النسوية في مجال الفلسفة هي مجموعة حركات تضم تيارات متنوعة، تهتم بتحليلقضايا المرأة، وخصوصيتها الإبداعية وطبيعتها فلسفيًّا. وقد نشأت بداياتها في القرن الثامن عشر في أوروبا، متخذة في البداية شكل الأطروحاتالأيديولوجية، شأن أغلب قضايا الفكر العربي المعاصر حتى اليوم. وتبلورت النسوية تاريخيًّا في ثلاث موجات أساسية: الأولى كانت موجة حقوق المرأة،أو مساواة الجنسين في الحقوق والواجبات، الممتدة تقريبًا من بداية القرن التاسع عشر، حتى ستينيات القرن العشرين. وتأسست هذه المرحلة على يد ماريوولستونكرافت (+1797)، التي تعد الأم الكبرى للنسوية الإنجليزية. وقد تميزت هذه الموجة بأعلى درجات الأدلجة، فانقسمت إلى تيارين أساسيين: ليبرالي واشتركي. يرى التيار الليبرالي أن مساواة الجنسين من نتائجالديمقراطة الأساسية كنظرية، ومن أسسها المكمّلة كتطبيق. ومن أهم الكتابات التي تمثل إسهامات بأقلام الرجال في هذا التيار كتاب (استعبادالنساء) لجون ستيوارت مِل. وظهر كذلك التيار الاشتراكي الذي تمثل في أسماء مهمة مثل كلارا زيتكن، وروزا لوكسمبرج. وقد رأى هذا التيار أنالمرأة كالعامل وكالفلاح يتم استغلالها اقتصاديًّا من قِبَل النظام الاجتماعي. ومن الكتابات الذكورية المهمة في تأسيس هذا التيار كتاب(الأسرة، والملكية الخاصة، والدولة) لفردريك إنجلز. ظهرت الموجة الثانية لتؤكد فكرة خصوصية المرأة ككائن مختلف عن الرجل،فبينما ركزتْ الموجة على الأولى على المساواة بين الجنسين، أو التشابه بينهما، ركزت الثانية على الاختلاف، وحاولت بيان هذا الاختلاف في كلالمجالات، حتى الإبداع العلمي. ويعد كتاب سيمون دي بوفوار (الجنس الثاني) من الكتابات التأسيسية لهذه الموجة. وخلالها برزت أسماء مهمة مثل: بيتيفريدان، وآنا كودت، وكيت ميلليت، وغيرهن. وهي مرحلة واسعة النطاق، متنوعةالتيارات، وقد امتدت هذه الموجة من ستينيات القرن العشرين حتىالثمانينات. جاءت الموجة الثالثة بداية من التسعينيات حتى يومنا هذا، مرتبطةً أكثربمناهج وإشكاليات ما بعد الحداثة، ودراسات الزنجية، وما بعد الاستعمار، والتفكيك، وحاولت نقد وإعادة بناء الموجة الثانية نفسها على أسس جديدة،أكثر ارتباطًا بروح ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية. وبرزت خلالها أسماء مثل آمي ريتشاردز، وجينفر باومجاردنر، وغيرهما. وفي الفكر العربي المعاصر ظهرت النسوية، ولم تزل حتى اليوم في شكل الموجةالأولى، فلم تزل الكتابات النسوية حتى اليوم بالأقلام العربية الأصيلة تبحث كيفية المساواة بين الجنسين أو تطالب بها؛ وذلك لتعثر قضية المرأةفي العالم العربي اليوم بشكل أكثر تعقيدًا مما كان عليه الحال في أوروبا القرن التاسع عشر. ومن الكتابات الذكورية المهمة في هذا المجال، الذي طرقباب الموجة النسوية الثانية في الوقت نفسه، كتاب (دوائر الخوف) لنصر أبو زيد، الذي ناقش فيه قضية المرأة في التشريع الإسلامي، وفي النص القرآني،وحقوقها في الإسلام. وكتاب (نحو تطوير التشريع الإسلامي) لعبد الله أحمد النعيم، تلميذ المفكر السوداني الشهير محمود طه، الذي يرى أن قمع النساءفي التشريع الإسلامي إحدى معوقات تطور حقوق الإنسان فيه، إلى جانب قمعالأقليات، والرقّ. كما اهتمت يمنى طريف الخولي الأستاذة بآداب القاهرةبقضية النسوية في العلم، إذا كان نصر أبو زيد وعبد الله النعيم قد اهتما بها في جانب فلسفة التأويل وعلم أصول الفقه، فترجمت كتاب لينا جين شيفرد(أنثوية العلم)، كما وضعت مصنفًا بعنوان (النسوية وفلسفة العلم، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، ط1، 2014). ولا يمكن العبور من الموجة الأولى نحو الموجة الثانية من النسوية فيالعالم العربي دون حل قضايا الموجة الأولى نفسها: المساواة بين الجنسين، بل لا يلزم هذا العبور كليةً؛ فقد يمكن أن تتمخض أقلام النسوياتوالنسويين في العالم العربي في المستقبل، بعد حل قضية المساواة المتعثرة تعثرًا كبيرًا، عن موجة رابعة أو خامسة مغايرتين في الطبيعة للموجتينالثانية والثالثة. وبعد الثورات العربية 2011 شهدت قضية المرأة تحولات عميقة، ليس على مستوىالفكر، بل على مستوى الواقع، ولم تزل تحتاج إلى تنظير فكري، فقد شاركتالمرأة مشاركة فعلية في العمل الثوري والسياسي، كما بدأ عدد متزايد بدورهمن النساء الاستقلال بالمسكن عن الأسرة، وبالتالي ماديًّا، كليًّا، أو جزئيًّا، وهو يبشر بتحولات أعمق على مستوى وضعية المرأة في العالمالعربي، كما يبشر كذلك بانشقاق الفكر العربي المعاصر عن كتابات نسوية أكثر جرأة وتحررًا وواقعية.