منذ أيام أعلن محمد سلماوى رئيس اتحاد كُتاب مصر أن مؤسسة «نوبل» العالمية أعطت الحق للاتحاد فى اختيار المرشحين للحصول على جائزة نوبل فى فرع الآداب، واستقبل البعض هذا الإعلان بفرح شديد لتولى جهة مصرية ترشيح أسماء مصرية وعربية لأكبر جائزة فى العالم، ورغم ذلك امتزج الفرح بقلق وحيرة مع أسئلة عديدة حول آلية تنفيذ ذلك الترشيح ومن سيحدد أسماء المرشحين، بالإضافة إلى أن البعض قال إن هذا ليس دليلا على قوة اتحاد الكُتاب فضلا على أن عملية الترشيح ستشوبها المحسوبية والعلاقات الشخصية وممارسة الضغوط، حتى لو أكد الاتحاد عكس ذلك، فالمؤسسات المصرية سواء حكومية أو غير حكومية محكومة بثقافة الوساطة، والمحسوبية، ومحاربة الأصوات المعارضة. وقد حصلت «الشروق» على شروط الترشيح لجائزة نوبل من السيدة «كارولا هارملين» مساعدة أمين لجنة جائزة نوبل بالأكاديمية السويدية التى أكدت أن مؤسسة جائزة نوبل العالمية حددت أربع فئات من حقها ترشيح من تريد للحصول على أشهر جوائز العالم فى فرع الآداب، فهذه الفئات تختلف من فرع إلى آخر، وهى: أعضاء الأكاديمية السويدية وغيرها من الأكاديميات والمؤسسات التى تتشابه فى البناء والغرض، وأساتذة الأدب وعلم اللغة فى الجامعات، والفائزين بجائزة نوبل من قبل، ورؤساء اتحادات الكُتاب أو الجمعيات الممثلة للأدباء. وبناء على إعلان محمد سلماوى، والذى أكدته هارملين فى تصريحها ل«الشروق» فإن اتحاد كُتاب مصر له الحق فى ترشيح اسم أو أكثر للحصول جائزة نوبل فى فرع الآداب اعتبارا من أكتوبر 2009، أى للحصول على جائزة العام المقبل، وبذلك يكون الاتحاد أول جهة عربية معتمدة من مؤسسة نوبل للترشيح للجائزة العالمية فى الآداب. ويقول الكاتب الكبير محمد سلماوى ل«الشروق» إن فكرة الحصول على اعتماد اتحاد الكتاب من قبل مؤسسة نوبل جاء بعد وفاة الأديب الكبير نجيب محفوظ الذى كان له الحق كل عام فى ترشيح أديب للحصول على الجائزة؛ لأنه من الحاصلين على الجائزة عام 1988، والذى كان يرفض المشاركة فى عملية الترشيح معللا بأنه غير متابع للحركة الأدبية بسبب حالته الصحية كما أنه كان يريد توخى الأمانة، وعدم ترشيح أديب هناك من هو أفضل منه. وأضاف سلماوى قائلا: إنه فكر فى الأمر جيدا، ووجد أن من حق رئيس اتحاد كُتاب مصر ترشيح أديب أو أكثر للحصول على الجائزة، فبدأ مفاوضاته منذ ثلاثة أشهر مع جهتين، الأولى هى مؤسسة «نوبل» العالمية التى تمنح الجائزة، والثانية مع «الأكاديمية السويدية»، أعلى هيئة فى السويد، وهى التى تتلقى الترشيحات وتبحث وتختار ثم تخطر مؤسسة «نوبل» مانحة الجائزة بأسماء الفائزين. وبعد مفاوضات شاقة وافقت المؤسسة على هذا الاعتماد «بسبب مكانة الاتحاد والعلاقات الطيبة التى تربطنى بها منذ اختيارى لتمثيل نجيب محفوظ وقراءة خطابه فى احتفال حصوله على الجائزة». وأوضح سلماوى أن ثقة المؤسسة السويدية مكسب للأدب المصرى والعربى، فمنذ فوز نجيب محفوظ بجائزة «نوبل» فى الآداب عام 1988 لم يرشح أديب عربى للجائزة، باستثناء ما يقال عن ترشيح الشاعر الفلسطينى الراحل محمود درويش، والشاعر السورى أدونيس، كما أن هذا الاعتماد له أكثر من دلالة، وهى أن الاتحاد جدير بالثقة بعد بروز دوره على الساحة الدولية، فهو الذى قاد الحملة الدولية ضد مشاركة إسرائيل فى معرض باريس وتورينو، كما أن الاتحاد استضاف أدباء كبار مثل «بابلو مينتاشو» و«بابلو كويلهو» وغيرهما.. وأضاف: هناك دلالة أكبر.. فيكفى أن نطرح مرشحا مصريا وعربيا كل عام أمام الأكاديمية السويدية للحصول على نوبل فى الآداب. وأكد سلماوى أنه قرر أن يرشح أديبا مصريا وآخر عربيا كل عام. اختيار مؤسسى وردا على تساؤلات البعض حول آلية التنفيذ ذكر سلماوى أنه قرر وضع نظام مؤسسى للترشيح يتضمن استطلاع رأى المنظمات والهيئات الأدبية فى مصر. وعلى مستوى المرشح العربى سوف يطلب بصفته أمين عام اتحاد الكُتاب العرب من اتحاد الكتاب فى كل الدول العربية ترشيح من تريد ثم يختار اتحاد كتاب مصر اسما واحدا يضاف إلى اسم الأديب المصرى. ومنعا للاحتكار سوف يجعل سلماوى الترشيح على مرحلتين، الأولى تشكيل لجنة لتقديم ترشيحات من كل الجهات المعنية سواء جامعات أو هيئات أو أدباء ونقاد كبار، ثم تخرج من هذه الترشيحات «قائمة قصيرة»، والمرحلة الثانية تتمثل فى أن يختار سلماوى بصفته رئيسا لاتحاد كُتاب مصر، وحفاظا على السرية، الأديب المصرى الذى سيرشح لجائزة نوبل، ونفى سلماوى أن الترشيح سيكون به أى مجاملة، موضحا أن قانون مؤسسة نوبل ينص على أنه لا يجوز للجهة المعتمدة إعلان الأسماء التى تم ترشيحها قبل 50 سنة من الترشيح، وبالتالى لا توجد ضغوط مطلقا على الاتحاد كجهة معتمدة لاختيار أسماء بعينها. وبخصوص هذه النقطة أكدت «كارولا هارملين» أن حق الاعتماد يسقط إذا تسربت الترشيحات قبل المدة المحددة. ويقول الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى إن هذا الحق طبيعى، فاتحاد كُتاب مصر من الاتحادات التى لها الحق فى الترشيح لجائزة نوبل، وهو مؤسسة تضم الكتاب المصريين وله إدارة منتخبة، وهذه الإدارة لاشك أو يفترض دائما جديرة باستعمال هذا الحق المكفول لباقى اتحادات الكتاب فى العالم. وهذا أيضا ما أكده بهاء طاهر ل«الشروق»، مشيرا إلى أن هذا الاعتماد والذى لا يعرف شيئا عنه يمثل أمرا طبيعيا تمارسه كل اتحادات الكتاب فى العالم مادام يتوافق مع الشروط التى وضعتها مؤسسة «نوبل». وأكد حجازى أن الموافقة على اعتماد اتحاد الكتاب نجاح يضاف إلى ما حققه الاتحاد من قبل، ولكن لابد من المطالبة بالموضوعية والحكمة فى استعمال هذا الحق حتى يكون الاتحاد جديرا باستخدامه. وردا على هذا أشار سلماوى إلى أن مؤسسة «نوبل» تشترط أن تكون جهة الترشيح مستقلة غير حكومية، ومنتخبة ديمقراطيا، وتحظى بثقة الأعضاء، وممثلة لجموع الكتاب، وهذا ما حققه الاتحاد، مؤكدا: «الكل يعرف ما هو موقف اتحاد كتاب مصر، فالاتحاد هو أول من توجه إلى النائب العام بعد حرق قصر ثقافة بنى سويف، وبل سبق من يقال عنهم إنهم كتاب المعارضة. مسألة استقلال الاتحاد لا أحد يستطيع الطعن عليها. كما أن مؤسسة نوبل تحققت من تلك المسألة، وهى لا تقبل أى جهة رسمية أو أى صفة حكومية». ذكريات بائسة «مازلت أكرر: ربنا يستر».. هكذا علق الروائى الكبير إبراهيم أصلان قائلا: «مهم ومفرح أن تكون هناك جهة فى مصر لها حق الترشيح لجائزة نوبل، ولكننا نمتلك تراثا من عمل اللجان لا يدعو إلى أى ثقة، فهناك مشكلات عديدة تخص تشكيل اللجان ونزاهتها وقدرتها على إنكار الذات، ولا نستطيع أن ننكر أننا نمتلك ذكريات بائسة فى هذا الشأن، وهذا ليس طعنا على اللجنة المزمع تشكيلها والتى نأمل ألا تكون قاصرة على مجلس إدارة الاتحاد فقط». وذكر أصلان أنه تحدث أيام تولى سعدالدين وهبة اتحاد الكتاب عن ملاحظة أن جميع الدعوات لحضور المؤتمرات أو مشاركة الأدباء المصريين تقتصر فقط على أعضاء مجلس الاتحاد فرد عليه سعدالدين بقدر كبير من السخرية: علشان إحنا عارفين عناوين أعضاء المجلس، وأشار أصلان إلى أن هذه الإجابة التى لا تخلو من السخرية يعتبرها «حقيقة واقعة». وتمنى ألا يشاهدها فى لجنة الترشيح ل«نوبل». ورغم أهمية هذا الاعتماد والتأكيد على نزاهة آلية التقدم للجائزة تثار قضية ترجمة الأعمال المصرية إلى اللغات الأجنبية باعتبارها عاملا مساعدا ومهما فى لفت أنظار لجنة نوبل للأدب المصرى، وهذا ما أكده أكثر من مرة الناقد الكبير والمستشرق روجر ألن الذى يشاع أنه مرشح نجيب محفوظ لجائزة نوبل حيث قال فى أحد حواراته «رغم جدارة نجيب محفوظ للحصول على نوبل، وقيمة ما أبدعه جماليا، لكن هناك سببا آخر مهما جدا وهو الترجمة، وهى الوسيلة التى تتعرف بها لجنة نوبل على الكاتب وإبداعاته.. وردا على ذلك قال سلماوى: «لم تشترط الجائزة أن يكون الأديب المرشح له أعمالا مترجمة، وهذا لا ينفى أهمية الترجمة بالطبع، كما أن معظم الأدباء المصريين تُرجمت أعمالهم إلى اللغات الأجنبية مثل بهاء طاهر، وإبراهيم أصلان، وجمال الغيطانى، وإبراهيم عبدالمجيد، ومحمد المخزنجى وغيرهم».