تفاجئنا الفنانة رباب نمر دائما وبشجاعتها بأعمال فنية جديدة تحمل في نسيمها موضوعا لافتا واذا تكرر فالمعالجة والقيمة الجمالية جاذبة ولافتة للنظر، واعتادت رباب ان تعمق تجربتها تعبيريا وتقنيا. وكونها تستخدم خامة الحبر الصيني الاسود بتهشيراته المتوازنة والمتوالية والمتراصة فوق بعضها كنسيج يتميز بقوام متنوع تارة نراه شفافا وتارة اخري كثيفا وصولا الي قوام داكن تكمن فيه طاقات شعورية هائلة. فعندما تلتقي شفافية الكون بشفافية البحر يذكرنا بالروح والجسد فهي علاقة حياة وتوحد، وتقدم لنا الفنانة التي تميزت بسمفونية الخط الاسود علي الفضاء الابيض معرضا رائعا ونموذجا للجدية. وتفردا ابداعيا غير مسبوق علي هذا النحو الذي يتطب قوة وإرادة وصبرا بدون حدود للفنانة مضافا الي ذلك الوهج الفكري المتمثل في الطاقة الداخلية الدافعة بإعمال العقل لتحريك الانامل علي مدار مئات الساعات لنسج هذه المعزوفات الانسانية المعبرة بصدق عن الانسان والبحر والخير والحياة والمستقبل، عزف معظم الفنانين وبعدوا كثيرا عن فن الرسم بتقنياته المختلفة. وهذا يشير الي قصور شديد بل فقدان الثقة في الذات عند معظم الفنانين ففن الرسم هو ركيزة انشائية قوية لتمكين الفنان من ابداع حقيقي معاصر.. وكتب الفنان فاروق وهبة كلمة في صدر كتالوج معرضها المقام حاليا بقاعة الزمالك للفن يقول فيها »من قلب الناس« اختارت رباب نمر رحلتها مع الالوان والانغام ومن التقارب والتلاحم والتلازم، شاعت تلك الطمأنينة البادية بين الجموع. والمرصعة بالصلابة والهمة والتآزر. ورفعت الايادي والاكف بنداء من الاعماق لرحلة ابدية ملؤها الشغف والترقب بنظرة ثاقبة ومتطلعة للمستقبل ومن قلب الانس يزلزلنا هدير مسموع بقوة لحركة الاشكال وتباينها، هدير منتظم، يشبه هدير الموج المتلاحم مع الصخور الصلبة، وبالرغم من ذلك فإن الصمت يشيع في الوجوه، ذلك الصمت الذي يطلق صرخة داخلية مشوبة بالتحدي والخلاص، تشبه تلك النظرة اللا نهائية، الثاقبة المرسومة علي وجه ابي الهول القابع تحت الاهرامات. وتسير رباب نمر باعمالها في مواكبة الفكر القومي الذي بدأ في الخمسينات من القرن العشرين، وشاع في حركة الفن التشكيلي بقوة متزامنا مع الحركة السياسية، ومناصرا لجموع الشعب، المتطلع لرغد العيش والرزق والحياة الكريمة، وفي مجمل اعمالها، تترنم الاشكال وتتباين لتبدع جرسا موسيقيا يملأ المتلقي بالاعجاب والقناعة، وتصل الفنانة بالاجادة ودقة الاداء، لدرجة تصيبك بالذهول والهوس، من قوة الاصرار وحرارة ونسيج العمل، وفي ابعاد لم تصل اليها التجربة بهذه الخامة من قبل، وتضرب التكعيبة ثنايا الاعمال، لتساعد الترنم اللوني في الحركة وفي قوة الاعلان عن تواجدها وصلابتها. وتطل الاسكندرية، بعبقها وشذي بودها الأخاذ من بين اعمال رباب نمر، وتسري طزاجة الاداء ممزوجة بطزاجة الصيد الثمين، رمزا للخير والوفرة والنماء. امتلكت الفنانة قدرة عظيمة في الاداء كما امتلكت طاقة عالية لمعايشتها البحر بتقلباته وجماله وخيراته وانسانيته الجاذبة التي شكلت علي مر التاريخ عادات وتقاليد اصبحت بصمة دافعة في أعمال الفنانة التي تري الانسان قويا ومتحديا للصعاب كأنه فعل آت من غدر البحر عندما يثور وتطيح امواجه العاتية بكل شيء استطاعت الفنانة ان تشكل بنائياتها وفق منظور هندسي متقلب واحيانا متناقض. أما اضافة اللون في الاعمال افقد جمال الاسود والابيض بالرغم من نجاح استخدامه في بعض الاعمال، وذلك بسبب واضح النسيج الخطي الرائع والكثيف علي الفضاء الابيض هو حامل للطاقة ومركز لانبعاث توهج منفرد لا يوجد بالعمل الملون الشفاف كأنه لون صريح اسدل علي هذا الجمال، معرض الفنانة رباب نمر نموذج حي ليشاهده الشباب ليتعلم منه الدرس الاصيل للفن.