تطرح القمة الرئاسية المقامة في العاصمة اليونانية أثينا بين مصر وقبرص واليونان، و التي تعد الثالثة على التوالي في أقل من عامين، سؤالًا: ما الهدف من تعدد هذه القمم بين تلك الدول الثلاثة؟ وأكد كثير من المحللين أنها تحمل عدة دلائل، أبرزها أن الدول الثلاثة تحمل مشروعًا مناهضًا لتركيا؛ لخلافات عديدة معها في المنطقة أو لوجود قضايا نزاع قديمة، كما أنها قد تكون فرصة للتعاون الثلاثي؛ لإعادة ترسيم الحدود المائية في البحر المتوسط. وهذه الدلائل دعمتها عدة تصريحاتمعلنة من جانب دول القمة. ويرى المحللون أن الهدف من تعدد القمم هو السعي المرحلي لبناء تعاون إقليمي وتعزيز العلاقات بشكل شامل اقتصاديًّا وسياسيًّا بين تلك الدول، حتى تمثل تكتلاً للضغط على تركيا، خاصة مع وجود خلاف بين اليونان وقبرص من جهة، وتركيا من جهة أخرى، حول تحديد المناطق التي يحق لكل طرف التنقيب فيها، والتي لم يتم التوصل إلى تفاهمات أو اتفاقيات بشأنها، كما أن العلاقات اليونانية القبرصية التركية تعاني من أزمات منذ فترة طويلة، على خلفية التوترات حول الحدود بين اليونان وتركيا والمسألة القبرصية، إضافة إلى العداء التركي للنظام المصري الحالي، والذي خلق بيئة سياسية تحتم إنشاء تعاون وتحالف مشترك بين الدول الثلاث ضد تركيا ومطامعها وتدخلاتها في الشئون الداخلية، لذا يرجح أن يستمر التعاون المصري اليوناني القبرصي ما دامت السياسة التركية مستمرة على ما هي عليه. ويبقى السؤال:هل يعيد هذا التحالف حقوق مصر في البحر المتوسط والتي أعلن عنها بعض الخبراء من قبل؟ كان السفير إبراهيم يسري، المدير السابق لإدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية بوزارة الخارجية، قد رفع دعوى قضائية بالمحكمة الإدارية العليا؛لإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص التي وقعت عام 2003، والتي أكد أنها ظالمة جدًّا بالنسبة لمصر؛ لأنها أضاعت ضعف مساحة الدلتا في المياه الاقتصادية الخالصة لمصر، والتي خالفت المادة 34 في اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار. وأكد يسري أن هناك حقول غاز مصرية تستولي عليها إسرائيل منذ 2010، عن طريق شركات إسرائيلية أصبح لها حق التنقيب عن الغاز بعد مفاوضات مع قبرص، وتقدر قيمة احتياطيات الحقول بقرابة 200 مليار دولار، مشيرًا إلى أنه استند في دعواه لإلغاء الاتفاقية إلى أن اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار (المادة 74 لسنة 85) تمنع التقسيم الثنائي لهذه المنطقة التي تشترك فيها 9 دول، ويلزم تلك الدول بالاتفاق على أمر يرضيها جميعًا. المؤشرات والتصريحات التي خرجت من القمم السابقة تؤكد أن هناك نية لفتح ملف ترسيم الحدود بين الدول الثلاثة مرة أخرى، حيث حمل إعلان نيقوسيا في إحدى عباراته «إننا نقدر أن اكتشاف احتياطات هامة من النفط والغاز في شرق المتوسط يمكن أن يمثل حافزًا للتعاون على المستوى الإقليمي، ونؤكد أن هذا التعاون ينبغي أن يكون قائمًا على التزام دول المنطقة بالمبادئ المستقرة للقانون الدولي، وفى هذا المجال، نؤكد على الطبيعة العالمية لمعاهدة الأممالمتحدة لقانون البحار، ونقرر المضي قدمًا على وجه السرعة في استئناف مفاوضاتنا بشأن ترسيم حدودنا البحرية التي لم يتم تعيينها حتى الآن». الأهم من هذا الإعلان هو ما صرح به أشرف سالمان، وزير الاستثمار، خلال مشاركته في زيارة الرئيس لليونان، حيث أكد أن مصر وقبرص واليونان اتفقت على اللجوء للقانون الدولي فيما يخص ترسيم الحدود المائية، وتابع «الترسيم المائي هام جدًّا، وأخذ وقتًا من المباحثات بين مصر وقبرص واليونان»، مشدداً على وجود تقارب جيد جدًّا في العلاقات بين جميع الأطراف. ويتزامن مع القمة الثلاثية نشر تقارير إسرائيلية عن تغريم مصر 1.7 مليار جنيه؛ لإيقاف العمل باتفاقية توصيل الغاز المصري إلى إسرائيل التي وقعتها شركات مصرية خاصة في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك؛ ما يشير إلى أن هناك توجهًا إسرائيليًّا للتصعيد مع مصر؛ للضغط عليها في ملف الغاز؛ لإلهائها عن المطالبة بحقوقها في حقول الغاز. وفي هذا الإطار يقول السفير إبراهيم يسري إن الحكم الذي نشرته بعض الصحف الإسرائيلية بإلزام شركة مصرية بدفع تعويض كبير لشركة إسرائيلية ضعيف وغير موثق؛ لأنه صدر عن لجنة تحكيم دولية غير محددة الاسم والاختصاص والمكان، حيث ذكر بعضها (جريدة معاريف) أنها تابعة للمحكمة الجنائية الدولية، وأفاد البعض الآخر بأنها هيئة تحكيم في سويسرا. وعلى ضوء ذلك أكد أننا نصل إلى بطلان كامل لهذا الحكم؛ لأسباب عديدة، منها أن الصفقة في أساسها باطلة بطلانًا مطلقًا؛ لعدم عرضها على البرلمان وفقًا للدستور، ولمخالفتها لحكم المحكمة الإدارية العليا السابق الإشارة إلى نصه. وأضاف على صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" أن التعاقد تم بين شركة مصرية، وهي "EMG" نشأت تحت قانون الاستثمار، وبين شركة كهرباء إسرائيلية؛ وبالتالي فان المنازعات تخضع للقانون المصري، ولا يمنع القانون من اللجوء للتحكيم المحلي وليس للتحكيم الدولي. وأكد أن العقد يتضمن ظلمًا بالغًا على الجانب المصري؛ حيث حدد سعر الوحدة البريطانية ب 75 سنتًا، وإن كان قد تدرج رفعه إلى ما يقارب ال 3 دولارات، بينما كان سعره العالمي في تلك الفترة يبدأ من 12 دولارًا، مؤكدًا أن هناك دفوعًا كثيرة يمكن طرحها، مع الإشارة دائمًا إلى أن الدولة المصرية بعيدة عن النزاع، ولا يشملها قرار التحكيم الذي ما زالت تفاصيله غامضة، موضحًا بقوله "يبدو لنا أن هذا التحكيم الباطل، إن كان قد تم، يُقصَد منه تخويف مصر كما ذكر بعض كبار المسئولين بوزارة البترول، خاصة أن بعض المصادر نقلت عن وزارة البترول بأنها قررت وقف المفاوضات مع إسرائيل في شأن استيراد الغاز منها".