ضاعت براءة الأطفال مرتين، عندما تجرد البعض من صفات الإنسانية، وعندما تركتهم الدولة للأيادى الآثمة، بعدما سمح بعض آكلى لحوم البشر لأنفسهم باختطاف أطفال فى عمر الزهور سواء من أهاليهم أو استقطاب أطفال الشوارع، لشحنهم إلى الخارج؛ من أجل تنفيذ أغراض مشبوهة، تبدأ بإطلاقهم فى الشوارع للتسول وتوزيع المخدرات وتنتهى بالمتاجرة فى أعضائهم البشرية، وساعدهم على ذلك أمران، أولهما تخاذل الدولة أمنيًا فى حماية الأطفال من الاختطاف، ثانيهما ترك مشكلة أطفال الشوارع دون حل، حتى أصبحت قنبلة موقوتة قد تنفجر فى وجه الجميع أى وقت. "مفقود ومن يجده يرجي الاتصال علي رقم.. بمكافئة مادية مجزية"، و"فقدت الأمل في عودة ابنتي، لكني أتمني أن ينشر صورها الجميع، ممكن أجدها ولك الثواب"، و"مليون جنيه لمن يجد ابني".. عبارات تنتشر على الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعى، أو كملصقات فى محطات المترو والقطارات والأماكن التى تشهد تجمعات للمواطنين، تصف حال الكثير من الأمهات والآباء الذين فقدوا أبناءهم، فمنهم من لازال لديه الأمل أن يجد طفله، ومنهم من فقد الأمل نهائيا في عودته، ومنهم من ينتظر خبر وفاته حتي يرتاح قلبه. ولم يتوقف الأمر علي خطف الأطفال من ذويهم فقط، لكن الغصة تزداد مرارة فى القلب من اختطاف أطفال الشوارع أيضا، الذين يعتبرون صيدا ثمينا للعصابات، التى ترى فيهم مجرد أطفال شوارع ليس لديهم أهالي، ولن يسأل عليهم أحد فى حالة غيابهم، بعد أن وصل عدد أطفال الشوارع في مصر إلي أكثر من 16 ألف طفل، بحسب تقارير وزارة التضامن الاجتماعي لعام 2014. وكارثة الاختطاف يشترك فيها النموذجان "أطفال الشوارع والأطفال المخطوفين من ذويهم"، ليتم تهجيرهم إلي خارج مصر بطريقة غير شرعية من خلال عصابات دولة تستغلهم فى تجارة المخدرات والتسول حتى الإتجار في أعضائهم البشرية، ومن جانبها، تفتح "البديل" الملف الشائك. أطفال مصر المخطوفين تربة خصبة لتجارة المخدرات والأعضاء بإيطاليا انتشر منذ فترة قصيرة فى الصحف ووسائل الإعلام تصريح للدكتورة نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة وشئون المصريين بالخارج، تؤكد وصول مركب غير شرعي يحمل 560 طفلا مصريا لسواحل إيطاليا بعضهم لا يتعدي 11 عاما، كما أوضحت الوزيرة أن مسئولية رعاية المهاجرين للخارج من اختصاص وزارة الهجرة ووزارات أخري مثل "الدفاع والداخلية والتعليم"، مشددة علي ضرورة تغيير الخطاب الديني لحث الأسر على منع أبنائهم من الهجرة. وأكد بعض المختصين والمهتمين بالأطفال تصريحات الوزيرة، لكنها لم تتطرق إلى جزء آخر، يكمن فى وجود عمليات تهجير غير شرعية لأطفال الشوارع وللأطفال المخطوفين من ذويهم، الأمر الذى فجره أحمد مصيلحي، مسئول شبكة الدفاع عن أطفال مصر بنقابة المحامين، موضحا أن هناك بالفعل حالات تهجير للأطفال المصريين بعلم أهاليهم للعمل خارج مصر، لافتا إلى أن عددا كبيرا من الأطفال المصريين، خاصة أطفال الشوارع، يعملون في تجارة المخدرات بشوارع روما فى إيطاليا، ما يعني أن هناك عمليات تهجير تتم بشكل غير شرعي لهؤلاء الأطفال، خاصة من لا يملكون أسرا تسأل عن غيابهم. وأضاف "مصيلحي" ل"البديل" أن عددا من الأطفال يتم تهجيرهم عن طريق عصابات دولية على علاقة بأخرى مصرية، تتولى عملية اختطاف وتهجير الأطفال بطرق غير شرعية؛ لاستغلالهم فى تجارة المخدرات والإتجار فى الأعضاء البشرية, متابعا: "توجهت بصحبة مجموعة من أسر الأطفال المخطوفين وأسر أطفال الشوارع المختفين، إلي مباحث الأحداث ووزارة الداخلية، للإبلاغ عن تلك الوقائع، لكن الرد جاء مخيبا للآمال بأننا لا نمتلك أدلة، وكلامنا غير صحيح، وأن عدد الأطفال المخطوفين نسبة ضئيلة للغاية". وأكد مسئول شبكة الدفاع عن أطفال مصر بنقابة المحامين، أنه يحاول جاهدا الوصول إلي دلائل لإثبات وقائع اختطاف وتهجير الأطفال؛ من خلال تتبع بؤر لعصابات محترفة في خطف الأطفال لاستغلالهم فى الإتجار بالمخدرات والتسول حتى وصل الأمر إلى الإتجار فى أعضائهم البشرية أيضا، مضيفا أن تعاون الأجهزة الحكومية ضعيف، ويجب أن تنتبه الدولة إلي حجم الكارثة، خاصة أن وزارة الداخلية لا تدرك حجم المأساة، وتؤكد دوماً أن الظاهرة ليست متزايدة، على خلاف الحقيقة. وأشار "مصيلحى" إلى وجود عدد من أرقام المحاضر والبلاغات تقدم بها أهالي الأطفال المخطوفين، علي رأسها البلاغ المقدم من والد الطفل يوسف سيد محمد ويحمل رقم 10728 لسنة 2014 إداري الفيوم، والبلاغ الخاص بالطفلة هبة محسن المخطوفة منذ 2014 ببلاغ يحمل رقم 4210 طهطا سوهاج وإياد عصام حسن مخطوف في 2015 ببلاغ رقم 8589، ويوسف محمد صلاح محمد برقم محضر 51321/ 2014 إداري مركز القناطر الخيرية، لافتا إلى بلاغ تقدم به شخصيا بمحضر رقم 3894 إداري أبشواي الفيوم. والد طفل مخطوف: شبكة دولية بالفيوم لشحن الأطفال عن طريق الغردقة التقت "البديل" بوالد الطفل يوسف منذ عامين، وكان عمره وقتها لا يتجاوز الخمسة أعوام ونصف، الذى تحدث بصوت يحمل جميع أنواع الألم والحسرة والحيرة علي فلذة كبده الذي لا يعلم مكانه وهل مازال علي قيد الحياة أم وافته المنية؟ وهل داخل مصر أم خارجها؟، أسئلة كثيرة تجول بخاطر أي أب أو أم فقدوا طفلهم ولا يعلمون طريقه. يقول سيد محمد، والد الطفل يوسف: "للأسف لن أنسي يوم اختفاء طفلى الذي اختفي يوم 23- 10 – 2014، عندما كان يقف بجواري فى الفيوم الساعة الثالثة والنصف عصرا، وبمجرد أن غفلت عنه لحظات، جاءت سيدة منتقبة وقامت بخطفه واختفت واختفي معها يوسف حتي الآن، تقدمت بعدها بالكثير من البلاغات، وجاءتني الكثير من المكالمات الهاتفية لطلب فدية في يوسف وصلت إلي خمسين ألف جنيه، وبالفعل كان لدي استعداد أن أدفع المبلغ، لكن اكتشفت أن جميع المكالمات التي تلقيتها كانت من أشخاص مجهولين يحاولون استغلال الأزمة، وهو ما اتضح من خلال دفعى 1500 جنيه إلي أحد الأشخاص ادعي أنه يعلم العصابة التي خطفت ابني وأنه وسيط، وبعد اقتناص المبلغ اختفي ولم أجد له أي مكان"، مضيفا أن وقائع اختطاف الأطفال بالفيوم تكون في أيام السبت والثلاثاء والخميس، كما أثبتت محاضر الشرطة، ما يؤكد أن هناك عصابة ممنهجة لخطف الأطفال. وفجر الأب المكلوم مفاجأة ، قائلا: "أحد الأشخاص أكد لى أن هناك شبكة للإتجار فى الأعضاء البشرية بالفيوم، لكنه لن يستطيع الذهاب إليهم بزعم أنهم أكبر منه وأقوى، يقومون بتهجير الأطفال عن طريق الغردقة، وبالأدق طريق الكريمات"، متابعا: "دفعت مبلغا ماليا حتي أحصل منه على تلك المعلومات، لكنه رفض أن يدلني علي شبكة العصابة الدولية". واختتم: "بالفعل، علمنا بوجود مجموعة من الأجانب يستقرون لمدة أيام في أحد فنادق الفيوم، ولهم علاقة ببعض المشبوهين فى المدينة، ممن تطاردهم الشكوك في عملية الإتجار بالأعضاء البشرية، مما يؤكد أن الشخص الذي أعطاني المعلومات لا يخدعني أو يكذب عليّ، فتقدمت ببلاغ يحمل هذه التفاصيل، لكن ليس لدى أى دليل مادي، ولازال الأمر كما هو، ولا أعلم مكان ابني، وهل هو علي قيد الحياة أم توفى؟". "التضامن" تنفي: لدينا استراتيجية للقضاء على الظاهرة تنتهي 2018 وحاولنا الاتصال بوزارة التضامن الاجتماعي، فجاء رد الدكتور مسعد رضوان، مستشار الوزارة مقتضبا للغاية، أكد من خلاله أن مسألة اختفاء أطفال الشوارع وتهجيرهم غير صحيحة علي الإطلاق، وليس لها أي أساس من الصحة. واكتفى بإرسال خطة "التضامن" للسيطرة علي ظاهرة أطفال الشوارع، التى تؤكد الوزارة من خلالها أنها وضعت استراتيجية لعلاج الظاهرة اعتمادا علي الخبرات الدولية والمحلية ومراعاة حقوق الطفل، إلي جانب حماية هؤلاء الأطفال من التسرب للشارع وزيادة الوعي المجتمعي للتعامل مع أطفال بلا مأوي، كما وقعت الوزارة 14 مذكرة تفاهم للتعاون مع 10 منظمات دولية بقيمة 19 مليونا و726 ألف جنيه مصري. وبحسب الاستراتيجية، نسقت الوزارة مع الجهات الحكومية المعنية بقضية أطفال بلا مأوي، ومن المفترض أن ينتهي المشروع في يناير لعام 2018، وتركز المرحلة الأولي علي ال10 محافظات تعد الأكثر كثافة وبها 12 ألفا و739 طفلا، إلي جانب إمداد الجمعيات الأهلية بتمويل مقترح 48 مليون جنيه تمنح من صندوق إعانة الجمعيات والمؤسسات الأهلية بالوزارة ل25 جمعية أهلية، بالإضافة إلي تكوين فرق للعمل فى الشارع بالتعاون مع الوحدات المتنقلة بوزارة التضامن، من خلال تخصيص عدد من الأخصائيين في كل مكان والاستعانة بخبرة منظمة اليونيسيف في تنفيذ فرق الشارع. "الداخلية" تنفي عمليات خطف الأطفال: كله تحت السيطرة ورغم أن مراكز حقوق الطفل في مصر وخارجها تؤكد ارتفاع نسب الأطفال المختطفين في مصر والتي عجزت تلك المراكز عن حصرها بصورة دقيقة؛ نظرا لارتفاعها، إلا أن وزارة الداخلية تنفي الأمر برمته، وتؤكد أن نسبة اختطاف الأطفال في مصر ليست كثيرة كما يتحدث البعض. الأمر الذى أكده اللواء أبو بكر عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية لقطاع الإعلام، قائلا إن مسألة خطف الأطفال وتهجيرهم خارج مصر غير صحيحة تماما، ولم ترد أي بلاغات بهذا الشأن، مضيفا أن تهجير أطفال بطريقة غير شرعية أمر صعب للغاية، ومؤكدا أن عملية الهجرة غير الشرعية يتم السيطرة عليها الآن من قبل قوات الأمن المصرية. وعن مسألة خطف الأطفال بمصر، أوضح "عبد الكريم" أن نسبة خطف الأطفال ليست كثيرة كما يروجها البعض، ولا تمثل خطورة علي أطفال مصر وأمنها، مؤكدا أن هذه الجريمة انحصرت تماما وتراجعت، والتواجد الأمني أصبح مكثفا، وبالفعل نجح في القضاء علي الكثير من الظواهر الإجرامية التي نشأت خلال الأربع أعوام الماضية.