في قاعة "الفن" بالزمالك كشفت الفنانة التشكيلية السكندرية الدكتورة رباب نمر عن عشقها لبحر الأنفوشي بالإسكندرية، في معرضها الجديد المقام تحت عنوان "بحر الأنفوشي" عرضت فيه لوحاتها التصويرية وعبرت من خلالها عن التواصل والتقارب الذي يتم من خلال حركة التلاحم الإنساني البشري وحياه الصيادين اليومية، هذا التواصل اكتمل بحلول تشكيلية ورؤية ذاتية، جمعت فيه بين دقة الأداء وعالم الأبيض والأسود وعالم الألوان والإضاءة، كان ل"روزاليوسف" هذا الحوار مع الفنانة حول المعرض وقضايا الفنانين الشباب وفعاليات الحركة الفنية. ما سبب اختيارك "بحر الأنفوشي" عنوانا لمعرضك الجديد؟ - أنا من عشاق بحر الأنفوشي، البحر ثراؤه لا ينفد، ولم يكشف بعد عن كل أسراره، في بداياتي عملت في قصر ثقافة الأنفوشي لسنوات عديدة، متابعة حركة التلاحم البشري للصيادين والكادحين ومهنة البسطاء، وحالة الصبر وانتظار الصيادين أمام" مشنة" السمك للبيع، وجلوسهم للراحة علي المقاهي يلعبون الكوتشينة، ولحظات الحب والصداقة وكل المعاني الإنسانية، هذا التلاحم يمثل بالنسبة لي شحنة درامية إنسانية روحانية، تذهب بي إلي عالم من الحلول التشكيلية، فأنا أتجول كثيراً بين البشر وأحاورهم، وبيني وبينهم صداقة، لا أرسم "اسكتش" تحضيريا قبل اللوحة، بل أتعامل مع المساحة البيضاء مباشرة حتي لا أفقد شحنة التأثر بالانطباع الأول، فمثلاً ملامح شخوصي تعبيرية، بها تضخيم ومبالغة في حجم أطراف أيدي هؤلاء الكادحين، قصدت بها التعبير عن معاناه وإرهاق الصياد، بالإضافة إلي أن البحر عالم من الرموز والمفردات يتضمن فلسفة عميقة، مثل السمك رمز للخير والرزق لكل الصيادين، والطيور رمز للأمان ولها روايات كثيرة، عندما يري الصياد الطيور أثناء إبحاره في عمق البحر فهذا يعني أنهم اقتربوا من مكان يقطنه البشر. رحلة انتقالك الفنية من الأبيض والأسود وصلت إلي مزج الألوان بينهما فكيف تم ذلك؟ - الأبيض والأسود عنصران أساسيان ومسئولان عن توزيع الظل والنور، ولهما دور فعال في بناء كيان العمل الفني ونجاح المعالجات التشكيلية، ودائما ما كنت أشعر أن هناك ما ينقصني، وشعرت باحتياجي لتجربة جديدة أحافظ بها علي خبرتي في الرسم بالأبيض والأسود، فبدأت بإدخال اللون في أعمالي لتظهر قيم الضوء، أدواتي الفنية هي حالة من العشق لأقلام "الرابيدوا جراف" بسنها الدقيق جدا. هل الاتجاهات المعاصرة أفادت الفن وأضافت للحركة الفنية؟ - لم ولن يكون لي اتصال بهذه الاتجاهات إطلاقاً، فالاتجاهات المعاصرة وكل ما ورد إلينا من فنون لم يفد، بل أضر بمفاهيم الفنانين والشباب، حتي لو فرضنا أن هناك استفادة للفنان من التقنيات الحديثة، فهذا لا يجعل الفنان يتخلي عن الأصالة الفكرية في الموضوع الفني، هذا التخلي هو أحد الأسباب الجوهرية في أن يتجه الفنانون للأفكار الغربية، مع أن الغرب يأتون إلي مصر لحضارتها، نحن ورثة الحضارات، الفن المصري القديم، الفن الإسلامي، القبطي، الشعبي، إلخ كلها فنون لها قيم وروحانيات، والاستغناء عن مصريتنا وأصالتنا والتحدث تشكيلياً بلغة ومفردات الغرب لا يصل بالفنان إلي العالمية، قد نتحدث بلغة الغرب لإجراء حوار أو تفاهم لغوي فقط، أما في الفن، فلكل دولة ما يميزها من مفردات وموضوعات. إذن ما هي مشاكل الشباب في كليات الفنون؟ - طريقة قبول الشباب في كليات الفنون بفروعها تتم من خلال مجموع عادي، واختبار "قدرات الفنون" عجيب لا يحدد مستوي، مما أدي لحدوث مشكلة متمثلة في كثافة أعداد الطلاب، هذه الكثافة تقف حاجزا أمام أساتذة الكليات لتدريس الفن، وأدي إلي أن الشباب ليس لديهم حماس لدراسة الفن الحقيقي. بالإضافة إلي مشكلة أخري تحزنني وتقلقني علي مستقبل الفن، هي الخطاب الديني الذي يبث أفكار ضد رسم الموديل العاري والنحت باعتبارهما حرامًا، هذا الجدل بين الحلال والحرام في كليات الفنون لابد من إيقافه، فقد رأيت في أحد كليات الفنون العجب، طالبة منقبة ترتدي "جوانتي" وتستخدم الألوان الزيتية، هي هنا قد فقدت التواصل والحوار السحري بين الريشة والخامة، فلماذا إذا يدخل هؤلاء المنقبات كليات الفنون؟ من وجهة نظرك ماهي إيجابيات الحركة التشكيلية في مصر؟ - أهم إيجابية وجود فنانين مصريين متميزين يعطون للفن بإخلاص، ولهم مشوار فني ناجح محلياً ودولياً، وهم قدوة حقيقية للشباب وللأجيال القادمة، لكن ينقصهم من يقوم بتسجيل رحلتهم الفنية المشرفة وأعمالهم في كتب، فللأسف لا يوجد كتب عن الفنانين المصريين المعاصرين، ولا إصدارات من الدولة خاصة بهم، رغم وجود كتب أجنبية عن فنانين أجانب، ووجود كتب عن فنانين أجانب يكتبها نقاد مصريون. ما رأيك في الأنشطة التي تطرحها المؤسسات الثقافية المعنية بالفن؟ - بالنسبة للبيناليات، لم أشاهد بيناليات من فترة طويلة، لأني أتوقع ما بها منذ أعمال قبل زيارتها، وأري أنه لابد من تصفية وتقنين واختصار عدد البيناليات، لأن كثرة عددها أدي إلي تكرار الأفكار والموضوعات وأصبحت متشابهة، ومنها ما هو منقول من بيناليات سابقة، ولنحتفظ بيبنالي القاهرة، وبينالي الإسكندرية الذي أتمني أن يعود إلي عهوده السابقة الصادقة. أما ورش العمل أو ما يطلق عليه "سمبوزيوم" فأصبحت تقليعة، تقام بكثرة في أي وقت وأي مكان، "سمبوزيوم أسوان" ناجح جدا ولابد أن يستمر، وعندما شاهدت سمبوزيوم التصوير، وجدت أعمال الفنانين مجرد مشاهد تسجيلية، وهذه المشاهد موجودة في المخزون البصري لأي فنان مصري يمكن أن يرسمها وهو في بيته، ولا يحتاج لأن يذهب ويقيم في الأقصر، الحضارات ليست مجرد تسجيل مشاهد بل فلسفة ومضمون ومفردات وقيم ورؤية ذاتية من الفنان. هل هناك جهات ترين أنها لا تؤدي دورها في النهوض بالفن والفنان؟ - بالتأكيد نقابة الفنانين التشكيليين ليس لها دور فعال في الفن أو الحركة، ولا تسهم حتي في حل مشاكل الفنان فقط ندفع الرسوم لتقييد الأسماء، والإعلام المرئي مقصر جدا، لن نجد أي برنامج تليفزيوني يختص بالفن التشكيلي للارتقاء بالذوق العام يعرض بدلا من البرامج العديدة عن كرة القدم، والبرامج التي تستضيف الأصوات البشعة ويقدمونها إلينا علي أنهم مطربو المستقبل، شيء لا يحتمل.