مشهد مؤثر بلجنة طامية.. رئيس لجنة انتخابية يساند كبار السن وذوي الهمم في الفيوم    محافظ الجيزة يتابع سير العملية الانتخابية ميدانيًا بأحياء الدقي وجنوب الجيزة    في أكبر تجمع للعباقرة.. 8000 متسابق يتنافسون في "البرمجة" بالاكاديمية العربية    نيروبي: تشكيل حكومتين في السودان يثير الجدل حول مسار البلاد ( تحليل )    خطة عسكرية اسرائيلية جديدة في غزة واستهداف لقادة حماس في الخارج    وسط ترحيب خاص من اللاعبين .. عدى الدباغ يشارك فى تدريبات الزمالك    مصدر مقرب من أحمد عيد ل في الجول: اللاعب جدد طلبه في الرحيل عن المصري    أمن بني سويف يكشف لغز العثور على رأس طفل صغير داخل صندوق قمامة أمام مدرسة.. تفاصيل    منتخب السباحة بالزعانف يطير إلى الصين لخوض دورة الألعاب العالمية    الدباغ ينتظم في تدريبات الزمالك.. والفريق يستقبله بممر شرفي    المفوضية الأوروبية تنتقد وصف ألمانيا للاتفاق التجاري مع واشنطن ب"الضعيف"    رئيس هيئة النيابة الإدارية يواصل متابعة سير العملية الانتخابية    إصابة شخص بحالة إغماء أثناء الإدلاء بصوته بالفيوم    وزير السياحة والآثار يترأس مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار    انتخابات الشيوخ 2025.. محافظ أسوان يشيد بتواجد الفرق الطبية بمحيط اللجان    البنك المركزي يطلق برنامج بكالوريوس العلوم المصرفية رسميا بالتعاون مع 5 جامعات حكومية    أمين عام "حزب الله": برّاك اشترط أن يفكك 50% من قدرتنا في غضون شهر ولكنهم لا يعلمون مستوى قدرتنا    أشرف زكى : حالة محمد صبحى مستقرة ولا يزال فى العناية المركزة    لو حد من قرايبك يؤذيك تتصرف إزاى؟.. أمين الفتوى يجيب (فيديو)    رئيسة سويسرا تزور واشنطن لبحث ملف الرسوم الجمركية    مصرع شخص وإصابة آخر في مشاجرة بمنطقة المهندسين في الجيزة    الأهلي يصعد في ملف تسوية مديونيات الزمالك    "نعلمهن قيمة المشاركة".. فتيات يدلين بأصواتهن برفقة أخواتهن الصغار داخل لجان انتخابات الشيوخ بقنا    قصور الثقافة تطلق مسابقتين للأطفال ضمن مبادرة النيل عنده كتير    السيدات يتصدرن المشهد لليوم الثاني علي التوالي بلجان الشروق    لجنة الحكام تُفاضل بين "معروف" و"الغندور" لإدارة مباراة الزمالك وسيراميكا    في جولة مفاجئة.. محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى أجا المركزي    إنفوجراف| تعرف على أنشطة مديريات الزراعة والطب البيطري خلال أسبوع    انتخابات الشيوخ 2025.. إقبال متزايد وانتظام في سير العملية الانتخابية بالسويس    محافظ الفيوم يوجه برعاية شابين توأم يعانيان من صرع كهرباء زائدة بالمخ    عاجل- الرئيس السيسي: الأهرام منارة التنوير.. وركيزة أساسية في تشكيل الوعي الوطني على مدار 150 عامًا    إيرادات "روكي الغلابة" تقفز إلى 16 مليون جنيه خلال أسبوع    فاروق جعفر: أحمد عبدالقادر لن يفيد الزمالك.. وزيزو لم يظهر مستواه مع الأهلي    محافظ القليوبية يباشر حادث تصادم على طريق شبرا بنها ويوجّه بإعادة الحركة المرورية    وزيرا التعليم والزراعة يشاركان في ورشة عمل التعاون مع القطاع الخاص لتطوير التعليم الفني الزراعي    تفاصيل تعرض الأولى على الثانوية العامة لحادث سير وإصابة والدها    عالم أزهري: عدم غض البصر في تلك الحالة قد يكون من الكبائر    قرار حكومي.. تكليفات ومهام جديدة لنائب وزير الكهرباء    بالزي الصعيدي.. صابرين تشارك جمهورها أول صورة من كواليس "المفتاح"    انتخابات الشيوخ 2025.. 30 صورة ترصد جولات محافظ الأقصر لمتابعة عملية التصويت    «بيحبوا ياخدوا حذرهم».. 5 أبراج شكاكة بطبعها    انتخابات الشيوخ 2025.. وحدات تكافؤ الفرص بالشرقية تشجع السيدات على التصويت    فضيحة تهز فرنسا.. اعتداء جنسى داخل مستشفى للأطفال واعتقال رجل وممرضة    في ذكرى رحيله.. «مصطفى متولي» ابن المسرح وصاحب الوجه الحاضر في ذاكرة الجمهور    جامعة قناة السويس تعتمد نتائج بكالوريوس الزراعة    انتخابات الشيوخ 2025.. السيدات يتصدرن المشهد في ثاني أيام التصويت بلجان المهندسين    تسجل 41 درجة وأجواء صيفية ممطرة.. بيان هام من الأرصاد يكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء    عيد مرسال: العمال يتصدرون المشهد الانتخابي في اليوم الثاني لانتخابات الشيوخ    تدريب 42 ألفًا من الكوادر الطبية والإدارية خلال النصف الأول من 2025    للوقاية من الجلطات.. 5 أطعمة تدعم صحة قلبك    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 5 أغسطس 2025    "قصص متفوتكش".. صور احتفال حسام عبد المجيد بعقد قرانه.. ونجوم الزمالك باحتفالية بيراميدز    جوائز تتخطى 1.5 مليون جنيه.. كيفية الاشتراك في مسابقة الأزهر وبنك فيصل لحفظ القرآن    فريق طبي بالدقهلية ينجح في تفريغ نزيف بالمخ وزراعة عظام الجمجمة في جدار البطن    المحكمة العليا البرازيلية تأمر بوضع الرئيس السابق بولسونارو قيد الإقامة الجبرية    كندا تعلن تسليم مساعدات إنسانية إضافية لقطاع غزة    ردده قبل كتابة رغبات تنسيق الجامعات 2025.. تعرف على دعاء وصلاة الاستخارة    هل التيمم مقصورًا على التراب فقط؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



»باحثات حداثيات مبدعات« بحث سلوي بكر الممنوع:
المرأة في مواجهة المحرّم
نشر في أخبار الأدب يوم 17 - 04 - 2010

تلقت السفارة المصرية بتونس دعوة من مؤتمر »الإبداع النسائي« الذي ينتهي اليوم بمدينة سوسة وأحالت الخارجية الدعوة إلي المجلس الأعلي للثقافة الذي رشح الروائية سلوي بكر للمؤتمر، لكنها فوجئت باعتراض علي الورقة وقالت الكاتبة ل »أخبار الأدب« إن عماد أبوغازي أمين عام المجلس الأعلي للثقافة اقترح حذف بعض الفقرات وعندما رفضت قرر أبوغازي إلغاء السفر.
وقد حاولت »أخبار الأدب« استطلاع رأي أبوغازي لكنه طلب مهلة لحين عودته من بيروت، حيث كان يستعد للسفر مشاركاً في مؤتمر السياسات الثقافية.
أظهرت نتائج دراسة أجريت علي خمسين ألف شاب من مختلف المحافظات المصرية، أن من حق الرجل أن يضرب زوجته إذا ما تحدثت مع رجل غريب، ووافق 7,5٪ منهم علي أن من حقه ضرب الزوجة عندما تحرق الطعام، ووافق 25٪ من العينة علي ضربها إذا أهدرت أموالا، أما ثلث العينة فوافقت علي ضربها إذا رفضت ممارسة الجنس.
وتكشف نتائج هذه الدراسة الصادرة عن مجلس السكان في مصر التابع للأمم المتحدة عن واقع حال المرأة المصرية قرب نهاية العقد الألفية من الألفية الأولي(1)، وفي بلد كانت دعوة قاسم أمين لتحرير المرأة بنهاية القرن القرن التاسع عشر، تعد واحدة من لبنات الحداثة آنذاك. وترتسم الصورة الراهنة لوضع المرأة المتردي علي نحو أكثر وضوحا إذا تم الانتقال إلي شريحة اجتماعية حظت بقدر لا بأس به من التعليم القانوني و دراسة الدستور والتشريعات المنبثقة عنه وهي شريحة المستشارين والقضاة بمجلس الدولة المصري، و هو جهة قضائية وتشريعية عليا مهمتها إصدار الفتاوي الجازمة للحكم في المنازعات القانونية، إذ أصدرت الجمعية العمومية لهذا المجلس قرارا بالإجماع (صوّت علي القرار 380 عضوا رفض منهم 334)، ينص علي رفض قيام المرأة بدور القضاء وأن تنصب قاضيا مثلما الرجال.
و الأمثلة علي التردي المتزايد لأوضاع المرأة العربية كثيرة و قد يصعب حصرها، و هو ترد يتجذر بفعل ما هو ثقافي أساسا، إذ أن القيم و المفاهيم المتعلقة بالمرأة ودورها في العمل المجتمعي مازالت تراوح مكانها وترتكز علي تصور بالغ القدم لتقسيم العمل الاجتماعي بين الرجل و المرأة، و هو تقسيم قديم جدا، لا يتجاوز فكرة أن المرأة سبب الحياة، و الرجل سبب العالم، لذلك فدور المرأة يرتبط بكل ما يكرس الحياة بمعناها البيولوجي من حمل و إنجاب و وظائف رعاية الأسرة، أما الرجل فعليه صناعة العالم، ولذلك ليس صدفة أن تاريخ البشرية إنما هو تاريخ الرجل.
لقد انعشت جملة من العوامل المفاهيم الثقافية القديمة المتعلقة بالمرأة و سعت إلي تكريسها مجددا، فالتردي الاقتصادي العام و تراجع التعليم و هشاشته، و تفشي الحروب الأهلية و غير الأهلية، كلها عوامل تحملت المرأة تبعاتها باعتبارها الحلقة الأضعف في المجتمع، و لقد أفسح الفشل المستمر في مشروعات الحداثة السياسية المجال بقوة للجماعات الدينية في تكريس خطابها المتمحور حول المرأة و ضرورة عودتها إلي الأدوار القديمة في المجتمع.
تجاوز
غير أن هذا التناقض بين ما هو ثقافي و يتعلق بالمرأة، و بين المنجز الذي حققته علي أرض الواقع والمتجاوز للأدوار القديمة المرسومة لها و المحصورة بوظائف الحمل والإنجاب و رعاية الأسرة، إضافة إلي تصاعد حدة الخطاب الديني ضدها و ماضويته، أدي في النهاية إلي بروز خطاب جديد مغاير للمرأة، أبرز ما فيه أن المرأة انتجته بنفسها و لم تعد صوت سيدها في هذا الأمر كما كانت في الماضي، كما أنه خطاب وضح فيه التنوع والتعدد سواء علي مستوي الكتابة الإبداعية المتخيلة علي ضوء من عناصر الواقع، أو علي مستوي الكتابة البحثية ذات الطابع الفكري الإبداعي.
لقد شهدت العقود الأخيرة من القرن المنصرم، والسنوات الاولي من القرن الحالي، نتاجا إبداعيا لا يمكن تجاهله سواء علي المستوي الكمي أو الكيفي، قامت به عشرات النساء في العالم العربي، يشتمل علي الإبداع القصصي و الروائي و الشعري، إضافة إلي الإبداع النقدي و هو نتاج يتمحور معظمه حول اوضاع النساء المتراجعة بفعل منظومة القيم الثقافية السائدة المتعلقة بالمرأة، و جُل هذا الإنتاج هو بمثابة مراجعة لعناصر هذه المنظومة وسعي لإثبات أن النوع بالمعني البيولوجي لا يمكن أن يكون جذرا للتمييز ضد المرأة، و هو إبداع كاشف في جملته عن وعي جديد للنساء، يسعي لإعادة النظر في الوعي التاريخي الذي تم تزييفه بفعل منظومة القيم الماضوية المشار إليها آنفا، و إعادة اكتشاف الذات النسوية عبر وعي مغاير يرتكز علي كينونتها الانسانية في المقام الأول.
و إلي جانب هذا الإبداع الأدبي برز إبداع آخر للمرأة يمكن اعتباره إبداعا حداثيا بامتياز، و هو ذلك النوع من الكتابة البحثية الساعية للاشتباك مع ما هو مٌستقّر عليه من عناصر هذه المنظومة الثقافية القديمة المكبلة لخروج المرأة إلي فضاءات إنسانية أبعد من المساحات التي ظلت مكبلة بداخلها قرونا، والمحيطة لكينونتها كإنسان، و هذه الكتابات الجديدة يمكن اعتبارها كتابات حداثية بامتياز، فهي كتابات كاشفة، متناقضة مع ما سبقها و تجبه بكثير، وتخوض بقوة في المحرم المتعارف عليه بحكم القدم والإعتياد ويلاحظ في هذه الكتابات أمرين:
1- انها كتابات تشتبك بعمق مع المسكوت عنه والمحرم لدحضه و تبيان مدي هشاشته، وفساد صلاحيته للحظة الراهنة المعاشة.
2- الشجاعة و القدرة علي المواجهة في هذه الكتابات دون السعي لصدام مجاني لا يرتكز علي معطيات ومقدمات لا تفضي إلي نتائج.
المرأة المفكرة
إن أهمية هذه الكتابات ليست فقط في كونها منجزا فكريا يسعي إلي حداثة موصوعية هاضمة للتركة الثقافية الخاصة بالمجتمعات العربية، دون الارتكاز علي أفكار حداثية غربية جاهزة الصنع، ولكن في كونها كتابات مُضيفة و متجاوزة لكتابات عديدة خطتها أقلام الرجال و تفتقد المنظور النسوي النوعي، و هي كتابات تسبغ علي النساء تعريفا ثقافيا غاب عنهن كثيرا و اختص به الرجل، إذ يوصف مفكرا، فها هي المرأة مُفكرة أيضا ومستحقة لهذا التوصيف بجدارة.
و يمكن تعداد جملة من هذه الكتابات الفكرية ابتداء من كتابات نوال السعداوي و فاطمة المرنيسي وخالدة سعيد و جلاديس مطر و آمال قرامي و غيرهن، لكن النظر في جانب من منجز صوفية السحيري بن حتيرة، و ألفة يوسف كنموذج لهذا الاشتباك الإبداعي البحثي الحداثي، ربما يبرز بعضا من دور المرأة العربية المعاصرة في تجذير الحداثة.
صوفية و الجسد و المجتمع
رغم أن كتاب صوفية السحيري المعنون الجسد والمجتمع دراسة انثرولوبوجية لبعض الإعتقادات والتصورات حول الجسد، (2) ما هو إلا نسخة منقحة عن أطروحة دكتوراه في التاريخ تتناول جملة القيم الثقافية و المفاهيم المتعلقة بالجسد في العهد الحفصي علي مدي مائتي سنة (من القرن الثالث عشر إلي الخامس عشر الميلادي) إلا انه يكشف عما هو أبعد من البحث العلمي بمعناه الاكاديمي البحت المتعارف عليه.
فالكتاب هو دعوة لتأمل جملة من القيم و المفاهيم سادت خلال فترة البحث و قبلها، و مازالت مستمرة حتي الآن و هي مفاهيم تتعلق بكل ما يتناول الجسد علي أكثر من مستوي بما فيها مستوي التشريع الفقهي الديني و الذي هو بمثابة القانون الملزم للمجتمع، ويستند الكتاب في هذا إلي حصر و جرد التركة الثقافية التراثية المُتحصل عليها في هذاالجانب، و فحصها ومحصها، إبتداء من كتب التاريخ و كتب الفقه و كتب النوازل و الفتاوي، و الحسبة، إضافة إلي كتب المناقب والتصوف و المسالك و الرحلة و التراجم والطب و الأدب الجنسي، و فنون الأدب الأخري المتعارف عليها، إضافة إلي القرآن الكريم بإعتباره و كما تقول المؤلفة "أقدم نص مكتوب يتعلق بالثقافة العربية الاسلامية، حوي كل ما يخص العلاقات الانسانية و حوي عدة عناصر مستقاة من محيط العادات و التقاليد الموروثة، و من هنا تأتي قيمته كمصدر تاريخي أساسي إلي جانب انه اساس التشريع الاسلامي".
و لا أظن أن عملا بحثيا فكريا سبق هذا الكتاب و تناول العلاقة بين الجسد و المجتمع، فمعظم الكتابات السابقة عليه، كانت اجتزائية علي الأغلب، و ذات طابع انتقائي مما يجعلها متواضعة قياسا إلي منجز صوفية السحيري.
و تستعرض الباحثة و منذ بداية الكتاب وضعية الجسد الأنثوي باعتباره "مصدر فوضي و باب الشيطان"، كما تشير إلي كيفية كون هذا المفهوم هو الأساس في كل أشكال التعامل مع هذا الجسد، فهو مصدر الفتنة و الخطيئة الأولي منذ حواء السحيقة ومحور المفهوم الفتنة و الخوف من الجسد الأنثوي ومبعث لمفهوم الشرف، و تشير الباحثة إلي الاجراءات الاحترازية الناجمة عن ذك من ممارسة للتصفيح والخفض و منع المتعة.
أما عن علاقة الجسد بالمكان من خلال البحث في هذه التركة الثقافية، فهو بحث رائد بحق و يستحق أن يكون كتابا منفصلا بذاته، فالمكان يتأسس علي الموقف من الجسد، و تقنن العلاقة بينه و بين الجسد علي ضوء المفاهيم القيمية الثقافية مع الجسد فصوفية السخيري تورد ما ورد عن يحيي بن عمر "حرام علي المرأة دخول الحمام إلا النفساء أو المريضة، و لا تدخل إلا بمئزر سابغ، و يكره الرجل أن يعطيها أجرة الحمام فيكون معينا لها علي المكروه، كما يعاقب متقبل الحمام إذا أدخل غير المريضة و النفساء"(3) و تشير الباحثة أن التعليمات ذاتها صدرت عن ابن الأخوة و عن ابن القطان كذلك.
و تورد الباحثة جملة من الآراء الفقهية المتعلقة بالموقف من الحمام و علاقته بالجسد، لعل أطرفها ما أوردته عن القرطبي في أن دخول الحمام حرام وخاصة عند أهل الفضل و الدين "لغلبة الجهل علي الناس و استسهالهم إذا توسطوا الحمام و رموا بمآزرهم حتي يُري الرجل البهي ذو الشيبة قائما منتصبا وسط الحمام و خارجه باديا عن عورته ضاما بين فخذيه و لا أحد يغير عليه، هذا أمر بين الرجال، فكيف من النساء لا سيما بالديار المصرية إذ إن حماماتهم خالية من المظاهر التي هي علي أعين الناس سواتر .....الخ".
و تتناول الباحثة فكرة السقوط في الجسد، أو الجسد النجس من خلال البحث التراثي في إفرازات الجسد كالدم و المني و دم الحيض، و موقف الشريعة من هذه الإفرازات و الطهارة و مفهومها. إن الباحثة بعدستها اللامة لهذه الموضوعة تطرح عشرات الأسئلة المتعلقة بهذا الأمر، و إن كانت لا تصرح بها فهي لا تترك جانبا إلا وتعاملت معه، و ربما فسرت في المبحث التالي لذلك، ما أسمته بثقافة الهوس بالجسد و هي ثقافة مازالت ملامحها فاعلة في الحياة العربية حتي الآن.
إن الهدف ليس استعراض ما ورد بكتاب صوفية السحيري، بقدر التوقف عند هذا المنجز البحثي الذي يعتبر إبداعيا بقدر كونه حداثيا، إذ إن الإبدع لغة هو الإنشاء علي غير مثال، و لعل هذا المعني يتضمن حداثة بالضرورة، فعمل الباحثة هو إبداع غير مسبوق في شموليته و منظوره المتكامل في التعاطي مع موضوعة الجسد و علاقتها بالمجتمع و هو إضافة حداثية بإمتياز بقدر ما فيه من تفكر و دعوة للتعامل مع تراث مايزال يثقل علي الحياة العربية الراهنة بمفاهيمه و قيمه و يعوقها.
حيرة مسلمة
تشتبك أُلفة يوسف مع التراث علي نحو غير مسبوق أيضا، و بشجاعة لا يمكن تفسيرها إلا في إطار الرفض العميق لموروثات هي ضد الحداثة تماما، فكتاب حيرة مسلمة_ هو تساؤل عبر البحث في جملة من أعقد المسائل المؤسسة للعلاقات الاجتماعية و خصوصا العلاقة بين الجنسين لدي العرب المعاصرين في أمور الميراث و الزواج والجنسية المثلية، و إبداع ألفة يوسف يتجلي أولا في تناول هذه الأمور التي تبدو مستقرة و راسخة في الوعي الجمعي، حتي و كأن الأحكام المعروفة فيها تبدو وكأنها من قبيل البديهيات التي لا نقاش فيها. و تتناول يوسف تفسير النصوص القرآنية المتعلقة بالميراث و الزواج والجنسية المثلية من منظور نسوي غير مسبوق في الكتابات الحداثية المماثلة التي أنجزها رجال تعتبر كتاباتهم ذات طابع راديكالي و يتم وصفهم بمفكرين كسيد القمني و جمال البنا و محمد شحرور، و تبرز الباحثة مسألة أن النص القرآني تم التعامل معه تفسيرا من منظور ذكوري نفعي بحت، حتي فيما يتعلق بتلك النصوص القرآنية المتعلقة باللواط مثلا، حيث أن التفسير و التأويل كيّفها وفقا لتلك الرؤية الذكورية للعالم.
و التساؤلات الحيري المقدمة من الباحثة المبدعة، هي ضاحدة للإجابات المتعارف عليها و المستقر عليها الرأي، فهذه التساؤلات ذات منطق عقلاني يستند إلي القياس والبرهان فمثلا تفرد مبحثا لمسألة تعدد الأزواج و الزوجات4 في دراسة ذات منطق صارم و صادم بالضرورة لكل ما هو متعارف عليه فتقول: "و لا نجد في القرآن آية صريحة تحرم زواج المرأة بأكثر من رجل و ذلك رغم أن المفسرين يستندون لبيان إبطال اشتراك زوجين في امرأة إلي الآيتين اللتين يعدد الله تعالي فيهما النساء المحرمات و منهن المحصنات من النساء". كما في نص سورة النساء: "حُرمت عليكم أمهاتكم و بناتكم و أخواتكم و عماتكم و خالاتكم و بنات الأخ و بنات الأخت و أمهاتكم اللاتي أرضعنكم و أخواتكم من الرضاعة و أمهات نسائكم و ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم و حلائل أبناءكم الذين من أصلابكم و أن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما ، و المحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم".
و تستطرد الكاتبة في تفسير معني كلمة محصنة و تبرز التناقض في التفسيرات المتعارف عليها و التي بُنيت علي مفهوم المحصنة فتشير إلي أن "تفسير المحصنات بذوات الأزواج يظل جائزا و هذا المعني هو الذي يحرم زواج المسلمة بأكثر من زوج واحد، و لكن هذا المعني و إن حل مُشكل غياب منع قرآني صريح لتعدد الأزواج، يضع المفسرين و المسلمين من جهة أخري إزاء حرج كبير آخر. فأن يُحرّم الله عز و جل الزواج بالمحصنات أي بالمتزوجات شائع معقول، أما أن يستثني منهن ملك اليمين فمحرج. فهل معني القول القرآني أن ملك اليمين المتزوجة لا تحرم علي أكثر من زوج أم معناه انه يمكن للمسلم أن يفتك امرأة من زوجها لمجرد انها ملك يمين؟
أما تعدد الزوجات فتناقش التفسيرات الشائعة بخصوصه و تتوقف عند مسألة العدل المنصوص عليه بالآيات القرآنية و هي في هذا تتجاوز محمد شحرور في كتابه "الكتابة و القرآن"، فشحرور يري أن الزواج بأخري أو ثالثة أو رابعة بعد الأولي يجب أن يظل مشروطا بكون الزوجة الثانية و ما تلاها يجب أن تكون امرأة، فألفة تري تخبط منطق المفسرين في فكرة العدل و هي شرط تعدد الزوجات وفقا للنص القرآني، بل و تبرز مدي تجاهلهم للنص القرآني و إسقاطهم خبر صحيح عن الرسول صلي الله عليه و سلم يرفض بموجبه أن يعدد علي بن أبي طالب زوجاته، إذ قال و هو علي المنبر"إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي و ينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها".(5)
و تتعرض الباحثة وفق منطقها العقلاني لجملة من العلاقات الجنسية و الممارسات الأخري كالسحاق و اللواط و نكاح اليد و تبرز تخبط الآراء الفقهية فيها و تناقضها وفقا لأهواء التفسير و التأويل و تطرح تساؤلات حيري بشأنها، و هي بهذا تظهر مدي تهافت الأحكام الدينية في هذا الجانب و هي الأحكام التي عاشت في كنفها المجتمعات العربية قرونا طويلة.
إن منجز صوفية السحيري و ألفة يوسف هو منجز حداثي جذري أضاف إلي سعي القلة الطامحة من العرب لحداثة تستنهض مجتمعاتهم سعيا جادا مؤسسا لتغيير فعلي سوف يكون و لو بعد حين.
الهوامش:
1- الدراسة صدرت في بداية العام 2010 و نُشرت بجريدتي الأهرام المصرية و المصري اليوم بتاريخ 19/02/2010.
2- الجسد و المجتمع _ صوفية السحيري _ دار محمد علي الحامي _ الانتشار العربي 2008.
3- حيرة مسلمة _ د. ألفة يوسف _ دار سحر للنشر _ الطبعة الخامسة 2009.
4- حيرة 7: تعدد الأزواج و الزوجات _ ص125 _ حيرة مسلمة.
5- صحيح البخاري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.