أكتوبر.. الشهر الذي تمنح فيه جوائز نوبل، وهو الشهر الذي يفتح الجميع فيه النار علي نوبل، ماعدا الفائزين بالطبع. أعلنت منذ أيام نتائج الأكاديمية السويدية التي تمنح الجوائز، منها جائزة نوبل للسلام التي منحت للمنشق الصيني المعتقل ليو تشياوبو، مما ضاعف من النيران تجاه الجائزة في الصين، وهي نفس الاعتراضات التي وجهها الفاتيكان للجائزة بعد منحها في مجال الطب للعالم البريطاني روبرت إدوارز مبتكر التلقيح بالأنابيب.. وهكذا أصبح شهر أكتوبر من كل عام موسما للهجوم السنوي علي نوبل التي تمنحها الأكاديمية السويدية في فروع عدة تخليدا لذكري العالم الراحل الفريد نوبل مخترع الديناميت وإعمالا لوصيته بمنح جائزة سنوية من ريع ثروته لكل من ينجز عملا يسعي من خلاله لإقرار السلام وخدمة البشرية. تُنسب "جائزة نوبل" إلي العالم السويدي "ألفريد نوبل" أشهر علماء الكيمياء الذي اخترع مادة الديناميت التي منها تم صناعة قنابل الحروب والدمار التي أودت بحياة الملايين عبر العالم منذ اختراعها. ولكن هذا الاختراع جعله يشعر بالذنب والندم تجاه البشرية، لما يسببه من كوارث جمة تلحق بالبشرية؛ وقرَّر قبل رحيله بعام أي عام 1895 أن يترك وصيته التي طالب فيها بأن تُمنح جائزة مالية ضخمة -تحمل اسمه- من ثروته لكل إنسان عمل علي إقرار الأمن والسلام وخدم البشرية وأفادها فالسلام وحده هو الذي يجنب البشرية جميعها هذه الكوارث التي سيسببها اختراعه. وبالفعل تأسست جائزة نوبل عام 1901 وصار هذا تقليداً متبعاً كل عام في ميادين شتي من بينها الفيزياء والكيمياء والطب والسلام والأدب، وللحصول علي جائزة نوبل لابد من الترشيح أولا عبر عدة جهات رسمية، ولا يتم الترشيح إلا لأشخاص علي قيد الحياة. أما اقتراحات الترشيح لجائزة نوبل للسلام فيمكن أن تأتي رؤساء معاهد البحث المتخصصة في مجال السلام أو غيرها من المؤسسات الشبيهة لها. وتعد مصر الدولة العربية الأولي في منطقة الشرق الأوسط التي حصدت 4 جوائز نوبل في مجالات مختلفة هم الرئيس محمد أنور السادات الحائز علي جائزة نوبل للسلام عام 1978 لعقد معاهدة السلام مع "إسرائيل". والدكتور محمد البرادعي الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية لإيمانه بالاستخدامات السلمية للطاقة النووية؛ لذلك قام بشحذ جميع جهوده من أجل الوصول إلي عالم خال من أسلحة الدمار الشامل، ومن أجل هذا الهدف النبيل حصل في عام2005 علي جائزة "نوبل" للسلام تقديرًا لإنجازاته. كما حصل الدكتور أحمد زويل علي جائزة نوبل في الكيمياء لابتكار نظام تصوير سريع للغاية يعمل باستخدام الليزر له القدرة علي رصد حركة الجزيئات عند نشوئها وعند التحام بعضها ببعض، حيث إن الوحدة الزمنية التي تلتقط فيها الصورة هي الفيمتو ثانية وهو جزء من مليون مليار جزء من الثانية. وقد ساعد هذا الاكتشاف علي التعرف علي الكثير من الأمراض بسرعة. بينما حاز الأديب نجيب محفوظ علي جائزة نوبل في الآداب لتفرده بدخوله إلي عمق المجتمع المصري بشوارعه وحواريه، بحاناته ومقاهيه. ومن فلسطين حصل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات علي نوبل للسلام بعد اتفاق "اوسلو". وعلي الرغم من ترشيح العديد من العرب للحصول علي الجائزة إلا أنهم لم ينالوها سواء لأسباب معلنة مثل علي أحمد سعيد "أدونيس" من سوريا الذي رشح لها هذا العام، والأديب السوداني الطيب صالح الذي كان من أبرز الأسماء المرشحة لجائزة نوبل للآداب العام الماضي عن روايته الشهيرة »موسم الهجرة إلي الشمال« إلا أنه توفي قبل ذلك في نفس العام، ومن شروط الجائزة أن تمنح للأحياء فقط. تشكيك ومع موسم إعلان جوائز نوبل تلقي الجائزة منذ تأسيسها نقداً لاذعاً وتشكيكاً في حياديتها، خاصة في مجال السلام، حيث كثرت الانتقادات للجوائز التي منحت للرؤساء وزعماء بعض الدول وكان آخرهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما الحائز علي جائزة نوبل للسلام عام2009 الذي واجه انتقادات واسعة نظراً لأنها منحت له بناءً علي نواياه الحسنة وليس بناء علي أعمال قام بها، وذلك عندما أعلن تعميم الرعاية الصحية وإغلاق معتقل جوانتانامو. وحسبما ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية في أغسطس الماضي أن فريدريك هفرمل، وهو ناشط سلام ومحام نرويجي، زعم في كتاب له بعنوان "التقاط جوائز السلام: لماذا تنتهك جوائز السلام وصية ألفريد نوبل وكيف السبيل إلي تقويمها" أن معظم الحاصلين علي جائزة نوبل للسلام لا يستحقونها. وقال إن أكثر من نصف الحائزين علي الجائزة منذ عام 1946 منحت لهم بطريقة غير قانونية، إذ إنهم لم يتقيدوا بوصية صاحبها مخترع الديناميت. حيث حددت فقرة في الوصية شروط ما أطلق عليه صاحبها جائزة لأبطال السلام تنص علي منح جزء منها "للشخص الذي بذل أقصي ما بوسعه أو أنجز أفضل الأعمال لتحقيق الإخاء بين الأمم، ولإلغاء أو تقليص الجيوش القائمة ولعقد مؤتمرات السلام أو الترويج لها". وأضاف أن جميع فئات جائزة نوبل العشر عدا واحدة ظلت منذ 1999 تمنح بطريقة تعد غير شرعية بموجب القوانين النرويجية والسويدية. وقد حاز المنشق الصيني المعتقل ليو تشياوبو علي جائزة نوبل للسلام لهذا العام والتي تمنح لأول مرة لصيني يقيم في الصين وهو الخيار الذي أدانته بكين وانتقدته بشدة. وقد صدر حكم بسجن ليو 11 عاماً لأنه كتب بياناً عام 2008 مع نشطاء صينيين آخرين طالب من خلاله بحرية التعبير وبإجراء انتخابات تعددية. وعقب اعلان لجنة نوبل النرويجية منح الجائزة للمنشق الصيني سارعت بكين بالتنديد بهذا الاختيار الذي اعتبرت أنه مخالف لمبادئ جائزة نوبل واستدعت السفير النرويجي لديها للتعبير عن "غضبها" بحسب ما أعلن في أوسلو. وقالت بكين إن ليو تشياوبو مجرم أدانه الجهاز القضائي الصيني لانتهاكه القوانين الصينية كما دعا الزعيم الروحي للتيبتيين الدالاي لاما، الذي سبق أن أثار حصوله هو أيضا علي نوبل للسلام عام 1989 غضب بكين، إلي إطلاق سراح تشياوبو في الحال. وكان المستشار الألماني الأسبق، هلموت كول 81 عاماً، ضمن المرشحين لنيل جائزة نوبل للسلام لعام 2010 ورشح كول لنيل الجائزة عدة مرات في السابق لإسهاماته القوية في توحيد ألمانيا. جوائز هذا العام ومن ناحية أخري انتقد الفاتيكان منح جائزة نوبل للطب إلي البريطاني روبرت ادوارز، وقال إن منحه الجائزة يثير الكثير من الأسئلة أبرزها أن بحثه لم يعالج المشكلة الأساسية للعقم، بل التف حولها. فقد نال إدوارز الجائزة لهذا العام، لكونه مبتكر التلقيح عبر الأنابيب للمساعدة علي الحمل. وقالت اللجنة إن مساهمات إدوارز تشكل مساهماته اختراقا في تطوير الطب الحديث. كما ساهمت إنجازاته في معالجة العقم الذي يطال شريحة كبري من البشر. ونقلت وكالة الأنباء الإيطالية (آكي) عن رئيس الأكاديمية البابوية للحياة المونسنيور إجناسيو كاراسكو دي باولا وصفه اختيار مؤسسة نوبل للعالم البريطاني ليتلقي الجائزة، بأنه ليس في محله تماما. وأشار دي باولا إلي ما سماه دوافع غير قليلة للتشكيك في أخلاقيات الطب الحيوي التي برزت نتيجة لأبحاث العالم البريطاني في تقنية تخصيب البويضة البشرية خارج الرحم، من بينها تجارة البويضات والأجنة المجمدة والقضايا المتعلقة بتأجير الرحم وظاهرة الأمهات المسنات. ومنحت جائزة نوبل للفيزياء لعام 2010 إلي الهولندي أندريه جيم والروسي-البريطاني كونستانتين ونوفوسيلوف عن "أعمالهما الثورية علي الغرافين" وهي مادة كربونية قد تحدث انقلابا في مجال الإلكترونيات. أما جائزة نوبل للآداب التي حجبت سبع مرات أعوام1914 و1918 و 1935 و1940و1941و 1942 و1943 فاز بها هذا العام الكاتب والأديب العالمي ماريو فارجاس يوسا 74 عاما من بيرو، تتويجا لأعماله التي "تجسد هيكليات السلطة وصوره الحادة حول مقاومة الفرد وتمرده وفشله" ومن أشهر رواياته من قتل موليرو والبيت الأخضر. يذكر أن الأكاديمية السويدية لجائزة نوبل قد منحت هذه الجائزة في فرع الآداب 102 مرة لعدد 106 أدباء ما بين عام 1901 وحتي 2009 فحصل عليها أول مرة الشاعر الفرنسي رينيه سولي برودوم عام 1901فيما حصلت عليها الروائية الألمانية من أصل روماني "هيرتا موللر" العام الماضي، تتويجا لأعمالها المستوحاة من حياتها في ظل ديكتاتورية نيكولاي تشاوشيسكو في رومانيا.