"إن المحب عن العذال في صممِ"، هذا واحد من السطور الأولى في قصيدة البردة، التي كتبها الشاعر الإمام البوصيري، الذي توفي عام 1296، ونالت هذه القصيدة شهرة واسعة لدرجة أنها لا تزال تتردد حتى الآن على ألسنة المؤمنين من اليمن والمغرب، كتبت على جدران مسجده بالإسكندرية، الذي سبق وتم ترميمه، الكائن في حي الأنفوشي. المسجد يلعب دورًا كبيرًا في حياة المدينة، إذ يجذب الزائرين من سائر أنحاء العالم، ويفخر المسجد بلوحة جدارية مخطوطة جميلة تشمل 94 بيتًا من قصيدة البردة، ومنقوش عليها تعليقات وآيات قرآنية. أصدرت مكتبة الإسكندرية طبعة جديدة من كتاب "روائع الخط العربى بجامع البوصيري"، لكل من الكاتبين الدكتور خالد عزب والدكتور محمد الجمل، بعدما أصدرته في طبعة أولى منذ سنوات مضت، ضمن مشروع بحثي متكامل للمكتبة، يستهدف تسجيل النقوش العربية، وكان من المنتظر وقتها أن يتم وضعه على موقع مركز الخطوط التابع للمكتبة بالإنترنت، تحت عنوان المكتبة الرقمية للنقوش العربية. ويعرض الكتاب للنقوش المختلفة الموجودة بجامع البوصيري، ومنها النقوش في الواجهات المختلفة مثل الجنوبية الغربية، فيشير إلى أنه في المدخل الجنوبي مثلا يعلوه عقد مدبب يتضمن عقداً مدائنياً مزخرفاً أسفل الزخارف مستطيلاً يضم نقوشاً عبارة عن آية قرآنية محصورة داخل أفريز مستطيل الشكل ينتهي طرفاه بعقود مفصصة. وذلك بالحفر البارز على الرخام بالخط الفارسي نصها «فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب»، ويعلو النقش عقد ثلاثي الفصوص بداخله تشكيل نباتي تتماثل فيه العناصر الزخرفية على أرضية زرقاء. كما يشير إلى نقوش تتوسط الميضأة تحوي أبياتا شعرية باللغة العربية والتركية، منقوشة بالخط الفارسي تتحدث عن كيفية الوضوء. كما يشير الكتاب إلى نقوش جدران بيت الصلاة، وهي نقوش داخل أفاريز مستطيلة من الرخام، تنتهي بإطارات نصف دائرية تزينها وريقات نباتية مسجلة بالخط الفارسي يشغل تلك الأفاريز أبيات شعرية من بردة الإمام البوصيري، بحيث يتضمن كل جدار مجموعتين من الأبيات، تتكون كل مجموعة من ثمانية أبيات بالإضافة إلى فواصل كتابية تتنوع نقوشها. وعن صاحب المسجد شرف الدين البوصيري، اشتهر بين شعراء القرن السابع بشعره الذي يصف الحالة الاجتماعية في عصره، وما ساد من رشوة وآفات اجتماعية، يرجع إنشاء الجامع إلى محمد سعيد باشا بن محمد علي 1279-1270 ه/1854-1863م، وهو ابن محمد علي الكبير، ليقع في مواجهة جامع أبي العباس وسيدي ياقوت العرش. ينفرد جامع البوصيري بمكانة خاصة بين مساجد الإسكندرية، وذلك لثرائه بكم هائل من العناصر الزخرفية والنقوش والكتابات الأثرية الموجودة على الجدران، تتضمن 94 بيتًا من قصيدة البردة منهم، مدح النبي، 64 بيتًا (بالخط النستعليق) منقوش على جدران بيت الصلاة، بالإضافة إلى 30 بيتًا على جدران حجرة الضريح. احتلت قصيدة البردة مكانة هامة من الناجية الأدبية والفنية حيث أنها أفضل قصيدة في المديح النبوي، وتتضمن الأبيات أيضًا مناجاة الشاعر للرب لتفريج الشدائد وتيسير كل أمر عسير. أما عن باقي النقوش والكتابات لجدران جامع البوصيري، فتتضمن نصوص تأسيسية وتجديدية بالإضافة إلى أبيات شعرية باللغة العربية والتركية. تم إجراء العديد من التجديدات والترميمات لجامع البوصيري في عهد الخديوي توفيق عام 1307 ه/ 1889 م، فضلاً عن الترميم الأخير له. وعن مؤلف الكتاب، خالد محمد مصطفى عزب، ليسانس آثار من كلية الآثار جامعة القاهرة 1988، وحصل على ماجستير في الآثار الإسلامية، وكان موضوع الرسالة "دور الفقه الإسلامي في العمارة المدنية في مدينتي القاهرة ورشيد فى العصرين المملوكي والعثماني"، ونال رسالة دكتوراه عنوانها "التحولات السياسية وأثرها فى العمارة بمدينة القاهرة منذ العصر الأيوبي حتى عصر الخديو إسماعيل"، كما أنه عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، عضو جمعية إحياء التراث العلمي للحضارة الإسلامية، وعضو جمعية الآثار والفنون الإسلامية، وعضو اتحاد كتاب مصر.