الإهمال أحد أسباب ضياع رونق الحضارة المصرية التي سعى القدماء لإنشائها، ليتركوا لنا كنوزاً وآثاراً يتمنى العالم كله أن يحصل عليها، فالأثر ليس حجراً أصم يؤرخ لزمان جامد، لكنه يحكي تاريخًاً زاخرًا عاصرته المحروسة، فكل مبنى له حكايته وتاريخه الذي يعبر عن هوية مصر وجمالها وروعتها. سهام الإهمال تضرب الآثار.. والوزارة لا تتحرك لإنقاذها لكن سهام الإهمال تصب غضبها على الآثار المصرية في جميع القطاعات، ووزارة الآثار لا تتحرك لإنقاذ آثار مصر. مسجد أحمد أبن طولون أحد أهم وأقيم مساجد مصر الإسلامية، ويعد ثالث مسجد بعد جامع عمرو وجامع العسكر الذي اندثر بعد زوال مدينة العسكر، وموقعها اليوم حي زين العابدين والمذبح بالسيدة زينب. بلغت مساحة المسجد الكلية حوالي ستة أفدنة ونصف (حوالي 27000م2). تآكل الحوائط وعدم نظافة مسجد أحمد بن طولون أضاعا رونق تاريخه رصدنا عند دخولنا للمكان وجود سقالات أمام باب الجامع، ولكن لا يظهر أي وجود لعملية ترميم أو عمال. تصعد السلم ليستقبلك شخص يعطيك خفًّا بلاستيك ب "2 جنيه"؛ لترتديه في قدمك؛ كي لا يتسخ السجاد القليل المفروش في المسجد الذي يبدو عليه التاريخ، ولكن رونقه قد ذهب، وفي انتظار نظرة من المسئولين لكي يعود مرة أخرى، كما أن الحوائط متآكلة، والمكان غير نظيف، وحتى نظرات السياح للمكان تريد أن تقول "لماذا لا يتم ترميم المكان وإعادته للحياة؟". حلقة جديدة من حلقات الإهمال في الآثار الإسلامية تقول سالي سليمان، المرشدة السياحية، وصاحبة مدونة "البصارة" المهتمة بالآثار والتراث، "إن الجامع مهمل تماماً رغم أنه من أقدم وأهم الجوامع في مصر، مؤكدة أن وزارة الآثار لا تهتم بالترميم، وكأن مسجد أحمد بن طولون غير موجود، رغم أنه يعاني من مشاكل المياه الجوفية؛ لأنه بني على تبة صخرية، فهي حلقة جديدة من حلقات الإهمال في الآثار الإسلامية". الاشتباك بين الآثار والأوقاف سبب ضياع الآثار الإسلامية وأوضحت "سليمان" أن وزارة الآثار لا يوجد لها أي دور، سواء بالترميم أو الإشراف أو الرقابة على الأثر، مشيرة إلى أن الآثار الإسلامية ستظل على هذه الحالة من الإهمال وعدم المسئولية طالما ظل الاشتباك بين وزارة الآثار والأوقاف موجودًا، بأن يرمي كل منهما بالمسئولية على الآخر. وقال الدكتور رأفت النبراوي عميد كلية الآثار سابقاً، وعالم الآثار الإسلامية، إن 80% من الآثار الإسلامية تخضع لوزارة الأوقاف، وهي التي تقوم بتأجيرها لمن يدمرها، لذلك يجب تحديد المسئولية على وزارة من الاثنتين وعدم ترك الأمر حائرًا بين الوزارتين. وأكد ضرورة تعديل القانون الخاص بالآثار الإسلامية وإخضاعها لوزارة الآثار؛ لمعرفة المسئول ومحاسبته على الأخطاء التي ترتكب في حق الآثار؛ حتى لا يظل الخلاف قائمًا بين الوزارتين. تاريخ جامع أحمد بن طولون بدأ احمد بن طولون بناء جامعه سنة 263 ه (876م) بعد أن شكا الناس إليه ضيق جامع العسكر بهم، وكمل بناؤه سنة 265ه (879م)، وقد بناه فوق هضبة تتوسط القطائع عرفت ب "جبل يشكر"، وظهرت في عمارة المسجد الأساليب المعمارية العراقية التي وفدت من سامراء إلى مصر مع دخول أحمد بن طولون، سواء من ناحية التصميم أو التخطيط والزخرفة. يتكون المسجد من صحن مربع مكشوف في الوسط يحيط به أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة، ويحيط بالجامع من الخارج زيادات من ثلاث جهات ما عدا حائط القبلة الذي كان توجد به دار الإمارة. مساحة المسجد بدون الزيادات 122.26م × 140.33م، ومساحته بالزيادات 162× 162.64م، وجدرانه مبنية بالطوب الأحمر. عقود الأروقة مدببة ترتكز على دعائم مستطيلة القطاع مبنية بالطوب مقاس كل منها 2.50م × 1.30م في أركانها الأربعة أعمدة وتيجان، ولم تستخدم الأعمدة الرخام في حمل العقود. وتوجد في بطون العقود زخارف جصية بنفس أسلوب زخارف سامراء. في وسط الصحن فوارة (فسقية) تعلوها قبة أنشأها السلطان لاجين سنة 1296م محمولة على أربعة عقود، طول كل من ضلعيها الشمالي والجنوبي 12.75م والشرقي والغربي 14.10م. وفي جدار القبلة خمسة محاريب جصية غير مجوفة منفذة على الجدران أحدها أمر بعمله الوزير الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي سنة 1094 في أواخر حكم المستنصر. كما يوجد محراب من القصر الطولوني، ومحراب نفذه السلطان المنصور لاجين 3 سنة 1296م. جدرانة مغشاة بفسيفساء الرخام، تعلوها كتابات بخط النسخ، وقد قام السلطان لاجين بتجديد الجامع وتعميره تجديداً شاملاً؛ وفاء لنذر قطعه على نفسه أثناء هروبة واختبائه داخل مئذنة الجامع، وكان مهجوراً متخربًا. وعندما تولى السلطنة 1296 – 1298م وفَّى بالنذر، ويجاور المحراب منبر من الخشب بحشوات من خشب الساج الهندي، وهو من عمل السلطان لاجين. ومئذنة الجامع مشيدة في الزيادة الشمالية الغربية، وهي متأثرة إلى حد كبير بمئذنة جامع المتوكل الملوية في سامراء. والمئذنة مبنية بالحجر مقاس قاعدتها 12.78× 13.65م وارتفاعها عن الأرض 40.45م. سلم المئذنة يدور حول بدنها من الخارج بأربع قلبات، وهي المئذنة الوحيدة في مصر ذات السلم الخارجي. وأهمل شأن جامع بن طولون في القرن الثامن عشر، فأنشئ فيه منسج لعمل الأحزمة الصوفية، وكان ذلك سنة 1772 في فترة ولاية محمد بك أبو الذهب 5 6.