شهدت قاعات مركز الجزيرة للفنون معرضا كبيرا للفنان التشكيلي الكبير محمد رزق, عرض خلاله لأحدث أعماله ذات الطابع التجريدي. و قد قام بافتتاحه الفنان محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة والفنان الكبير الدكتور محمد طه حسين, وقد شهد المعرض حضورا كبيرا من فناني الحركة التشكيلية ومتذوقي أعمال الفنان رزق ومعجبي ومتابعي اعماله من خلال معارضه التي يقيمها بين الحين والآخر. وقد عرض الفنان محمد رزق لرؤيته لهذا المعرض قائلا: الفنان يوحي بفكرة ولكنه لا يعبر كلية عن الفكرة, إن الطبيعة والأشياء والكائنات في المجال من حولنا لا تفرض شكلا معينا, بل توحي برؤية, وهذه الرؤية المتحررة تفتح أمام الفنان أبوابا من التعامل مع الصورة بلغة التشكيل.. وفي كل عمل فني هناك شقان.. شق, واضح والآخر خفي يعبر عنه الفنان عن طريق الحلم.. عن طريق الشعر ولوحات الفنان محمد رزق في هذا المعرض تعد امتدادا للوحاته التجريدية السابقة المليئة بدفعات لونية علي هيئة خطوط وشرائح لونية محدثة نغمات ضوئية ومساحات معتمة, ولكنها تأتي في هذا المعرض أكثر عمقا وتأملا, هذه التجريدية كثيرا ما أحدثت تشابكا بين التعبيري واللاشكلي في أثناء محاولة خروج اللون لسطح اللوحة محدثا تأثيرا كصرخات مكتومة في دفع ديناميكي شديد, ليظهر اللون في النهاية نقيا مضيئا تحيطه درجات لونية غير نقية ناتجة عن عملية استخلاص اللون الذي مر بعملية تقطير داخل اللوحة وهي عملية جعلت أعماله الاخيرة اكثر هدوءا. وكثيرا ما تثير أعمال رزق الكثير من الخيال والرومانسية التي تجعل مشاعرنا متنقلة بين مشاعر عدة داخل اللوحة الواحدة التي أحيانا ما تتناقض أو تنسجم معا, والألوان تكون ناعمة للغاية. والفنان محمد رزق يعتبر واحدا من الفنانين الذين طغأ عملهم الوظيفي علي حساب وجودهم علي ساحة الفن كممارسين من طراز خاص يتمتع بصهر الفكر والثقافة مع خلايا التشكيل لتخرج أعمالهم الفنية شديدة الدقة وباقتدار ينم عن وعي وإدراك متكاملين. وقدم الفنان رزق الكثير من الاسهامات للحركة التشكيلية في مصر من خلال موقعه الوظيفي, حيث كان عونا لمن قاموا علي ادارة شئون الفن التشكيلي منذ ان كانت هيئة الفنون والآداب, مرورا بإدارة الفنون الجميلة, ثم المركز القومي للفنون التشكيلية, وصولا الي قطاع الفنون التشكيلية في وضعه الحالي, وقد حافظ الفنان محمد رزق علي المستوي الرائع من الجمال والالتزام داخل مركز الجزيرة للفنون يشهد بذلك المسئولون في قطاع الفنون ويدير رزق لوحاته وفنه بنفس قدرته علي ادارة منهجة الوظيفي المتميز, فهو يسيطر علي مدرسة فنية شديدة الحساسية وهي المدرسة التجريدية والتي اختار رزق لنفسه اتجاها بداخلها في التعامل المباشر بلغة التعبير باللون وعلاقاته المتجاورة سواء أكانت متألفة أو متضادة, ولكنها تخلص في النهاية الي مكانة ابداعية. وقد قدم لكتالوج المعرض الدكتور مصطفي الرزاز الذي قال: أتابع أعمال ومواقف الفنان رزق منذ زمن طويل, اقتربت منه قليلا من وقت لآخر, ولكن لم أنقطع عن متابعة تجربته في فن التصوير التجريدي التعبيري الذي تبناه منذ سنوات تجربته المبكرة, ولمست أنه فنان يغلق علي مشاعره ستارا ليحجبها عن زملائه ولكن أجهزة التأمل والاستماع عنده حادة وفعالة دوما, وأعجبت بدوره في ادارة مركز الجزيرة للفنون بالحكمة والانفتاح الراديكالي وقدر من الغموض وخبرة نادرة في تنظيم العروض وابتكار الصيغ التي تدهش الفنان عندما يري عمله وقد خط له رزق منهج العرض المتجدد. وقال عنه الفنان الراحل احمد فؤاد سليم في كلمته التي يعتز بها الفنان محمد رزق والتي ضمها كتالوج المعرض: يبدو محمد رزق من خلال رسومه كما لو كان انطباعيا من أولئك الذين يعكفون علي تحليل الضوء من خلال عجائن اللون, كاشفا عن زمن اللوحة ومكانه وبيئتها الثقافية. ///////////////////// أحدث إبداعات البدري بقاعة كحيلة الفنان عبد الفتاح البدري.. فنان مبدع ورغم معيشته في القاهرة الا أن روابطه الفنية بالحياة في أسوان بقيت هي الغالبة فهو قد حافظ علي كل اركان مظاهر الحياة الشعبية بأسوان وفي مقدمتها الحنطور الشهير والحياة مع النيل والعاب الصغار والفرق الشعبية الراقصة وفي مقدمتها بالته الألوان الساطعة الدافئة والتي تعكس عمق الحياة في أسوان من خلال توليفة من الأعمال المبهرة والتي تؤكد اصالة الفنان وقدرته الفائقة علي التعبير والسيطرة علي ادوات ابداعه. هذه مقدمة بمناسبة معرضه في قاعة كحيلة15 شارع البطل أحمد عبد العزيز بالمهندسين والذي يستمر حتي22 من نفس الشهر. وللفنان عبد الفتاح البدري ابداع مميز في مجال فن التصوير والرسم والحفر والحفر التصويري وتجسد اعمال الفنان تأثره بالحياة في جنوبالوادي والتي تتميز فيها العناصر التشكيلية بالدقة والوضوح كما يتميز بتناول التراث الشعبي واحياء هذا التراث الذي بدأ بالاندثار وتمتاز أعماله بحيوية اللون ودقة الخط والرسم مما يجعلها تعكس حس شعبيا خاصا يشعرك بالعمق والاصالة, هذا إلي جانب استخدام الفنان لمجموعة من التيمات الشعبية والعناصر التي اجاد صياغتها في أكثر من تشكيل ويؤكد الفنان في هذه الجزئية انه حاول ان يمارس كل المدارس الفنية علي اختلافها ليبحث عن خصوصية ذاتية تكون أكثر التصاقا بروحه وعواطفه وواقعه واعتبر هذه المرحلة نظريا وتجريبيا في آن واحد حتي توصلت إلي الاسلوب الذي كان يبحث عنه وكانت بدايته مع مشروع البكالوريوس الذي استلهم فيه الفنان النوبي الفطري واضاف إليه اسلوبه الخاص فالنوبي يزخرف بيئته من الداخل والخارج باستخدام رسوم لاحياء وحشرات البيئة التي يعيش فيها مثل النحلة والعقرب والاطباق والعقود ويرسهما بألوان صريحة وهي عملية تسجيل وليست تمائم وتظهر هذه الاعمال الذوق العالي والنظرة المملوءة بالجمال والخير ويضيف الفنان أننا نستطع ان نقول ان البيئة الاسوانية التي نشأت بها كان لها اثر في اختياري هذا اللون الشعبي ويهتم الفنان في اعماله بتصوير التجمعات البشرية فالبشر يعكسو الاحساس بالمودة والالفة. من ناحية أخري, الجماعات تدخل في نطاق التشكيل كعناصر وهي مهمة للفنان الذي اطلق الفنان الراحل بيكار عليها عين الطائر إلي جانب ان احد عناصر التشكيل في اعمال الفنان هي عناصر التعبير فالناس في القري والمساكن الشعبية يعيشون جماعات ويذهبون جماعات بل ويحزنون ويفرحون جماعات. ولانستطيع ان نتجاهل الواقعية التجريدية في اسلوب الفنان علي الرغم من ان الفنان اعترف بأنه لايقيد نفسه بأسلوب أو مدرسة ولكن الفنان بيكار قال عن اعماله انها تتبع الواقعية التجريدية باستخدام منظور عين الطائر دائم التحليق ويري آخرون أنه بنظر إلي الناس والكون من تحت اقدامه ولكن الفنان يؤكد ان النظرة العلوية تكشف له العالم ولاتخفي شيئا منه. هذا إلي جانب الحرية التي يمارسها الفنان في وضع العناصر علي سطح اللوحة وتحريكها كما يشاء إلي ان يصل إلي تكوين متكامل من ناحية البناء والخط والفنان عبدالفتاح البدري مهتم بالتكتيك ودائم البحث في اللون لأن اللون يجسد احساس الفنان تجاه العمل باللحظة ونلمس هذا في لوحات التحطيب, زفة العروسة, الطقوس الجنائزية والمراكب الشراع.