تمر هذه الأيام ذكرى ميلاد عبقري الكوميديا، عبد الفتاح القصري، صاحب أشهر إفيهات نرددها ونضحك عليها حتى الآن، ونستعملها في حياتنا اليومية، مثل «أنا كلمتي لا يمكن تنزل الأرض أبدا» في فيلم ابن حميدو، وكذلك جملته من نفس الفيلم «الباز أفندي ده عريس أنا نفسي أتمناه»، أو جملته الشهيرة «ياصفايح الزبدة السايحة يابراميل القشطة النايحة» من فيلم لو كنت غني، أو جملته من فيلم سكر هانم «ست أنا مش شايف أدامي أيتها ست»، ولا ننساه أيضا وهو يتهجى كلمة ثعبان في فيلم الأستاذة فاطمة «ث ضمة ثو، ع سكون أوع، ب فاتحة با، ن سكون أون» وفي النهاية ينطقها «حاناشون». تمتع القصري بكاريزما وخفة دم طبيعية، بأسلوبه في الكلام، وحركات جسده، وطريقة مشيته، وقامته القصيرة، وصوته الذي لا تخطئ الأذان في معرفته، وشعره الأملس، حتى أصبح فنان الكوميديا الذي لن يتكرر مرة أخرى. رغم أنه لم يلعب دور البطولة المطلقة، وكان دائما سنيد البطل، إلا أنه استطاع بخفة ظله أن يصنع لنفسه مكانا مميزا في عالم التمثيل، فمثّل حوالي ستين فيلما، قدم خلالهم شخصية الرجل البسيط ابن البلد الفهلوي الذي يدعي الثقافة، ومن أشهر أفلامه «المعلم بُحبُح، وبنت المعلم، ولعبة الست، وابن حميدو، والآنسة حنفي، وسكر هانم»، وكان آخر أفلامه الذي لعب فيه دور المعلم شاهين الزلط عام 1960. ولد القصري يوم 15 أبريل عام 1905 لأب ثري يعمل في تجارة الذهب، وتلقى تعليمه بمدرسة الفرير الفرنسية، فتعلم الفرنسية وأتقنها، وظهر عليه حبه للتمثيل منذ الصغر، فبعد إنهاء دراسته التحق بفرقة عبد الرحمن رشدي، وبعدها فرقة نجيب الريحاني، ثم فرقة الفنان إسماعيل يس. تعارض اتجاهه للتمثيل مع رغبه أبيه الذي هدده بحرمانه من الميراث، لكنه رفض التهديد، ومضى نحو هدفه بإصرار مضحيا بميراث أبيه، فتحدى بذلك تقاليد عائلته المحافظة. رغم قدرته على إثبات موهبته، فلا تزال أعماله إلي اليوم ترسم الضحكة على شفاهنا، وتملأ نفوسنا بهجة، إلا أن نهايته كانت مأساة حقيقة، حيث فقد بصره فجأة أثناء أداء دوره في إحدى المسرحيات مع الفنان إسماعيل يس، ودخل في صراع مع المرض أصابه بأزمة نفسية حادة، خاصة بعد أن تخلت عنه زوجته، وتنكر له الكثيرون، حتى أصيب بتصلب في الشرايين أثر على مخه، أدى إلى فقدانه الذاكرة، فتذوق المرارة في آخر أيامه حيث قضاها معزولاً في غرفته يعاني الظلمة والوحدة. وتوالت عليه النكبات، حتى جاءت نهايته في مستشفى المبرة، ولقى ربه صباح الأحد الثامن من مارس عام 1964م، ولم يحضر جنازته سوى عدد قليل بينهم ثلاثة أفراد من أسرته والفنانة نجوى سالم.