الأصالة والتراث وإشكالية العلاقة بين الإنسان والهوية المصرية والخصوصية في العمل الفني، كان موضوع الحوار التشكيلي والجدال الذي انطلق منه الفنان التشكيلي إيهاب لطفي في معرضه "النوبة 2010" المقام في قاعة الكحيلة، الذي ضم ثلاثين لوحة في مجال التصوير. رغم أن الفنان إيهاب لطفي ليس من سكان النوبة، إلا أنها سكنت أعماقه ومخزونه البصري بأصالتها وحضارتها وموروثاتها الشعبية، ونقش تراثها علي جدران ذكرياته. لوحات الفنان بصفة عامة همس تشكيلي في زمن ضجيج الحركات الفنية، بما يملكه الفنان من مخزون بصري وثقافي سجل الفنان إيهاب لطفي في لوحاته التصويرية بلطف وواقعية المكان وشاعرية التشكيل وهندسية البناء الفني للحضارة النوبية بخصوصية ومعالجة فنية وتقنية لونية جمعت بين الحفر علي الخشب مع الرسم مستخدماً خامة الأكريليك. استخدم الفنان الملمس كتقنية فنية أعطت للأعمال قيمة تراثية بجانب قيمتها الجمالية، رغم أن الأعمال تأكد فيها التسطيح واختزال التفاصيل والتبسيط البليغ من أجل استخلاص جوهر العناصر محافظاً علي المضمون، ويحكم الشكل الفني في اللوحات التوازن المحسوم بدقة بين المحتوي التعبيري للموضوع وبين الفكر البنائي الهندسي للمساحات الفاصلة في المشاهد والشخصيات. في لوحاته قدم الفنان مفردات النوبة الثرية بالوجوه السمراء المضيئة تلمع من وهج سقوط خيوط الشمس، نشاهد طيورًا تحلق وتشهد وتكتب رحلة الحضارات، نخيل يطرح خيرًا، رمال صحراء بفضاءات مفتوحة، أرض غنية تخبئ بجذورها ذهبًا، جبال ومعابد راسخة ببنائها المعماري ، كل هذه المفردات هي اللغة التشكيلية التي تحدث بها الفنان. من خلال إدراك الفنان واستيعابه للأسلوب الفني والفكري للحضارة الفرعونية عبر في إحدي لوحاته عن "نساء نوبيات" هن ثلاث نساء ملامحهن سمراء، وفي بناء لوحته وضع العنصر الإنساني في التكوين مستخدما فلسفة تتابع الأشخاص التي أبدعها الفن الفرعوني، تكون خلالها الشخصيات في اتجاه واحد وتتابع حركي منتظم هندسي البنية، حيث تظهر النساء يحملن علي رءوسهن أوانيهن يرتدين الزي الشعبي، تسير الشخصيات بثبات في المساحات الطولية والعرضية، وهذه اللوحة تحمل نضجا فنيا وتقنيًا عاليًا، فقد ترجم الفنان عطر ولون الحياة النوبية اليومية من خلال مجموعة لونية يمكن أن تطلق عليها ألوان نوبية. وتحمل الألوان دلالات ومعاني خاصة بالمكان والتراث، اللون الأحمر والأصفر الموجود في زي النساء وبعض أجزاء من الخلفية ناتج من شروق وغروب شمس النوبة بسخونتها ودفئها، اللون الأزرق هو صلة روحانية ورسالة إلي أرض النوبة جاءت من سمائها الصافية، اللون البني هو بطل أعمال الفنان فقد تصدر اللوحات، ويبدو أنه يمثل له فلسفة تشكيلية للحياة في النوبة، ففي لوحة "مشهد من المكان" جاء اللون البني تعبيرًا مزدوجًا بين صرخة ونغمة للمكان يربطهما الضوء الأبيض، اللون البني في أعماله ترجمة للقوة ورسوخ الجبال والبيوت مع نعومة الرمال، ووجود اللون الأبيض ترجمة لاستمرار نقاء حضارة النوبة.