افتتح مؤخرا بالقاعة الرئيسية للفنون التشكيلية بدار الأوبرا معرض الفنان لطفي أبو سرية "من هنا يبدأ التاريخ"، وهو فنان مصري مغترب يمثل حالة فنية غير نمطية للفنانين العائدين من الخارج، فهو يحمل شعورا قويا بالحنين للجذور، فعلي الرغم من إقامته الدائمة في أوروبا التي تزيد علي ثلاثين عاما، لم يعد للقاهرة بمفردات أوروبية، وظل يحتفظ بمصريتة ويحاور مخزونه الوجداني وموروثه الثقافي. قام لطفي أبو سرية برحلة تشكيلية لونية في لوحاته، أكد فيها ثبات واستمرارية الهوية والخصوصية، حيث تتضح في أعماله إشكالية التواصل والاتصال الزمني بين الحضارات التي شكلت هويتة التشكيلية وعالمه الذهني الذي صاغ من تكويناته عالم إنساني مرجعيته الأساسية في الفن هي الرمز التراثي، وإعادة اكتشاف الرمز ليس لمجرد تكرارة أو إعادة توزيعه، ولكنها معالجات فنية وتشكيلية. واختار المرأة المصرية لتكون الرمز الذي يتصدر أعماله، التي انقسمت إلي ثلاث مجموعات، الأولي عبر فيها عن الرموز التراثية لكل الحضارات، ووحد فيما بينها بشكل يوحي بتواصلها وعدم وجود فاصل زمني بينها، وهي تحمل فكرة الفن بلا حدود، لأنه عاشق للتاريخ الفرعوني والإسلامي والقبطي والإغريقي والروماني وغيرها من الحضارات الغنية بالرموز والمفردات والدلالات والمعاني المختلفة. تميزت أعمال معرض أبو سرية بالأسلوب السيريالي في توزيع العناصر والمفردات، حيث يتبع الفنان الأسلوب الواقعي في تقنية اللون والضوء، وأعطي الأبعاد صفة الزمن تشكيلياً ، فوضع كل رمز تراثي في التكوين علي حسب رؤيته الفنية. أما المجموعة الثانية فتمثلت في تمثل للعازفات علي الآلات الموسيقية القديمة، أعطي لها تواجدا في التكوين، فعبر في إحدي لوحاته عن امرأة تعزف البيانو، وكأنها نغمة هادئة وموسيقي وجدانية، وأظهر حركة جسدها يلتف وينحني بينما ترفع وجهها وأطرافها معلنا حالة من الطرب والشجن، كما عرض لوحتين عن عازفة القانون، وعازفة الطبلة، وقد اهتم بإظهار الحركة والإيقاع من خلال امتداد شعرها تفاعلاً بإيقاع النغمات. وجمعت لوحات "المرأة والموسيقي" تيمة واحدة تمثلت في أنه جعلهن جميعا يرتدين الزي الأبيض الشفاف بتدريج رمادي محايد، وإحكام بين العناصر والخلفية، كما جاءت عناوين لوحاته تحمل نصوصا إنسانية ما بين قصص الحضارات وقصص إنسانية مثل لوحة "البالية" و"الكاتبة" و"الرمانة" و"رحيق". وفي لوحة "من هنا يبدأ التاريخ"، وهي تمثل المرأة المصرية السمراء التي نعرفها وهي تحمل بين جدائل شعرها الأسود حضارات العالم، كما جعل من بساطة ملامحها ونظراتها الدافئة سر وسحر تحتفظ به، كما رسم الوجة الجانبي أشبه بالفكر الفرعوني، وأضاف استطالة في حجم الرقبة ليوحي بالقوة والصلابة. أما المجموعة الثالثة فكانت اسكتشات ومشاهد لقرية "القرنة" في الأقصر، استعادها من ذاكرته، ثم عرض أعمالا قليلة هي محاولات لتجربة جديدة وجرافيكية وحفر تأثر فيها بدراسته للجرافيك في أكاديمية روك ببروكسل، كما نفذ أعمال بالطباعة الحجرية "ليثوجراف"، وأيضا كولوجراف الذي يعد تكنيكا جديدا في أوروبا كانت خلالها المرأة والتراث محورا لأعماله.