كعادة مهرجان القاهرة السينمائي تطرح كل عام أفكار جيدة للتطوير، وطموحات تواجه على أرض الواقع سوء التنفيذ، فمتي يتخطى مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أخطاء التنظيم وهو ليس مهرجانا حديث العهد، إذ تأسس في منتصف السبعينات وبلغ دورته ال37. أهدر سوء تخطيط جدول المهرجان فرص أفلام جيدة في المشاهدة بسبب تزامن عروض الأفلام ورغم أن أفلام المهرجان يعرض كل منها مرتين إلا أن مواعيد الإعادة أيضا لكثير من الأفلام تتزامن مع عروض أفلام المسابقة الرسمية مما يترتب عليه ضياع فرص مشاهدة الكثير من الأفلام، ورغم المبادرة الجيدة للمهرجان للترويج لعروضه بتقديم تذاكر مجمعة لدفاتر تشمل خمس تذاكر دون تحديد الفيلم بقيمة خمسون جنيها، وأخرى بمائة جنيه تضم عشر تذاكر وإجراء سحب على التذاكر جوائزه تذاكر سفر إلى باريس والأقصر، إلا أن انتهاء فترة عمل شباك التذاكر في الساعة السادسة مساءً، رغم استمرار عروض الأفلام في خمسة من برامج المهرجان بعد السادسة مساءً، ترتب عليه نشاط ملحوظ للسوق السوداء لبيع تذاكر المهرجان، حيث تقام آخر العروض في العاشرة إلا ربع مساءً ومنها أفلام المسابقة الرسمية وعروض الأفلام العربية والمصرية التي تشهد حضورًا كبيرًا من الجمهور. استمرار ظاهرة التزاحم والتدافع أمام أبواب قاعات العرض يعكس سوء التنظيم وعدم وجود منظمين من إدارة المهرجان للتعامل مع الجمهور وترك الأمر في يد الأمن المسؤول عن تلك القاعات وهوغير مدرب أو مسؤول عن التعامل مع الجمهور الذي وصل به الحال إلى حالات من التدافع الشديد إلى حد الإيذاء النفسي والبدني لعدد من الفتيات بسبب الزحام الشديد خاصة في عروض الأفلام المصرية حتى في قاعة كبيرة مثل المسرح الكبير. رئيسة المهرجان الدكتورة ماجدة واصف، شكت من ضعف ميزانيته، فمنذ سنوات يطالب السينمائيون ويتدوال رؤساء المهرجان تقديم مشروع لوزراء الثقافة لتجهيز قاعات العرض في دار الأوبرا بأجهزة عرض حديثة مما يوفر الكثير من ميزانية المهرجان التي تذهب إلى تأجير أجهزة العرض وفي ذات الوقت يتيح هذه المواقع للعرض طوال العام وليس فقط خلال فترة المهرجان، فلماذا لم يستجب أي منهم واكتفوا بإعلان دراسة المشروع. رغم اهتمام هذه الدورة بتقديم رسالة للعالم كما حدث في حفل الافتتاح واستضافة النجمة كلوديا كاردينالي اعتمادًا على توظيف اسم عمر الشريف عالميًا جاء حفل تكريمه، الذي كان أول الاحتفاليات الخاصة الكبري بالمهرجان والتي تقام بدعوات خاصة مخيبا للآمال، فرغم حرص إدارة المهرجان علي دعوة عدد من صناع السينما ممن شاركوا عمر الشريف مسيرته في السينما العالمية بينهم إثنان من وكلائه الفنيين ومدير أعماله والنجمة كلوديا كاردينالي التي شاركت في الاحتفالية بكلمة تتميز بالحميمية والدفء كرسالة منها إلى روح رفيق انطلاقتها الفنية عمر الشريف، إلا أن أخطاء التنظيم أضاعت قيمة هذا الجهد لإعادة اكتشاف عمر الشريف بعيون زملاء له من السينما العالمية بسبب مشاكل في الترجمة وإدارة الاحتفالية فلم تتوفر ترجمة للضيوف وهم من جنسيات أوربية مختلفة، واعتمدت إدارة المهرجان على الإعلامية جاسمين طه زكي لإدارة الاحتفالية ولتقوم بالترجمة أيضًا، في حين أنها لا تجيد الفرنسية، مما تسبب في مشاكل ضخمة في توصيل كلمات اثنتين من المتحدثات الفرنسيات، فيما وجهت لها رئيسة المهرجان توجيهات أظهرت اعتراضات رئيسة المهرجان التي كانت مدير معهد العالم العربي في باريس على ترجمة جاسمين للفرنسية. ولم تجر الإدارة حوارا مع الضيوف تساعدهم على تقديم ما يملكون من حكاياث ثرية وجديدة عم رحلتهم مع عمر الشريف، كما لم يجر ترجمة أي من كلمات النجوم المصريين المشاركين في الاحتفالية، فبدأ الحوار حول عمر الشريف موجها فقط بالعربية لجمهورنا وليس حاملًا رسالة للعالم، كما كان يفترض منه أن يكون كاحتفال مواز لقيمته، رغم إعلان إدارة المهرجان قبل بدء هذه الدورة عن توفير ترجمة فورية من خلال السماعات للضيوف وهو ماحدث بالفعل في حفل الافتتاح، فلماذا لم يتم ذلك في باقي الفعاليات خاصة في حدث هام كتكريم عمر الشريف؟، وبشكل عام لماذا لم يتم توفير الترجمة الكافية لضيوف المهرجان من الأجانب في كافة الفعاليات، على الأقل تقديرًا لمن حرصوا على الحضور إلى مصر في دورة شهدت الكثير من الاعتذارات خاصة من الضيوف الأوربيين كان آخرهم رئيس لجنة تحكيم مسابقة أفلام سينما الغد بيني باندل، وشملت عدد آخر من المشاركين تراجعوا عن الحضور إلى مصر بعد حادثة الطائرة الروسية، فلما لم يتم توفير الاحتفاء والاهتمام الكافي بمن حضروا. ورغم أن عرض فيلم "السيد ابراهيم وزهور القرآن" إخراج فرانسوا دوبيرون، ومن إنتاج 2003، في إطار الاحتفاء بعمر الشريف، شهد محاولة لإعادة صياغة صورة المسلم في أوربا والإسلام كدين يحض على السلام لا العنف، كانت نسخة الترجمة العربية للفيلم التي عرضت تحمل أصداء ثقافة الإقصاء، ففي مشهد يأخذ بطل الفيلم عمر الشريف المسلم الصوفي العجوز الفتي المراهق اليهودي اليتيم الذي تبناه إلى رحلة حتى موطنه تركيا، ويأخذه إلى زيارات إلى دور عبادة مختلفة، وحين يذهبا إلى كنيسة أرثوذكسية وأخرى كاثوليكية، تأتي الترجمة "معبد لطائفة معينة" كأن لا يصح ذكر طائفتي الأرثوذكس أو الكاثوليك، هذه الأصداء البسيطة لهذه الثقافة الرافضة للآخر بعكس الرسالة التي يحملها الفيلم، تؤكد أن جهود مبدعين حاولوا مواجهة تشويه صورة الإسلام تذهب سدى، فلا قيمة لها أمام توحش الواقع والعمليات الإرهابية كما حدث في لبنان وفرنسا مؤخرًا، وتركت أصداءها في عروض المهرجان التي شهدت الوقوف دقيقة حدادا على أرواح الضحايا في أحداث لبنان وفرنسا وإن كان ذلك لم يحدث إلا بعد وقوع تفجيرات باريس فيما لم يلتفت أحد إلى أحداث وضحايا لبنان قبلها.