بين الإفراط والتفريط ، والإيمان بالفكرة ، والتماهي فيها ، وبين الثوابت والعقيدة الراسخة ومقتضيات الاستمرار ، مساحات شاسعة ، كالمساحات اللونية ، ما بين الأبيض والأسود ، مرورا بكل الألوان الباهتة ضعيفة الدلالة ،ففي عالمنا اختلطت الأفكار، وامتزجت الألوان ، ولم يعد ثمة مكان للون واضح ، ورغم أن المدينة الفاضلة ستظل حلما يراودنا جميعا، وأنها لا يمكن تجسيدها على أرض واقعنا ، فإن دعاتها بين أبناء العروبة كثر، ترتفع صيحاتهم في كل حين بما لا يمكن تصديقه، في حين أن الأمر لدى غيرنا واضح ومحسوم ولا مجال فيه للمواربة ، تلك الأفكار التي تزاحمت في رأسي ، استفزها أحدهم ،حين شمر ساعديه عن الدعوة لمساندة الكيان الصهيوني الغاصب في محنته الإنسانية التي ألمت به ،وأنه جد سعيد لموقف من هبوا لنجدة أبناء صهيون في كارثة حريق جبل الكرمل، ولا أدري أين كان يقف صديقنا في المساحات البينية التي تطرقنا إليها ، وأظنه على أقصاها من الناحية الأخرى، التي تفصلني عنها حدود العقيدة، والمعتقد ، وإيماني بالحق والعدل والإنصاف ، والفرق بين الإفراط في الإنسانية أو التفريط إلى حد التماهي في طريق الضياع واللا عودة . عن أي إنسانية يتحدث صديقنا ، وعن أي مدنيين في مجتمع تمت عسكرته، بكامل مؤسساته ، المدنية والدينية ، والبحثية أيضا ، مجتمع ربى صغاره على منتهى الكراهية للعرب، والحرص على الفوز بالغنيمة المعهودة ، أرض الميعاد ، حيث اللبن والعسل، ففي المجتمع الصهيوني، الكل جنود ، سواء داخل المؤسسة العسكرية أم خارجها، والهدف واضح ، ماضين هم جميعهم في تحقيقه بلا هوادة ، ففي نفس الوقت الذي يتم فيه محاولات طمس الهوية الفلسطينية ، يتزامن معها إفراغ البلاد من أهلها ، وتغيير معالمها ، وبناء المستوطنات بلا هوادة ، ناهيك عن مسلسل الاعتداءات المتواصلة على ( المدنيين من أصحاب وأهل البلاد – أصحاب الحق الثابت والتاريخي فيها)، وغيره الكثير من الممارسات اللاإنسانية واللاأخلاقية والتي تشكل في كل الأحوال جرائم حرب ، وجرائم إبادة جماعية ضد شعب عربي بأكمله . وهنا أتساءل أين هي المبادئ الإنسانية ، التي تشدق بها صديقنا ، وأين هم ومن هم المدنيون؟! ، وعن أي إنسانية انبثقت أفكاره !، وهل نحن و أبناءنا ونساءنا وشيوخنا أقل إنسانية ، أم أننا من الدرجة العاشرة فلا تحترم أدميتنا ، أم ترانا حشرات يبيدهم ذلك الكيان الغاصب كمن يبيد البعوض ، دون أن ترتفع أصوات دعاة الإنسانية الذين يهرعون لمد يد العون والمساعدات لإطفاء الحرائق التي أصابت الكيان الصهيوني المضطهد من السماء ، بل أين ذلك القلب الحنون والموقف الإنساني الراقي من الحصار المضروب على أهلنا في غزة ، وهل مطلوب منا أن نكن أكثر عدالة من السماء ، فقد أراد الله أن يذيقهم بعض الويلات التي نتجرعها ليل نهار. حقا لقد أتت النيران على محمياتنا وبيئتنا المغتصبة ، فقد اشتعل الكرمل، ليعبر عن جم غضبه وكراهيته لمن يدنسوا طهره، ويعبثوا بقدسية أرضه ، ونعتصر ألما لما ألم بكرملنا وحدائقه ، لكن ربما يكون حريقه الذي كشف سترهم ، فيه بعض ما يثلج الصدور ، فالدولة التي عسكرت كل مؤسساتها ، وتفرغت لسلب الوطن ونهب خيراته وإفراغه من أهله ، عاجزة عن إخماد الحرائق . أيها المتباكون على مصاب الصهاينة ، والمسارعين للنجدة ، بحجة أنه لا ذنب للمدنيين ، إن المجتمع الصهيوني لا يضم مدنيين ، فقد تمت عسكرة مجتمعهم بجميع قطاعاته ومؤسساته ، بما فيها المؤسسات الدينية والبحثية ، حتى تتم السيطرة الفكرية على جميع أفراده، والكل في هذا المجتمع يعد جيدا ليشهر سلاحه في وجهنا مستخدمين كل ما يستطيعون لتسييد هذه الأفكار من توراة مختلقة ، أو أساطير مصطنعة ، ليرضعوا أطفالهم منذ نعومة أظفارهم كراهيتنا . فكفى تماهي مع الأفكار ، فبذلك تفقد كل فكرة قيمتها ورونقها . مواضيع ذات صلة 1. دعوات في إسرائيل لإقالة مسئولين في حكومة نتنياهو بسبب حرائق الكرمل 2. 20 ألف طائرة تشارك في إطفاء حرائق إسرائيل .. وشكوك حول اندلاعها بفعل فاعل 3. صفوت الشريف: الوفد لم ينسحب حتى الآن.. وبهاء أبو شقة قال لي انه لم يستقل من الشورى 4. طواقم إطفاء دولية تصل إسرائيل للسيطرة على حريق الكرمل .. ومقتل 42 سجانا ونجاة الأسيرات الفلسطينيات 5. صفوت الشريف: نتيجة الانتخابات تعبر عن صورة الخريطة السياسية الفعلية