تقف دائمًا في صف الأقوى، المتحكم في السلطة، فالصحف القومية هي التي كانت تمدح الرئيس المخلوع مبارك، وغيرت عناوينها قبل تنحيه بحوالي 48 ساعة، فهي صحافة الدولة التي تخضع لمن يحكم. وما رأيناه على مدى الأربع سنوات الماضية من تصدر كل حاكم يأتي للصفحات الأولى يؤكد هذا الكلام. تغيرت عناوين الصحف القومية على مدى ال 18 يومًا لثورة 25 يناير 2011، فجريدة الأهرام بدأت اليوم الأول للثورة بعنوان "وقفات احتجاجية وكردونات أمنية بوسط القاهرةوالمحافظات وإصابات بين المواطنين وقوات الشرطة"، أما في يوم 26 يناير فنجد المانشيت "تظاهرات حاشدة بالقاهرةوالمحافظات واستشهاد مجند أمن وشابين بالسويس"، وفي 27 يناير "وفاة 4 وإصابة 118 مواطنًا و162 شرطيًّا والقبض على 100 بالقاهرةوالمحافظات". وقبل جمعة الغضب كان مانشيت الأهرام صباح 28 يناير "مبارك يتابع ويطمئن على المواطنين بالسويس.. مصرع شخص وإصابة 86 وإحراق وحدة مطافئ". وبعد جمعة الغضب لم تتحدث الأهرام عن أنه غضب شعبي، لكنها قالت في يوم 29 يناير "مظاهرات حاشدة في القاهرةوالمحافظات"، وفي 3 فبراير تناست ميدان التحرير تمامًا ليكون المانشيت "الملايين يؤيدون مبارك في مسيرات بالمحافظات"، و"الآلاف يحتشدون بميدان مصطفى محمود"، وفي 6 فبراير تؤكد الأهرام على لسان رئيس الوزراء أحمد شفيق أن "الوضع في مصر مطمئن للغاية". وفي يومي 9 و10 فبراير قبل تنحي مبارك بيومين بدأت الأهرام تعود مرة أخرى إلى المتظاهرين بمانشيتات "المتظاهرون يحاصرون مجلسي الشعب والشورى ومجلس الوزراء ووزارة الصحة". وبعد تنحي مبارك تحولت الأهرام إلى مساندة للمتظاهرين، ففي يوم 11 فبراير نشرت "الرئيس مبارك يتنحى عن السلطة"، وفي يوم 12 فبراير "المصريون يحتفلون بسقوط النظام". ولم يختلف الحال كثيرًا في جريدة الأخبار، ففي يوم 25 يناير 2011 كانت عناوينها "دعاة التحريض فشلوا في تحقيق أهدافهم والأمن تعامل بضبط النفس"، و"صفوت الشريف ل "الأخبار": الفرق كبير بين حرية التعبير والفوضى". أما 26 يناير في انحياز واضح قالت "الداخلية: سمحنا بتنظيم الوقفات الاحتجاجية والتزمنا بتأمينها رغم تحريض كفاية و6 إبريل"، وفي 27 يناير جاء العنوان "الحياة عادت لطبيعتها في وسط القاهرة.. ومظاهرات في السويس والإسماعيلية". وبعد خطاب مبارك قالت الأخبار في يوم 2 فبراير "مظاهرات تأييد الاستقرار تشهدها القاهرةوالمحافظات"، وفي 3 فبراير نشرت "عودة الروح إلى أقسام الشرطة". أما 4 فبراير فنشرت الأخبار "ليلة الدم والنار في ميدان التحرير.. وأصابع المؤامرة"، وفي 5 فبراير تساءلت الجريدة: "من هم المتظاهرون في ميدان التحرير؟ وما هي أهدافهم؟". وفي يوم 9 فبراير نشرت الأخبار "عدوى المظاهرات تنتقل من ميدان التحرير إلى المحافظات والبرلمان تحت الحصار". وتحولت الأخبار بعد ذلك في عناوينها لتأييد للثورة، حيث ذكرت في عدد 11 فبراير أنه "بالإجماع.. مجلس نقابة الصحفيين يؤيد ثورة 25 يناير الشعبية"، وفي 12 فبراير كتبت "الحزب الوطني.. ينهار!"، وعنوان آخر "تحقق الحلم.. ونجحت ثورة الشباب". وفي جريدة الجمهورية نجد يوم 25 يناير 2011 عنوان "فى حوار شامل لمجلة الشرطة.. مبارك: أنحاز للفقراء ولن أسمح بأعباء إضافية على المواطنين"، أما يوم 26 يناير "المتظاهرون عطلوا المرور وأثاروا الشغب فى ميدان التحرير"، وفي يوم جمعة الغضب 28 يناير قالت الجمهورية على لسان "صفوت الشريف: قيادات مصر لا تهرب.. وستظل واقفة بشموخ لخدمة الوطن"، وبعد موقعة الجمل في 3 فبراير، نشرت الجمهورية عناونين الأول "مصر أقوى من الفتنة"، والثاني "الشعب للرئيس: نحن معك.. مبارك ينقذ مصر من الفوضى والخراب". وفي يوم 7 فبراير كان مانشيت الجمهورية "عهد جديد اتفاق نائب الرئيس.. والشباب والمعارضة والإخوان على وثيقة الوفاق الوطني"، وقبل التنحي في يوم 10 فبراير اعترفت الجريدة بأن "المظاهرات تتخطى المليون"، وفي يوم 12 فبراير بعد تنحي مبارك قالت الجمهورية: "سطعت شمس الحرية وأصحاب الملايين يتساقطون". وقال عامر الوكيل عضو مجلس نقابة الإعلاميين تحت التأسيس: إن الوسط الإعلامي والصحفي ابتلي بمجموعات تربت في كنف نظام المصلحة والانتهازية بقيادة المخلوع "مبارك" الذي أصاب المجتمع المصري بوباء، وعندما قامت الثورة في يناير اعتقدنا أننا سنتخلص من هؤلاء المرتزقة، لكن من تولوا إدارة البلاد جاءوا بالصف الثاني والثالث من نظام مبارك، وهو ما فعله الإخوان أيضًا واستعانوا بمن يتملقهم ويمدحهم وينافقهم. وأكد "الوكيل" أن الصحف القومية لا تلعب مع الأقوى، بل تلعب مع رب نعمتها، ومن يعين رئيس التحرير ويعطيه راتبه يمسك القلم من فوق. وفي مرحلة الثورة كانت فكرة القفز من مركب السلطة الغارقة هو السيد بعد أن أصبحت الثورة المتحكم لأسابيع قليلة، فهذا ما يسمونه مجازًا صحافة الدولة أو إعلام الدولة، وهو إعلام السلطة وصحافة السلطان، فأذكر مانشيتات لإحدى الصحف القومية تقول السياحة عادت والاقتصاد تحسن والأمن عاد، بموجب هذه العناوين وبقراءتها سيشعر المواطن أنه يعيش في دولة غير التي تتحدث عنها الجريدة، إنها صحافة منفصلة عن الشعب متصلة فقط بمن يمتلك القوة المتمثلة في السلطة، مشيرًا إلى أن الحل في تغيير هذا الفكر والبعد تمامًا عن الاختيار من نفس أعوان مبارك. وأوضح بشير العدل، مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة، أنه على مدى الثلاثة عقود الأخيرة الصحافة المملوكة للدولة لم تقدم جديدًا في العمل الصحفي، لكنها تعد بوقًا للسلطة الحاكمة أيًّا كانت، مشيرًا إلى وجود تحول مفاجئ وسريع في الرسالة الإعلامية التي تقدمها الصحف القومية؛ لأنها صحف الدولة التي تتحدث بما يمليه عليها الحاكم أو السلطة التنفيذية . وكشف "العدل" عن خضوع الصحف القومية للدولة بشكل مباشر من حيث التعيينات لمجالس إدارتها ورؤساء تحريرها عن طريق المجلس الأعلى للصحافة، ومع وجود نظام الانتخابات، ما زالت خاضعة لها، بالإضافة إلى أن مرتبات العاملين خاضعة للدولة، لذلك أصبحت بوقًا للحاكم. وشدد على أن الوضع السياسي صراع بين السلطة والمعارضة، لذلك تسير هذه الوسائل التي تسيطر عليها الدولة في خدمة مصالحها، باعتبار أن السلطة هي الغالبة، وفي مصر لا توجد ديمقراطية حقيقية تعطي للمعارضة الفرصة إلى الوصول للحكم، لذلك الصحف القومية مسخرة لخدمة السلطة وليست لخدمة الشعب، على الرغم أن هذه الصحف ملك للشعب؛ لأنها ملكية عامة.