جرس الحصة ضرب.. انتظام الطلاب في فصولهم بأول أيام العام الدراسي    مرتدين الزي الأزهري.. انطلاق العام الدراسي الجديد في المعاهد الأزهرية بسوهاج    مفاجأة: أسعار الذهب في مصر تنخفض.. يلا اشتروا    أسعار الدواجن والبيض اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    ارتفاع أسعار الأدوات المدرسية في المنيا لعام 2025 (تعرف علي الأسعار)    أسعار الحديد في السوق اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الرئيس السيسي يستقبل اليوم رئيس جمهورية سنغافورة.. تفاصيل الزيارة    تعرف على تطور العلاقات المصرية السنغافورية تزامنا مع مباحثات القاهرة    مباريات اليوم.. صلاح أمام إيفرتون وقمة مشتعلة في الدوري الإنجليزي    الدوري الإنجليزي.. موعد مباراة ليفربول وإيفرتون والقناة الناقلة بديربي الميرسيسايد    تامر مصطفى مدربًا لفريق الاتحاد السكندري    هانيا الحمامي تتوج ببطولة CIB المفتوحة للإسكواش    الأرصاد تحذر من سقوط أمطار على هذه المناطق: خلو بالكو    8 قرارات جديدة مع بدء العام الدراسي تطبق بالمدارس.. تفاصيل    زوجة الأب بين الحنان والوحشية.. من مأساة نبروه إلى جريمة دلجا    وصول المتهم فى قضية طفل دمنهور لمقر المحكمة بإيتاى البارود    النشرة المرورية اليوم.. كثافات متقطعة بمحاور القاهرة الكبرى    داليا مصطفى: لا أشجع على تعدد الزوجات وعمرى ما تمنيت أكون راجل    عادة شائعة قد تضر بصحتك.. مخاطر ترك الماء مكشوفًا بجانب السرير أثناء النوم    صلاة كسوف الشمس اليوم.. حكمها وموعدها وكيفية أدائها    سر الخرزة المفقودة.. كبير الأثريين يكشف تفاصيل جديدة عن الإسورة الذهبية المسروقة من المتحف المصري    اليوم، انطلاق الدراسة في 3 إدارات تعليمية بشمال سيناء    مصطفى عماد يهدي تكريمة في حفل توزيع جوائز دير جيست للمخرج محمد سامي    أسعار الدواجن والبيض في الأسواق المصرية اليوم    يلتقي السيسي بقصر الاتحادية، برنامج عمل مكثف لرئيس سنغافورة اليوم بالقاهرة    بعد تحريض ترامب، تعرض محطة أخبار تابعة لشبكة "إي بي سي" لإطلاق نار (صور)    أول تعليق من أحمد العوضي على فوزه بجائزة "الأفضل" في لبنان (فيديو)    نجوم الفن يشعلون ريد كاربت "دير جيست 2025" بإطلالات مثيرة ومفاجآت لافتة    «دست الأشراف» دون صرف صحى.. ورئيس الشركة بالبحيرة: «ضمن خطة القرى المحرومة»    الاعتراف بفلسطين، جوتيريش يطالب دول العالم بعدم الخوف من رد فعل إسرائيل الانتقامي    الأكاديمية المهنية للمعلمين تعلن تفاصيل إعادة التعيين للحاصلين على مؤهل عالٍ 2025    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة السيارات بمنشأة ناصر    حكاية «الوكيل» في «ما تراه ليس كما يبدو».. كواليس صناعة الدم على السوشيال ميديا    د. حسين خالد يكتب: تصنيفات الجامعات مالها وما عليها (1/2)    أحمد صفوت: «فات الميعاد» كسر التوقعات.. وقضاياه «شائكة»| حوار    عوامل شائعة تضعف صحة الرجال في موسم الشتاء    «هيفتكروه من الفرن».. حضري الخبز الشامي في المنزل بمكونات بسيطة (الطريقة بالخطوات)    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مدرسة تؤوي نازحين وسط غزة    سعر الجنيه الذهب اليوم السبت 20-9-2025 في محافظة الدقهلية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 20-9-2025 في محافظة قنا    مذيع يشعل النار في لسانه على الهواء.. شاهد التفاصيل    الشيباني يرفع العلم السوري على سفارة دمشق لدى واشنطن    ترامب يعلق على انتهاك مزعوم لمجال إستونيا الجوى من قبل مقاتلات روسية    أشرف زكي يزور الفنان عيد أبو الحمد بعد تعرضه لأزمة قلبية    كارول سماحة عن انتقادات إحيائها حفلات بعد وفاة زوجها: كل شخص يعيش حزنه بطريقته    ترامب يعلن إجراء محادثات مع أفغانستان لاستعادة السيطرة على قاعدة باجرام الجوية    شوقي حامد يكتب: استقبال وزاري    مدرب دجلة: لا نعترف بالنتائج اللحظية.. وسنبذل مجهودا مضاعفا    استشارية اجتماعية: الرجل بفطرته الفسيولوجية يميل إلى التعدد    «اللي الجماهير قالبه عليه».. رضا عبدالعال يتغزل في أداء نجم الأهلي    ليلة كاملة العدد في حب منير مراد ب دار الأوبرا المصرية (صور وتفاصيل)    ترامب يعلن إتمام صفقة تيك توك مع الصين رغم الجدل داخل واشنطن    ديتوكس كامل للجسم، 6 طرق للتخلص من السموم    محيي الدين: مراجعة رأس المال المدفوع للبنك الدولي تحتاج توافقاً سياسياً قبل الاقتصادي    سيف زاهر: جون إدوار يطالب مسئولى الزمالك بتوفير مستحقات اللاعبين قبل مواجهة الأهلى    لماذا عاقبت الجنح "مروة بنت مبارك" المزعومة في قضية سب وفاء عامر؟ |حيثيات    موعد صلاة الفجر ليوم السبت.. ومن صالح الدعاء بعد ختم الصلاة    مدينة تعلن الاستنفار ضد «الأميبا آكلة الدماغ».. أعراض وأسباب مرض مميت يصيب ضحاياه من المياه العذبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجابري بين النقد والأيديولوجيا
نشر في البديل يوم 12 - 05 - 2015

من الخصائص الواضحة للفكر العربي المعاصر أنه فكر واقعي بالدرجة الأولى، فهو يتكون من مشروعات، وليس من مذاهب ونظريات كالفلسفة الغربية؛ نظرًا لطغيان منهج الخبر والنقل عند الجمهور، بما يمنع المجتمع العربي من التعاطي مع المذاهب البشرية الأصيلة، فهو لا يقدم رؤية خالدة بصدد موضوع من موضوعات الوجود والمعرفة والقيم خارج الجغرافيا والتاريخ، وإنما يقدم (معالجات) من أجل إحداث (تحولات) اجتماعية وفكرية في حدود مجتمعه ولحظته التاريخية، وهو المعنيّ هنا بعبارة كونه فكرًا واقعيًّا. وهو في واقعيته ينحاز إلى قوى اجتماعية بعينها، أي يصير فكرًا مؤدلَجًا في الأعم الأغلب؛ أي أنه لا يقدم بحثًا علميًّا موضوعيًّا يمنح القارئ فهمًا أعمق وأشمل عن ظاهرة أو نظرية أو مفهوم أو منهج، بل يقدم ما تنتظره تلك القوى الاجتماعية التي ينحاز لها، ليكون عمله غطاءً فكريًّا وأيديولوجيًا من أجلها.
بالرغم من ذلك ظهر استثناءان من الحكم السابق الواقعي/الأيديولوجي: فبعض المفكرين العرب المعاصرين قدموا نظريات وليس مشروعات، مثل بدوي في وجوديته، وزكي نجيب محمود في وضعيته المنطقية، وبهذا الطريق انعزلوا عن الجمهور. ومن جانب آخر حاول بعض المفكرين العرب المعاصرين تقديم أبحاث موضوعية علمية نقدية، ومن أهم هذه المحاولات: محاولات الجابري وعبد الله العروي ونصر أبو زيد.
وقبل التعرض للجابري فإن ما انتهى إليه نصر أبو زيد هو الأيديولوجيا في النهاية، رغم ما أعلن من نقد للأيديولوجيا في الفكر العربي المعاصر، وما حاول تقديمه من بحث نقدي، وبالتالي تظل محاولة عبد الله العروي في التوقف إزاء المفاهيم واحدة من المحاولات النادرة العلمية النقدية في الفكر العربي المعاصر، وإن كان الجابري أكثر شهرة في هذا الصدد.
وترتكز شهرة الجابري باعتباره قدم محاولة نقدية علمية في قراءة التراث الإسلامي على نقطتين: الأولى أنه استعمل المنهج البنيوي الذي يمكن الباحث أكثر من غيره من الوقوف على البنى الفكرية المجردة دون توجيه أيديولوجي لها، كما أنه عكس العروي لم يقدم استقصاءً لمفاهيم، بل (مسحًا) شاملًا للتراث الإسلامي وما قبل الإسلامي، في ما أسماه بسلسلة (نقد العقل العربي)، فهي نقد أي بخلاف الأيديولوجيا، وهي للعقل أي للبنى النظرية وليس للتاريخ الاجتماعي، وهي للعقل العربي أي في انبنائه على العقل العربي قبل الإسلام وما بعده.
وتعود إرهاصات نقد العقل العربي إلى محاولة أدونيس الرائدة في هذا الصدد، فقد قدم أدونيس في (الثابت والمتحول) 1973 أول محاولة من نوعها لعملية مسح شاملة للتراث الإسلامي، وقد أعلن أنه سيستعمل المنهج البنيوي، لكنه لم يلبث إلَّا أنه استعمل المادية التاريخية في صورتها العربية؛ ليدرس علاقة المجتمع الفكر، وهو ما نقده الجابري في مقدمة مشروعه. رأي الجابري أن أدونيس خالف منهجيًّا ما وعد به، وما كان يجب عليه القيام به، لكنه تأثر به في شمولية المشروع القرائي، وقام بالخطوة نفسها بمنهج مختلف ولأهداف مختلفة أيضًا.
وتعد محاولة الجابري المحاولة الأهم بين الدارسين العرب للتحليل العلمي والوصف الموضوعي للعقل العربي، ومع ذلك اعترتها الأيديولوجيا من جانبين:
الأول: تصنيف الجابري لبعض الجماعات الفكرية باعتبارها جماعات أيديولوجية. والمفكر العربي المعاصر حين يصنف الآخر أيديولوجيا، إنما يعكس انحيازه هو الأيديولوجي في الوقت نفسه، كتصنيف المعتزلة باعتبارهم أيديولوجيي الدولة الليبرالية في عهد المأمون. فهو يتخطى في هذا الحكم الدقة التاريخية المستحيلة بنسبة كاملة على أية حال ليعيد بناء نموذج فكري (المعتزلة هنا) وفقًا لرؤيته عن الخلف المعاصر لهم الذي ينحاز ضده (فقهاء ومثقفي السلطان)، وهو ما نسميه بال (أيديولوجيا السلبية).
والثاني: أنه رسم خريطة تاريخية للعقل العربي، من مخاضه العسير في المشرق الإسلامي، وكفاحه عبر حروب عسكرية وفكرية، حتى وصوله إلى الأندلس. وتوازت هذه الخريطة الجغرافية مع خريطة الجابري الفكرية بالتتابع نفسه: من البيان، إلى العرفان، إلى البرهان، حيث مثل البرهان في المغرب الإسلامي نهاية تاريخ وقمة تطور العقل العربي. وفي هذه القراءة ينحاز الجابري على مستوى تصوره الشامل عن العقل العربي إلى مدرسة بعينها، هي البرهان، تبدو كما لو أنه وضع المشروع وقام بقراءة التراث من خلاله، مستهدفًا هذا الهدف في النهاية.
لم يزل الفكر العربي المعاصر ينتظر محاولات نقدية علمية، تكون أقل شمولًا وأكثر تواضعًا، وأكثر قناعة بقدر أقل من الشهرة والدويّ، تستقصي المفاهيم والنظريات والمناهج في العقل العربي أو الإسلامي بهدف فهمهما، ومنحنا وعيًا علميًّا محايدًا بمضامينهما النظرية، بحيث تكتسب هذه المحاولات قدرة العلم النافذة على الإقناع في حدود الموضوعية الممكنة في العلوم الاجتماعية في مختلف الاتجاهات الأيديولوجية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.