تنتقل الحكايات من جيل لآخر بالسرد الشفهي أحيانًا، وعبر تدوينها للحفاظ عليها كفن أدبي مثل باقي الفنون المعروفة أحيانًا أخرى. وبالرغم من عدم وجود تعريف دقيق لهذا الفن، إلا أن الحكواتي هو من يحمل في جعبته الكثير من الحكايات التي اكتسبها من واقع خبرته، أو وصلت إليه واحتفظ بها، ويمتلك من الشخصية والمهارات الإبداعية ولغة الجسد والانفعالات ما يؤهله ليحول هذه الحكايات إلى سحر ودهشة تستحوذ على المستمع وتجذبه. الحكواتية جيهان يحيى أبو لاشين من قطاع غزة تحدثت ل "البديل" عن تجربتها في نقل هذا الفن والعمل على إبقائه حيًّا على مدار سنين طويلة، قائلة إن عملها في مؤسسات المجتمع المدني كان شرارتها الأولى لممارسة فن الحكي، حيث كان من المغري لها أن تقابل أطفالًا وكبارًا من عامة الشعب في أماكن محددة؛ لتروي لهم الحكايات، وكانت تشعر في كل مرة أنها بحاجة للبحث عن حكايات جديدة، غالبًا ما تكتبها أو تبحث عنها؛ لتكون جاهزة في كل مرة يطلب منها أحد أن تروي له حكاية ما. وتوضح أبو لاشين أنها لم تكن تمارس هذا الفن منذ سنوات سابقة بهذا الشكل، إذ كانت تقتصر على قص الحكايات لأطفالها وإلقائها بطريقة عابرة، ولكن بعد اختلاطها بالجمهور وقربها منهم في ميادين العمل، طورت مهارتها التي لم تكن تأخذها على محمل الجد، إضافة لتطوير أدواتها، وحينها أصبحت تتعامل مع الأمر بما يستحقه من اهتمام. وتذكر الحكواتية جيهان أبو لاشين أن عملها في مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي مكّنها من تطوير مهارتها بشكل كبير، حيث وفرت لها المؤسسة فرصًا كبيرة لتكون قريبة من الكتب والمكتبات، كما امتدت تجربتها مع مؤسسة تامر؛ لترشحها للسفر إلى إيطاليا؛ للمشاركة في تدريب مكثف حول حكايات الشعوب؛ ما يعزز لغة الحوار بين ثقافات مختلفة من خلال الحكاية، وقابلت خلال سفرها الحكواتية الفلسطينية دينيس أسعد، كما أتاحت لها المؤسسة فرصة للوصول إلى رام الله؛ لتحصل هناك على تدريب في فن الحكي مع الدكتورة الحكواتية سونيا نمر، والحكواتية ميكائيلا، ودعمت هذه التجارب في تعزيز وتطوير خبرتها في فن الحكي. ولفتت أبو لاشين إلى أن فن الحكواتي لم يعد كما كان في سالف عهده، حيث لم تعد للحكاية مساحتها الكافية، إلا أنها لا تميل للاعتقاد بأن هذا الفن قد يؤول إلى الانقراض يومًا، خاصة وأن هناك العديد من الحكواتية العرب الموجودين بقوة والذين يلقون اهتمامًا فريدًا أينما ذهبوا. وأشارت إلى أن هناك بعض المحاولات للحفاظ على هذا التراث، والتي تقوم بها مؤسسات فلسطينية، مثل مؤسسة تامر ومؤسسة القطان للطفل، معربة عن أنها محاولات مأخوذة على محمل الجد، إلا أن ما يواجه هذا الفن من وجهة نظر الحكواتية أنه لم يعد الوسيلة الوحيدة للتسلية في ظل الانفتاح المشهود على العالم والثقافات الأخرى، والمتمثل فيما توفره الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي. وفيما يخص أدواتها نوهت أبو لاشين بأنها تستخدم كل ما هو مرئي وحيوي، وتميل للحكي والتواصل المباشر مع الجمهور بعينيها، وتستخدم أيضًا أدوات متعددة ترى أنها تضيف متعة أخرى للمتلقي، وتتمثل في استخدام الدمى وخيال الظل والأقنعة وتقمص دور مهرج أحيانًا، إضافة لاستخدامها الحكاية في فيلم سينمائي وجعل الصوت خلفية للمشاهد، كما استطاعت أن تدمج فن الحكي بالمسرح. وتجمع الحكايات من وجهة نظرها بين المتعة والتعلم، حيث يتعلم الجمهور الكثير من خلال الحكايات بشكل أو بآخر، إلا أن هناك عددًا من الحكايات التي قيلت من أشخاص ليسوا تربويين بالأساس، فلم تُكتَب وفق أسس ومعايير تراعي الوعي تمامًا، لكنها تعطي الجمهور دروسًا يستفاد منها، خاصة إذا تم مناقشتها فيما بعد. وتختتم أبو لاشين حديثها بأن فن الحكاية من الفنون التراثية الأصلية التي يمكن أن تراعي هذا الإيقاع السريع في الحياة، وله معاييره ومهاراته وأجواؤه، كما أنه لين بما يكفي لاستخدام أدوات عصرية كالرسوم المتحركة والمؤثرات الصوتية كالدمى وغيرها، ويمكن لهذا الفن أن يقبل الإضافة عليه، حيث لا يوجد فن يبقى جامدًا، مختتمة بأن الإضافات في جميع الأحوال يجب ألا تؤثر على جذوره وأصالته. ونشرت أبو لاشين ما يقارب من 17 قصة للأطفال في مجلات وجرائد عربية مختلفة، إضافة ل 12 قصة في مجلة الزيزفونة. وصدر لها عن مؤسسة تامر قصة "تفاحة وحلم"، ولديها مجموعة قصصية ما زالت قيد الطبع بعنوان "مريم الصغيرة"، وهي موجهة للأطفال تحت سن السادسة. كما صدرت لها سلسلة علمية لدعم منهج العلوم في الصف الخامس الابتدائي. وترجمت عددًا من قصص الأطفال تحت الطبع الآن. وتشارك حاليًّا في إنشاء مجلة لليافعين في غزة، تساهم فيها بسلسلة قصصية اجتماعية وقصص مغامرات. وأصدرت رواية إلكترونية لليافعين بعنوان "فارس". وصدر لها كتاب إلكتروني حول أدب الأطفال بعنوان "طل القمر"، ويتناول مفهوم الطفل وخصائصه العمرية وتاريخ أدب الأطفال العالمي والعربي، ويعد توثيقًا لتجربة إلكترونية.