قرار جاء بسبب ما استشعروه من وجود بعض المقاطع غير اللائقة في المجموعة، منعت دائرة المطبوعات والنشر في عمان، ديوان «جسد للبحر رداء للقصيدة»، الصادر عن دار نون، للشاعر الأردني الكبير موسى حوامدة، وأوصت بضرورة سحب جميع النسخ الموجودة في السوق، وعدم عرضها للبيع. سبق لدائرة المطبوعات أن صادرت مجموعته «شجري أعلى» عام 2000، وتم تحويله للمحكمة الشرعية ثم المدنية، واستمرت القضية حتى عام 2003، لكن بعد القرار الأخير، الذي صدر منذ يومان، عبر عدد كبير من المثقفين والجهات التثقيفية، من مختلف بلدان الوطن العربي، عن غضبهم من تلك القرارات التي من شأنها قمع الحريات الفكرية والأدبية. وأصدر عدد من الشعراء والمثقفين العرب بيانًا شديد اللهجة، يدين قرار المصاردة ويتضامن مع الشاعر موسى حوامدة، وقالوا في البيان: نحن، الشعراء والمثقفين العرب الموقعين أدناه، نعلن عن تضامننا الكامل مع الأستاذ الشاعر العربي موسى حوامدة، لمنع دائرة المطبوعات بعمان لمجموعته الشعرية "جسد للبحر رداء للقصيدة"، وقد جاء قرار هذا المنع بسبب مقاطع غير لائقة، وللتذكير فقد سبق لنفس الدائرة مصادرة مجموعته " شجري أعلى" وتحويله للمحكمة الشرعية ثم المدنية. وأضاف: كما نؤكد على ما كفلته الشرائع والقوانين في العالم، من الحق المقدس في التعبير بكامل الحرية عن رأيه وفكره، كذلك نود التأكيد على أن استهداف المبدعين من مفكرين وأدباء وفنانين، والحجر على الأفكار، ما زال من أكبر المصائب التي ابتليت بها شعوبنا، والتي نسعى بكل جهدنا للقضاء عليها؛ دامت الحرية مناراً لحاضرنا، ودليلًا لمستقبلنا. ومن جهتها أعربت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في الأدرن، عن إدانتها لموقف دائرة المطبوعات والنشر بمنع ديوان شعر "جسد للبحر رداء للقصيدة"، وقالت في بيان لها: "يبدو أن دائرة المطبوعات تصر على القيام بدور الوصي على المواطنين، تحدد له ما يجب أن يقرأه وما لا يجب، وتلك نظرة تخطتها الحكومات في المجتمعات المتحضرة". وطالبت الشبكة العربية دائرة المطبوعات والنشر الأردنية، بالسماح بتداول ديوان شعر "جسد للبحر رداء للقصيدة"، كما طالبت السلطات الأردنية بالعمل على إشاعة مناخ حرية التعبير والإبداع. والجدير بالذكر أن موسي حوامدة هو شاعر فلسطيني، تخرج في الجامعة الأردنية عام 1982، وهو عضو في العديد من الروابط واتحادات الكتاب والصحفيين في المنطقة العربية، وشارك في العديد من المهرجانات الشعرية العربية والأوروبية، وترجمت قصائده إلى العديد من اللغات. وأخرج ناصر عمر فيلم سينمائي عن تجربة حوامدة الشعرية ضمن برنامج هؤلاء الآخرون، كما جرت دراسة شعره في رسالة ماجستير بعنوان "البنيات الفنية في شعر موسى حوامدة"، قدمها الطالب العراقي عبد الخالق فرحان علي الخاتوني في جامعة الموصل 2013. وسبق أن صادرت دائرة المطبوعات الأردنية مجموعة موسى حوامدة "شجري أعلى"، في مارس 2000، بعد إصدار فتاوى بهدر دمه وتكفيره، الأمر الذي انتهى إلى رفع دعوى ردة رسمية ضده في محكمة عمان الشرعية طالبت بالتفريق بينه وبين زوجته، وحرمانه من الميراث والحجر على أملاكه، وقد برئته محكمة الاستئناف من التهمة في منتصف 2001، وعادت دائرة المطبوعات والنشر برفع قضية ضده أمام المحكمة المدنية، بتهمة مخالفة قانون المطبوعات والنشر وإهانة الشعور الديني، واستمرت القضية حتى 8 مايو 2003، إذ قررت المحكمة عدم مخالفة المتهم لقانون المطبوعات والنشر، ولكنها أدانته بالحبس لمدة ثلاثة أشهر لإهانة الشعور الديني. عن ديوانه الممنوع من النشر،يقول الناقد والشاعر الأردني مهدي نصير: "موسى حوامدة شاعرٌ مطبوعٌ، مرهفٌ، مثقفٌ، يعي تاريخ أمَّتهِ وتاريخَ شِعريَّتها ولغتها وأحزانها ونكباتها، ويحلم بالممكنات التي تجعل من هذا الجزء المنكوب من العالم مكاناً قابلاً للقصيدةِ، وقابلاً لمواصلة الحياة كنوع من أنواع البشر الذين يقطنون هذا الكوكب ويعيشون هذا التاريخ الممزق". وفي شهادة لها عن الشاعر ومنجزه تقول الناقدة الأردنية الأكاديمية الدكتورة ليندا عبيد: "إن موسى حوامدة شاعر متمكن من أدواته وتقنياته قادر على الإمساك بالبلاغة، وبنفس الوقت يستخدم تلك اللغة البسيطة الصادمة في بساطتها توصل المعنى برهافة، توقظ الشعور والوجدان المنساب مع عذابات الذات الشاعرة على المستوى الخاص والعام ذائباً في كينونة الكون ومنساباً في دائرة الإنسانية. يعاني غربة الذات وأوجاع الوطن واستلابات الفرد عامة وهزائم الماضي من جهة، وغياب دفء من فيه من جهة أخرى، يفر للمرأة فيحظى بخذلان، تتوثب الرغبة ولا تكون". تتميز قصائد الديوان، بدايةً من قصيدة "مراثي الغجر الراحلين عن الأندلس"، مروراً ب"عدمٌ يملأُ اليقين" و"لن أقولَ السماءُ بعيدةٌ"، و"أنا مَيْتٌ" وغيرها، بطاقة خلاقةٌ من الحنين ينساب في شعر حوامدة، يتجسد ذلك في صورة واضحة في أغلب قصائده، ومن بينها قصيدته المعنونة "في مدرسة السموع" المناجية المكان وأثره وحفره عميقاً في أقاصي الروح: أيها الشعرُ يا ربيبَ روحي يا مقعدَ الطفولة في مدرسة السموع يا وجهَ المعلم المتأنق يا لطول الطريق الممتد من البيت حتى مغزل الحاجة مليحة اغزلي يا أمي غزلَكِ الكنعاني اربطي لون البحر بلون التراب حكمةَ الاغريقيات بإبرة الفلسطينية أضيفي لوجبة الطعام صحناً سابعاً ما همَّ أن نفد الطعام وغزلك يكتمل ما هم أن لم أجد بقايا الغداء واصلي نشيدك الملحمي فوق خطى ملايين الأجداد من سومر إلى يبوس واصلي يا بلادي أنينَك الملحميّ يا وجهَ الجَدةِ البعيد لم أحتفظ بخيوط ثوبك المعفر بغبار الدهور احتفظت بأرواح الذين ماتوا من أشجار الكروم.