صائدو السمك وأسواق بيعه «الحلقة» والبحر هي مفردات الفنانة التشكيلية رباب نمر، التي استعانت بها في معرضها المقام حاليا بقاعة «الزمالك للفن» بالقاهرة. قدمت الفنانة من خلال معرضها تجربةً جديدة تعد امتداداً فكرياً لما بدأته العام قبل الماضي وعرضته آنذاك في معرض لافت حمل عنوان «أبيض.. أسود.. لون». وبرغم اقتصارها علي لونين هما الأبيض والأسود خلال رحلتها الإبداعية المتميزة، إلا أنها بدأت في تنويع منظومتها اللونية منذ عامين تقريباً، وهذه المغامرة اللونية كانت أكثر ما يميز أعمال الفنانة، خاصةً في المراحل التجريبية الأخيرة، والتي خصت بها مدينة الإسكندرية وصائدي السمك والمتنزهات كموضوع لأعمالها الفنية، مستخدمة في ذلك وسائطها الثابتة من أقلام الحبر الصيني مضافاً إليها بعض مساحات لونية من أثر الفرشاة . الفنانة رباب نمر تخرجت في كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية عام 1963م ونالت الدكتوراه في الرسم من أكاديمية سان فيرناندو بجامعة مدريد عام 1977م. هي عضو في نقابة الفنانين التشكيليين وعضو في ورشة القاهرة الفنية وورشة الإسكندرية. كانت مديرة شعبة الفنون التشكيلية في مباني الثقافة بالإسكندرية. شاركت في عدة معارض جماعية في داخل مصر وفي معارض خارجية في كل من الأردن، بلغاريا، الكويت، الهند، قطر، رومانيا. كما شاركت في معارض قومية أقيمت في القاهرةوالإسكندرية، في السنوات الماضية أقامت معارض مهمة منها «أبيض..أسود..لون» و«إنسانيات». وقد حضر المعرض الذي أقيم الأسبوع الماضي تحت عنوان «بحر الأنفوشي» كبار الفنانين التشكيليين ود.محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية ود.عماد أبو غازي أمين عام المجلس الأعلي للثقافة، أما الناقد الدكتور فاروق وهبة فقال: إن ما يميز لوحات رباب نمر أنها من قلب الناس، اختارت رحلتها مع الألون ومن التقارب والتلاحم والتلازم شاعت الطمأنينة البادية علي جموع الأشخاص وأن الصمت الذي يشع من الوجوه يبين صرخة داخلية بها تحد وإخلاص وأن هناك جبروتا في استخدام الألوان والحبر الشيني الذي يستخدم في مساحات ضيقة وفي المساحات الصغيرة وفي الأعمال الصحفية، ولكنها استخدمته في مساحات كبيرة، وهذا يحتاج لصبر ووقت وجهد كبير. أما الفنان الدكتور مصطفي عبد المعطي زوج الفنانة رباب نمر فقال لنا: إن المعرض يتكلم عن ناس بيعشقوا البحر لأنه مصدر حياتهم ومصدر رزقهم فهي تتحدث عن ناس قدريين لأن القدر هو من يحدد رزقهم، لذلك نجدهم في لوحاتها لا ينظرون لشيء محدد، ولكن للمطلق ونجد التفاؤل يملأ اللوحات لأنهم أناس يعيشون في البحر الذي يعد النظر إليه امتصاصا لكل الطاقات السلبية كما أنهم أناس يتميزون برباطة الجأش، وهذا واضح من وجوههم؛ لأنهم لابد أن يكونوا كذلك حتي يستطيعوا التعامل مع البحر عندما يغدر ويثور. عبدالمعطي أضاف أن ألوان نمر فيها عدم واقعية فهي ألوان أسطورية وذلك لارتباط عالم البحر بالأساطير فمن الصعب أن نجد مركبا لونه أحمر بهذا الشكل إلا في عالم الأحلام والأساطير الذي يتحدث عنه الصيادون ولأن رباب عاشت بينهم واستمعت إلي حكاياتهم فقد استوحت تلك الروح وعكستها في الألوان. أما الدكتور محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية فقال لنا: إن علاقات الأيدي في رسومات رباب نمر مهمة جدا فالأيادي عندها قوية ومعبرة لدرجة أنك قد تلغي الوجوه وتتعامل مع اللوحة بصريا من خلال الأيدي فتصلك الفكرة والإحساس بشكل قوي فغالبا ما تعبر عن دفء التقارب والتلاحم والتجاور الذي يتميز به المصريون بالإضافة إلي أنها بسبب إحساسها العالي والتمكن الشديد من أدواتها وعلي الرغم من مجازفتها باستخدام ألوان قوية إلا أن ذلك لم يطغ علي اللونين الأبيض والأسود وتلك معادلة صعبة لا يستطيع أي فنان أن يقوم بها. وأضاف شعلان: إن رباب في رسماتها تحتفل بالألوان نظرا لإحساسها العالي بمصريتنا فنحن بلد الضوء، والألوان المضيئة جزء من هويتنا وقال: إن ما يميز رباب نمر أن لها عالمها الخاص الذي لا تنسلخ عنه فهي تتطور بشكل كبير، ولكن داخل عالمها ودون أن تغير جلدها أو تفقد هويتها وملمحها الخاص بها. الفنانة رباب نمر قالت لنا: إنها أرادت إلقاء الضوء علي الحياة الإنسانية البسيطة للصيادين الذين لم يطلهم تلوث الحياة المدنية بتعقيداتها وأيديولوجياتها وأنها عاشقة للبحر وللسفن ولهؤلاء الناس الذين مازلوا يحتفظون بأسمي القيم الإنسانية من الحب والترابط والإيمان ومساعدة الآخر والتوكل علي الله، بل وحب الحياة فهم يجلسون ويغنون ويعرفون جيدا قيمة الإنسان وأن الخير وراحة البال لا تأتي بالحقد واللهث والغيرة وإنما بالترابط وحب الخير للغير واحترام الزوجة ورعاية الأسرة، وهذا ظاهر جيدا في اللوحات وأضافت: إنها تستخدم عناصر بسيطة وهي الإنسان والبحر والسمك، وأحيانا الطير وغصن الزيتون كرمزين للخير والأمان الذي ينعم به الصيادون واستخدمت الألوان المبهجة تعبيرا عن حياة الحب والإشراق والغناء التي لم تنغصها الحياة العملية فالمصريون سافروا وتأثروا بالخارج، ولكنهم لم يخرجوا من البحر فمجال التأثير فيهم لم يكن موجودا فحياتهم البحر وأكلهم السمك وتسليتهم الطبيعة. تقول رباب نمر: إنه لا يوجد اهتمام بالفن التشكيلي في مصر، وهذا لم يكن موجودا في الستينيات فلو أمسك الطفل بورقة وقلم يقول له أهله اترك تلك التفاهة وعد لمذاكرتك فالناس ماعادت تقدر الفن وهناك لامبالاة عامة تجاه الحضارة والفن، فمن من الآباء والأمهات حريص علي أن يُطلع أطفاله علي الحضارة المصرية القديمة ومن منهم يأخذ الأطفال للمتحف المصري ويعرفه علي تاريخ أجداده وفنهم، وهناك عبء أكبر يقع علي الإعلام فلابد أن يذيع التليفزيون مواعيد المعارض وأماكنها وأن تكون هناك برامج متخصصة في الفنون التشكيلية لأن هناك عملية تخريب حدثت للناس، فقد كانت الناس قديما تهتم بالفن والفنون وكان ذلك منعكسا علي الذوق في الملابس.