يُمثل النظام القضائي في أي دولة ركنًا مهمًا في نظامها السياسي، كما يعد مؤشرًا صادقًا على ديمقراطيتها والعدالة التي تقدمها لمواطنيها، وبالتزامن مع نطق الحكم منذ أيام على "مبارك" ورجالة بالبراءة، ومعاقبة الناشط أحمد دومة أمس، بالسجن 3 سنوات في قضايا متعلقة بالحريات، تحوم الشبهات حول مدى نزاهة القضاء المصرى. فشهداء ثورة يناير الذين نالوا التحية العسكرية من الجيش في أعقاب رحيل مبارك، يبدو أنهم قد قتلوا أنفسهم فعليا بعد صدور أحكام بالبراءة في كل قضايا قتل الثوار، ناهيك عن الأحكام المثيرة للجدل بحق المتظاهرين بعد 30 يونيو وأغربها قضايا الإعدام، فلا أحد يختلف على أن النظام القضائي في مصر، يحتاج إلى تعديل، فالنظم القضائية في العالم، حتى المستقر والعادل منها، لم يكُن وليد لحظة، ولم ينشأ منعزلاً عن الظروف والصراعات السياسية. تطوير واستقلال القضاء فى اليابان بعد العالمية الثانية تعد اليابان من أبرز الدول التى أجرت إصلاحا للنظام القضائي بها، حيث خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية مهزومة ومُدمرة تمامًا، وعلى أرضها قوات الحلفاء بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية التي احتلت أراضيها لمدة 7 أعوام بين 1945 و1951 للإشراف على إعادة بناء اليابان بعد الحرب. وبالتزامن مع إعادة بناء الاقتصاد، والبنية التحتية، والتعليم، تم إقرار الدستور الياباني في عام 1946 تحت رعاية أمريكية، حيث مثَّل الدستور تحوُّلاً كاملاً في النظام السياسي الياباني بالنص على أن السيادة للشعب لا للإمبراطور، وإلغاء الجيش الياباني، ومنع الاشتراك في أي حرب قادمة، وتحويل اليابان إلى دولة برلمانية يكون منصب الإمبراطور فيها شرفيًّا، وبحقوق سياسية متساوية للرجال والنساء. وشهد النظام القضائي كذلك نصوصًا دستورية أكدت استقلاله، كان أبرزها حظر إنشاء أي محكمة استثنائية، أو إعطاء أي كيان منفصل أو وكالة من السلطة التنفيذية على سلطة قضائية نهائية، وتمتع كل القضاة باستقلال تام لاستفتاء ضمائرهم، وهم مسئولون فقط أمام هذا المرسوم الدستوري والقوانين. لكن النظام القضائي في اليابان قبل الحرب لم يبشر بإصلاحات كبيرة، فلم يعترف دستور 1889 باستقلال السلطة القضائية، بل كانت تابعة للسلطة التشريعية؛ ولم يكُن للقضاء الحق في الفصل في دستورية القوانين وقرارات الحكومة، وكانت المحاكم الإدارية لا الهيئات القضائية المستقلة هي المسؤولة عن كافة المنازعات الإدارية والحكومية. صاحب انتقال اليابان إلى الديمقراطية والنظام السياسي والقضائي الغربي إصلاحًا شاملاً للسلطة القضائية، فاستقرت أوضاعها بإلغاء كافة المحاكم الخاصة والاستثنائية، وضمان استقلال القضاة في قراراتهم وأمورهم الإدارية والتنظيمية وإدارة المحاكم وفرض سلطة القضاء على كافة القوانين والقواعد المنظمة لعمل الحكومة، وإنشاء محكمة عليا مكونة من 15 قاضيًا تفصل في دستورية القوانين وقرارات الحكومة، ويتمتع أعضاؤها بوضع خاص يصل بهم إلى مكانة وراتب مساويين لرئيس الوزراء. «الأرجنتين».. صفقات سياسية تحولت لإصلاح قضائي قضت الأرجنتين أغلب القرن العشرين تحت حكم عسكري ديكتاتوري، تعاقبت فيه 6 انقلابات عسكرية، كان آخرها وأكثرها دموية في عام 1983 بعد 7 سنوات من القمع، عاشت الأرجنتين فترة مظلمة، انتهت بالحكم على رئيسها العسكري الأسبق و5 من قيادات الجيش بالسجن 25 عامًا بتهمة التورط في قضايا تعذيب، واحتجاز غير قانوني، وانتهاكات لحقوق الإنسان. خلال فترة «الحرب القذرة» في الأرجنتين بين عامي 1976 و1983، لم يستطع النظام القضائي حماية عشرات الآلاف من المواطنين والنشطاء من ضحايا القتل، والتعذيب، والاحتجاز غير القانوني، والاختفاء القسري، والاختطاف، أو مساءلة قادة الأجهزة الأمنية عن تلك الجرائم، فكان القضاء الأرجنتيني، سواء على مستوى المحاكم العادية أو العليا، خاضعًا للسلطة السياسية، خاصةً بعدما عزل الجيش عقب الانقلاب كثيرًا من القضاة، وعيَّن مكانهم قضاة «يشتركون مع قادة الجيش في رؤيتهم». يشبه النظام القضائي الأرجنتيني نظام القضاء في الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ وتلعب المحكمة العليا دورًا كبيرًا في تفسير الدستور وتحديد مدى موافقة القوانين له. ومع تحوُّل الأرجنتين إلى الديمقراطية في عام 1973، قدَّم قضاة المحكمة العليا الخمسة استقالتهم قبل تنصيب الرئيس «راؤول ألفونسين» بأيام قليلة، ليفسحوا الطريق لخطة طموحة لإصلاح القضاء. وفي سابقة قضائية، وقف 9 من قادة المجالس العسكرية التي حكمت الأرجنتين أمام محكمة مدنية بعد أشهر قليلة من انتخاب الرئيس؛ حكمت على 6 منهم بالسجن لمدد تتراوح بين 4 سنوات و25 سنة. اعتمدت خطة إصلاح القضاء على تعزيز دور المحكمة العليا والتفسيرات الليبرالية للدستور، وتعديل قانون العقوبات، وتغيير إجراءات التقاضي ونظام المحاكمات بتحويل إصدار الأحكام إلى هيئة المُحلفين بدلًا من القاضي، وعيَّن «ألفونسين» الكثير من القضاة المعروفين بانحيازهم إلى حريات المواطنين في الدوائر التي تنظر قضايا العهد السابق. لكن الكثير من هذه الإصلاحات لم يُنفذ خلال فترة الرئيس «ألفونسين»، الذي دخل في صراع مع المحكمة العليا على القوانين التي تقرها حكومته؛ فجاء 47% من قراراتها معارضًا للحكومة، ثم انتهت الصحوة القضائية بإقرار قانونين – تحت ضغط الجيش- في عامي 1986 و1987 يقضيان بإيقاف التحقيق في الجرائم المرتكبة في فترة الديكتاتورية، والعفو الشامل عن قادة الجيش وضباطه المتهمين، ورفع المسؤولية القانونية عن منفذي الأوامر من صغار الضباط. لكن الرئيس الثاني «كارلوس منعم»، أعاد القضاء إلى سيطرة السلطة التنفيذية بعد أن غيَّر تشكيل المحكمة العليا، وعيَّن قضاة موالين له، وعقد صفقة مع حزب المعارضة لتعديل الدستور. إصلاح القضاء المصري يبدأ بتطوير منظومة العمل وعن إصلاح القضاء في مصر، يقول الدكتور محمد عبد الفتاح، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة، إن الحديث عن فساد القضاء يعد إهانة لمنظومة القضاء، مضيفا: «نحن الآن في حاجة لحديث عن تطوير القضاء وليس فساده، فكل شىء في الحياة وجد لكي يطور حتى سلوكيات الأفراد نفسها، والقضاء المصري هكذا بحاجة إلى العديد من التطويرات والإصلاحات». وأوضح "عبد الفتاح" أن بداية تعديل المنظومة في مصر يبدأ بإصلاح دور المحاكم؛ حتي تصبح أكثر احتراما للقضاة والمحامين وأكثر أمانا للمستدات من السرقة والحرائق والسرقة، ولا يمكن التذرع بالميزانية؛ لأن ميزانية صندوق المحاكم، تصل للمليارات. ولفت أستاذ القانون الدستوري بالجامعة، إلي أنه على المستوي المهني، لابد من مراجعة كفاءة القضاة المهنية، ومن يثبت عدم كفاءته يعاد تدريبه؛ لأن القاضي غير الدقيق في عمله أو غير كفؤ، هو عبء علي القضاء من خلال اضطرار المحامين للطعن للدرجة الأعلي من التقاضي.