد كبير من الفتيات، فحرصتُ على أن أسأله عدة أسئلة أخرى، ولكن أيقنتُ فى النهاية أنه يتحدث عنها. تعجب الفتى من أسئلتي الكثيرة فقال: كل هذا، وأنا لا أعرف اسمك؟ فرددتُ: حاولت أن أخفف عنك همومك البسيطة، فقد أضفت لي همًا، لن أستطيع إزالته طوال حياتي! وذهبتُ. طوال الطريق وأنا أفكر فى حديثي مع هذا الشاب، لم أجد حلا، فقررت أن أنسى كل ذلك، فزوجتي لم تحدثه بعد ذلك، مازالت مخلصة لي، تحاول إرضائي بقدر الإمكان. بالفعل ذهبتُ إلى بائع الورد القريب من منزلي واشتريت باقة ورد لها وذهبتُ إلى المنزل وأنا صاعد إلى منزلي سمعتُ صياحًا عاليًا خارجا من شقتي، فانزعجت كثيرًا وألقيت باقة الورد على الأرض، وأسرعت إلى منزلي لأرى ما حدث، فرأيت خالد ورباب يبكيان، وبجانبهما أقاربهما يصيحون بصوت عال، ويحتضنون الأطفال الصغار، فسألت منزعجًا ماذا حدث؟ فقالوا لي لقد تعرضت زوجتك منذ قليل لحادث، ولقيت مصرعها بعدها بلحظات على الفور، فاحتضنت أبنائي، وطوال الليل لم أنم، فقد جلست أتحدث معهما عن ذكرياتي مع والدتهما، وحبها الكثير لهما، وأطلب منهما أن يحبا بعضهما كثيرًا. جاء الصباح أخيرًا، شعرتُ وكأن الليل مر وكأنه عام ، فبالفعل ذهب الليل، وبدأ يوم جديد، عندما ذهبتُ لشراء بعض مستلزمات المنزل، لفت انتباهي خبر فى إحدى الجرائد، الخبر نزل علي كالصاعقة، لم أمتلك نفسي من البكاء عندما قرأته، فالشاب الذي كان يحدثني أمس، تعرض لحادث، تقريبًا فى نفس وقت تعرض زوجتي للحادث، وكأنه بكاءه لم يكن على فراقها، ولكنها بسبب أنه سيلقاها فى عالم آخر، عالم آخر أرحم من أى شىء. هذه القصة من وحي خيال المؤلف، وليس لها أية علاقة بالواقع، هذه أول قصة قصيرة أقدم على كتابتها، وأرجو أن تنال إعجابكم.