أيام تولى سعد الدين وهبة رئاسة اتحاد كتُاب مصر، وفى أحد الاجتماعات تساءل الروائى الكبير إبراهيم أصلان ساخرا: «أرى أن جميع الدعوات الخاصة بحضور المؤتمرات الأدبية، ومشاركة الأدباء المصريين فيها تقتصر فقط على أعضاء مجلس الاتحاد. الأسماء نفسها تتكرر كل عام ولا نشهد اختلافا يذكر، فهل هناك سبب لذلك؟»، فرد عليه سعد الدين: «علشان إحنا عارفين عناوين أعضاء المجلس، ومش عارفين عناوين الباقى». تلك العبارة التى لا تخلو من الواقعية المصرية مازالت تتكرر، وإنما بشكل مختلف، وبحرفية شديدة، وبمعايير مطاطية. والحديث عن معارض الكتاب والمؤتمرات الأدبية التى تعقد فى العديد من العواصم العربية والأوروبية، مثير للجدل والأقاويل، فهى مؤتمرات وندوات ومعارض غالبا ما تشارك فيها الأسماء ذاتها التى لا تتعدى خمسة عشر اسما من الأدباء والنقاد، الذين تظل حقائبهم فى حالة تأهب للسفر دوما، حتى لو كان موضوع المؤتمر بعيدا عن تخصصهم أو إبداعهم، إذ نلاحظ مشاركة «شاعر» دائم السفر فى مؤتمر للرواية أو القصة، فلا يهم الموضوع، المهم السفر. مؤخرا زاد اللغط حول القضية ذاتها أى سفر بعض الأسماء للمشاركة فى مؤتمرات أدبية بالخارج، وذلك بعد رفض سفر الكاتبة سلوى بكر إلى تونس للمشاركة فى مؤتمر أدبى فى أبريل الماضى، حسب دعوة لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة لها. ولم تهدأ الأمور إلا بعد نفى حسام نصار المشرف على قطاع العلاقات الثقافية الخارجية أن يكون د. عماد أبوغازى أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، هو الذى منع بكر من السفر لتونس. أوضح نصار أن قرار المنع صدر منه لعدم التزامها بما تم الاتفاق عليه، مشيرا إلى أنه فى البداية تم ترشيح سلوى للسفر فى هذا المؤتمر من قبل لجنة القصة بالمجلس، وتم تكليفها بكتابة موضوع عن القصة إلا أنها كتبت شيئا آخر، لذلك «رفضت سفرها بناء على مهام وظيفتى». وأكد نصار أن معه الحق فى ترشيح بعض الأسماء، أو رفض البعض الآخر لافتا إلى أن ميزانية قطاع العلاقات الثقافية تأتى من وزارة الخارجية، وليس من وزارة الثقافة. لكن سلوى بكر لديها رواية أخرى ترد بها على حسام نصار وقد نشرتها بجريدة أخبار الأدب، قائلة: «من يعد دراسة أو بحثا للمشاركة فى ندوة أو مؤتمر لا يقوم بذلك على ضوء توجهات موظفى العلاقات الثقافية الخارجية، وإلا فلماذا لا يقوم موظفو العلاقات الثقافية بكتابة الأوراق والذهاب بأنفسهم إلى المؤتمرات بدلا من المبدعين؟». وأضافت بكر ل«الشروق» إنه كان يجب على المجلس الأعلى للثقافة مساندة المثقفين، وعدم الرضوخ لوزارة الخارجية التى تتدخل فى الشأن الثقافى، موضحة أن العلاقات الخارجية ليست إلا جهة إجرائية فقط، ولا يحق لها التدخل فى أوراقها البحثية، رافضة حجة الدكتور عماد أبوغازى أمين المجلس الذى قال لها: «القطاع هو الذى يدفع تكلفة السفر إلى تونس». وأوضحت بكر أن منع السفر جاء، لأنها كتبت عن ألفة يوسف وكتابها «حيرة مسلمة»، التى تطرح فيه إشكالية التعامل مع التراث، وفهمنا بعض نصوص القرآن الكريم، خصوصا فيما يخص المرأة. وقد رأت العلاقات الخارجية أن تقوم بدور الرقيب على هذا الكلام، ومنعت بكر من السفر. وجهة نظر يابانية وبعيدا عن الجدل السابق يبقى السؤال: لماذا تتكرر دعوة الأدباء أنفسهم كل مرة؟، أو بمعنى آخر لماذا لهم فى كل عرس قرص كما يقال؟، ولماذا لا توجد لجان نزيهة ومنصفة تنظم سفر الأدباء لحضور تلك المؤتمرات والمهرجانات؟!، ولماذا كى يصل الكاتب إلى دوره فى السفر، والتبادل الثقافى، وهذا من حقه ففى السفر فوائد عديدة، يجب أن يكون محسوبا على جهة ما فى السلطة؟!. إذا كنا لا نستطيع معرفة معايير سفر بعض الأدباء والنقاد إلى المهرجانات الأدبية الخاصة، فلماذا لا نستطيع معرفة كيفية ترشيح نفس الأسماء للسفر فى معارض للكتاب تشرف عليها جهات حكومية، وعلى أى أساس يتم الترشيح والاختيار؟!، وأخيرا هل يصح أن يتحكم ويناقش أعمال الكتّاب بعض الموظفين بحكم مناصبهم؟! فى سبيل البحث عن موضوع تكرار أسماء بعينها لتمثيل الأدب المصرى، أو العربى فى المهرجانات العالمية، وجدت كتابا يابانيا تحت عنوان «العرب وجهة نظر يابانية» للكاتب «نوبو أكى نوتوهارا» الذى ذكر فيه أنه صعق من ترف المؤتمرات الثقافية التى ينظمها العرب وأدهشته المفارقة بين البذخ الأسطورى لهذه المؤتمرات، وبؤس وضع الكتاب والكاتب العربى، قائلا: «فى اليابان لا يمكن حدوث مثل هذه الأشياء كيف تبددون المال على هذه الشكليات بدل دعم الثقافة بشكل حقيقى؟ ولماذا تتكرر الأسماء ذاتها للسفر، وكأنه لا يوجد غيرهم لتمثيل بلدانهم؟». وقبل الدخول فى الموضوع، يجب التفرقة بين نوعين من سفر الأدباء والنقاد للخارج، الأول وهو سفر أسماء بعينها إلى مؤتمرات ومهرجانات أدبية تقوم على تنظيمها جهات خاصة، لا دخل فيها للجهات الحكومية، والثانى وهو سفر مجموعة لا تتغير إلى معارض الكتاب الدولية التى تشارك فيها الهيئة المصرية العامة للكتاب، وتضم تلك المعارض أنشطة ثقافية تقام على هامش المعارض، ويكون المسئول عن تنظيمها مع الجانب المضيف لجنة تشكل مع كل معرض. وعن النوع الأخير «الحكومى» يثار الجدل، وتتكرر الأسماء. ويتشابك مع النوع الثانى من السفر، الترشيحات التى يقوم بها المجلس الأعلى للثقافة للسفر للخارج، وآخرها قضية سلوى بكر. ولكن هذه الترشيحات أخف وطأة وجدلا، بسبب ردود وتوضيحات الدكتور عماد أبوغازى. كتُاب الشنطة متى ستتخلص الثقافة العربية على الأقل من نظام المحسوبيات؟... سؤال طرحته أكثر من مرة الكاتبة السورية هيفاء بيطار قائلة: «أذكر منذ سنوات، أثناء حضورى لمهرجان المحبة فى اللاذقية، وهو تظاهرة ثقافية تنظمها وزارة الثقافة، تمت دعوة الشاعر اللبنانى المبدع «طلال حيدر»، وقرأ شعرا جميلا، لكنه فى المهرجان التالى دعى أيضا، وقرأ القصائد ذاتها التى قرأها فى المرة الأولى!! وكى تكتمل المهزلة دعى للمرة الثالثة أيضا وقرأ القصائد ذاتها! فهل هناك من استخفاف أكثر من ذلك؟. وفى بعض أنشطة اتحاد الكتاب العرب فى اللاذقية، دعى لأكثر من عشر مرات الشاعر اللبنانى «نعيم تلحوق»، والباحث النفسى «محمد النابلسى»!. وأضافت بيطار: أعرف شاعرة لديها ديوان يتيم، دارت الكرة الأرضية بسببه، وحضرت مؤتمرا عالميا بمناسبة مرور مائة عام على وفاة «بورخيس». وكان الشعراء السوريون المشاركون فى هذا المؤتمر أدونيس، وصلاح ستيتية، وهى!. وأعرف كاتبا سمعت له المحاضرة ذاتها أكثر من خمس مرات، وهى جاهزة فى حقيبة سفره، وقد حفظها عن ظهر قلب، وألقاها مرة فى مهرجان المحبة، ومرة فى مكتبة الأسد بدمشق، ومرة أخرى فى المغرب. كتاب «الشنطة المتنططون» من مؤتمر إلى مؤتمر، مقتنصين فرص غيرهم من الأدباء، ظاهرة تدل على فساد ثقافى خطير يجب محاربته. هيئة الكتاب بريئة كنا قد سألنا الراحل الدكتور ناصر الأنصارى رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهى الجهة المسئولة عن مشاركة مصر فى المعارض الدولية للكتاب، وكان آخرها معرض تورينو الذى أثار الكثير من الجدل من أن الهيئة لم تفلح فى تقديم صورة جيدة للأدب المصرى ضيف شرف المعرض، عن سبب دعوة أسماء بعينها للسفر، فقال وقتها إن سلطة الاختيار تتولاها لجان مختصة تختار الأدباء المشاركين حسب إنتاجهم الأدبى، مؤكدا أنه لا يتدخل فى ترشيح الأسماء، فهذا ليس من مسئولياته. وعن تلك اللجنة التى لم يفصح عنها د. الأنصارى سألنا الدكتور وحيد عبدالمجيد مستشار الهيئة باعتباره كان نائبا لرئيس الهيئة وقت عقد معرض تورينو فى مايو من العام الماضى، ولكنه أثار دهشتنا بإجابة شديدة الغرابة، وإن كانت تحمل بين طياتها دلالات كثيرة حيث قال بحسم: لا تعليق، فأنا الآن مدير مركز الأهرام للنشر والترجمة، ثم أغلق الخط. بدا لنا أن تلك اللجنة أمرها غريب، فسألت عنها سهير المصادفة المشرفة على سلسلة الجوائز بالهيئة العامة للكتاب. فأجابت بصوت غاضب: «الهيئة العامة للكتاب ليست جهة ترشيح، الأسماء الأدبية التى تسافر للخارج، بل هناك لجنة لا تتبع الهيئة، هى التى تقرر الأسماء المشاركة». وأوضحت المصادفة أن اللجنة تضم فى عضويتها الدكتور عماد أبوغازى، ويوسف القعيد، والدكتور أحمد مجاهد، مؤكدة أنها لا تقول إن هناك فسادا فى اختيار الأسماء، وإنما تكرارها يفسد الذائقة الأدبية، ويعطى صورة ذهنية عن مصر أنها لا تملك من مواهب إبداعية إلا هؤلاء فقط. وسألت المصادفة: لماذا يسافر مثلا أحمد الشهاوى فى كل مؤتمرات الشعر مما أعطى انطباعا أنه لا يوجد غيره من الشعراء المصريين القادرين على تمثيل الشعر المصرى والعربى أمام العالم، ومن هو المسئول الحقيقى عن سفر الشهاوى الدائم؟!. وأضافت المصادفة أن خطأ الهيئة تمثل فى سفر 30 موظفا بالهيئة لخدمة الأدباء الذين شاركوا فى معرض تورينو للكتاب بدلا من محاولة اختيار أسماء جديدة تمثل المشهد الأدبى فى مصر. الروائى محمود الوردانى قال إن تكرار الأسماء المشاركة فى المهرجانات أو المعارض يؤكد أن هناك شلة معينة تسيطر على الوسط الثقافى فى مصر، وأن تلك الشلة لها علاقات قريبة بالسلطة الثقافية المصرية ولها صلات قوية بالجهات الخارجية التى تنظم مثل تلك المهرجانات الأدبية، مؤكدا أن هذه القضية عرض من مرض استفحل، وهو مرض غياب المعايير وانعدامها. معايير لا يمكن تجاوزها وعن معايير اللجنة الحكومية المشكلة لترشيح من يمثل مصر فى المعارض الدولية أكد الدكتور عماد أبوغازى لنا من قبل أن تلك اللجنة غير دائمة، وإنما مع كل معرض يتم تشكيل لجنة خاصة به، مشيرا إلى أن هناك معايير عديدة راعتها اللجنة فى اختيار أسماء الوفد المصرى، خاصة فى معرضى تورينو وجنيف للكتاب، منها أن اللجنة تختار من تُرجمت أعماله إلى لغة البلد صاحب المعرض. فلا يجوز ترشيح أى أديب فى معرض للكتاب لم تترجم أعماله إلى لغة أجنبية، كما تختار اللجنة أسماء المشاركين فى محاور المعرض وأنشطته الثقافية، فمثلا يمكن دعوة أديب أو ناقد للحديث عن أدب نجيب محفوظ دون أن يكون له أعمال مترجمة. وحول ما يقال عن المحسوبيات، واقتصار المشاركة فى المعارض على أسماء بعينها أكد أبوغازى أن هذا الكلام غير صحيح، لأن معيار ترجمة أعمال الأديب إلى لغة البلد صاحب المعرض لا يمكن تجاوزه أو إغفاله، مضيفا أنه يجب التفرقة بين المعارض الدولية للكتاب المسئولة عنها الهيئة العامة للكتاب وبين المهرجانات التى تشرف عليها لجنة عليا للمهرجانات. خصوصا المهرجانات السينمائية أو المؤتمرات الخاصة التى لا دخل لوزارة الثقافة فيها. من ناحية أخرى، رد أبوغازى بانفعال شديد عند سؤاله حول لجنة سفر الأدباء إلى الخارج، وهى لجنة تختلف عن لجنة سفر الأدباء لمعارض الكتاب الخارجية، بأنه لا يعرف من أين يأتى البعض بأقاويل أن هناك لجنة دائمة للسفر؟!. موضحا باستنكار أن الترشيحات التى تأتى إلى وزارة الثقافة تحال إلى لجان المجلس الأعلى للثقافة التى بدورها تقدم ترشيحات بعدة أسماء إلى قطاع العلاقات الثقافية الخارجية التى لها الحق الأخير فى تحديد الترشيحات. أما الناقد الدكتور محمد عبدالمطلب فقال إن ظاهرة سفر مجموعة من الأدباء دوما إلى المؤتمرات والمهرجانات والمعارض واضحة ومؤسفة، ولها جانبان، الأول أن هؤلاء الكتُاب المتكررين لهم صلة قوية وقريبة بالمسئولين، والثانى أن بعضهم يلح فى طلب السفر ولا يخرج من مكتب المسئول إلا ومعه وعد بالسفر إلى الخارج. وأكد عبدالمطلب أنه حضر أكثر من مرة النوع الثانى، وشاهد إحدى الأديبات تلح فى طلبها حتى أغمى عليها، ولم تفق من الإغماءة إلا ومعها الوعد بالسفر فى مؤتمر للشعر وليس للرواية، مشيرا إلى أن الأديب كلما اقترب من السلطة الثقافية أصبح حديدى الوجه لا يحس ولا يشعر. أخيرا إذا كان هذا هو حال المعارض والمؤتمرات الخارجية فما بالنا بمؤتمرات ومعارض الداخل؟!