حوامدة: يؤسفني الإعلان عن منع مجموعتي الشعرية «جسد للبحر رداء للقصيدة»… ودائرة المطبوعات: القرار جاء بسبب مقاطع غير لائقة في المجموعة… سبق للدائرة مصادرة مجموعته «شجري أعلى» وتحويله للمحكمة الشرعية ثم المدنية… متعددة هي طرق قمع الحريات الفكرية والأدبية، في مصر وغيرها من البلدان العربية والأجنبية، فتوحش السلطة واحد أينما كنت، تحاول دائمًا وبكل السبل الانتصار لما تعتنقه من أفكار، غالبًا ما نجدها لا تصب في مصلحة التنوير، وتعادي في كل الأحوال المثقف المبدع، وتصد محاولاته للتغيير. سواء أكانت أزمة ثقة، أو نقطة خلاف، أو حتى ندية أخلاقية وسياسية، يظل المبدع في جبهة صنعتها مختلف الأنظمة الساسية الحاكمة له خصيصًا؛ كي يبقى بعيدًا عنها وخصمًا لها، وتعددت في هذا الأمر جبهات الحرب بين المثقف والسلطة. في واقعة ليست الأولى من نوعها، منعت دائرة المطبوعات والنشر في عمان، ديوان «جسد للبحر رداء للقصيدة»، الصادر عن دار نون، للشاعر الأردني الكبير موسى حوامدة، وأوصت بضرورة سحب جميع النسخ الموجودة في السوق، وعدم عرضها للبيع. قرار جاء بسبب ما استشعروه من وجود بعض المقاطع غير اللائقة في المجموعة، ولم تقدم الدائرة كأي جهة مسؤولة بيان يوضح غير اللائق في الديوان وأسباب المنع، رغم عدم جواز مصادرة الفكر الإبداعي أساسًا، خاصة وأن الديوان صادر عن دار خاصة، بعيدًا عن توجه وسياسة الإصدار في المطابع ودور النشر الحكومية. وقال الشاعر موسى حوامدة، المولود في بلدة السموع بفلسطين عام 1959، بعدما وصله خبر المنع والمصادرة: «بمناسبة معرض عمان الدولي للكتاب، يؤسفني الإعلان عن منع مجموعتي الشعرية الصادرة مؤخرًا عن دار نون للنشر والتوزيع في الإمارات (جسد للبحر رداء للقصيدة)». وأوضح تفاصيل الواقعة: «أبلغت دائرة المطبوعات والنشر رسميًا دار نون في عمان، بضرورة سحب النسخ الموجودة في السوق، وعدم عرضها للبيع». بالطبع لم تنته القص هنا، فلابد من أصل لهذه الواقعة. لذا يتابع: «حينما ذهبت للدائرة للاستفسار قالوا أن هذا القرار جاء بسبب وجود بعض المقاطع غير اللائقة في المجموعة، وحالما سألت إن كان هناك كتاب رسمي قالوا لا يوجد كتاب رسمي، ولكن إن شئت جئناك بقرار من المحكمة». ويعلق صاحب ديوان «سلالتي الريح.. عنواني المطر» على قرار المصادرة واستمرار عمليات قمع الحريات الإبداعية: «يحدث هذا رغم الحديث أن دائرة المطبوعات توقفت عن إجازة الكتب، ولكن يبدو أنها لا تريد التخلي عن وظيفة الرقابة بكل الطرق». سبق لدائرة المطبوعات أن صادرت مجموعته «شجري أعلى» عام 2000، وتم تحويله للمحكمة الشرعية ثم المدنية، واستمرت القضية حتى عام 2003. إنه موسى حوامده، الذي يقول في ديوانه الصادر بحقه قرار المصادرة: أتحرِّرًني الكلمات أتمنحني المتاهةُ درباً ثالثاً لليقين أم تزيدني غموضاً تلك الحُجُبُ الملتفةُ حول ضمير القدر. سأتوارى قليلاً عن عناء الجبال سأهبط رويداً إلى حضن العشب الطري لستُ طموحاً لأحطم السلاسل وأكسر القيود طموحي أقل بكثير مما يود الفرسان وترغب الجيوش طموحي سلامٌ سلام سلام سلامٌ يظلِّل الوقت يغطي التفاصيل حتى تصير الحياة في سلاسة النعاس ديوان «جسد للبحر رداء للقصيدة»، صدر وعلى غلافه شهادة للناقد والشاعر الأردني مهدي نصير، يقول فيها: "موسى حوامدة شاعرٌ مطبوعٌ، مرهفٌ، مثقفٌ، يعي تاريخ أمَّتهِ وتاريخَ شِعريَّتها ولغتها وأحزانها ونكباتها، ويحلم بالممكنات التي تجعل من هذا الجزء المنكوب من العالم مكاناً قابلاً للقصيدةِ، وقابلاً لمواصلة الحياة كنوع من أنواع البشر الذين يقطنون هذا الكوكب ويعيشون هذا التاريخ الممزق". وفي شهادة لها عن الشاعر ومنجزه تقول الناقدة الأردنية الأكاديمية الدكتورة ليندا عبيد: "إن موسى حوامدة شاعر متمكن من أدواته وتقنياته قادر على الإمساك بالبلاغة، وبنفس الوقت يستخدم تلك اللغة البسيطة الصادمة في بساطتها توصل المعنى برهافة، توقظ الشعور والوجدان المنساب مع عذابات الذات الشاعرة على المستوى الخاص والعام ذائباً في كينونة الكون ومنساباً في دائرة الإنسانية. يعاني غربة الذات وأوجاع الوطن واستلابات الفرد عامة وهزائم الماضي من جهة، وغياب دفء من فيه من جهة أخرى، يفر للمرأة فيحظى بخذلان، تتوثب الرغبة ولا تكون". تتميز قصائد الديوان، بدايةً من قصيدة "مراثي الغجر الراحلين عن الأندلس"، مروراً ب"عدمٌ يملأُ اليقين" و"لن أقولَ السماءُ بعيدةٌ"، و"أنا مَيْتٌ" وغيرها، بطاقة خلاقةٌ من الحنين ينساب في شعر حوامدة، يتجسد ذلك في صورة واضحة في أغلب قصائده، ومن بينها قصيدته المعنونة "في مدرسة السموع" المناجية المكان وأثره وحفره عميقاً في أقاصي الروح: أيها الشعرُ يا ربيبَ روحي يا مقعدَ الطفولة في مدرسة السموع يا وجهَ المعلم المتأنق يا لطول الطريق الممتد من البيت حتى مغزل الحاجة مليحة اغزلي يا أمي غزلَكِ الكنعاني اربطي لون البحر بلون التراب حكمةَ الاغريقيات بإبرة الفلسطينية أضيفي لوجبة الطعام صحناً سابعاً ما همَّ أن نفد الطعام وغزلك يكتمل ما هم أن لم أجد بقايا الغداء واصلي نشيدك الملحمي فوق خطى ملايين الأجداد من سومر إلى يبوس واصلي يا بلادي أنينَك الملحميّ يا وجهَ الجَدةِ البعيد لم أحتفظ بخيوط ثوبك المعفر بغبار الدهور احتفظت بأرواح الذين ماتوا موسى حوامدة، مواليد فلسطين، بلدة السموع 1959، خريج كلية الآداب قسم اللغة العربية الجامعة الأردنية 1982. اعتقل أكثر من مرة من قبل جيش الاحتلال، واعترف أحد الضباط الإسرائيليين في جريدة سويدية أنه كان السبب في إبعاده من مدينة الخليل. سجن لأسباب سياسية في الأردن عام 1979، وفصل من الجامعة مدة عام واحد، ثم عاد وأكمل دراسته بقرار من المحكمة العليا. ظل ممنوعاً من العمل والسفر حتى عام 1989. تنقل بعدها للعمل في عدة صحف واليوم يعمل فيجريدة الدستور الأردنية مديراً لتحرير الدائرة الثقافية ومدير تحرير لملحق الدستور الثقافي. بدأ نشر قصائده حينما كان طالباً في الجامعة. صدر له تسع مجموعات شعرية ومنها ما طبع لثلاث طبعات. كما صدرت له العديد من المختارات الشعرية، وكتب عنه الكثير من المقالات والدراسات النقدية. نال جوائز عالمية هامة وترجمت قصائده إلى لغات عديدة وصور عن تجربته الشعرية فيلماً سينمائياً.