أهالي المثلث: فاض بنا الكيل من الوعود بالتطوير.. ولن نرضى بديلاً عن المثلث الحي يرفض ترميم المباني.. ويتركها لتهدم على رءوسنا انتخبنا السيسي عندما وعد بالحفاظ على حقوق الفقراء.. ونريد ترجمة ذلك إنها القاهرة.. مدينة القبح والجمال.. مدينة الفقراء الذين باعوا الحديدة من زمن، ويستخدمون أقدامهم بدل المواصلات ويكملون باقي يومهم نومًا بدل العشاء.. ومدينة البهوات الذين يعيشون في العلالي.. يركبون السيارات الفارهة.. ويرسلون ليحضروا طعامهم من باريس.. مدينة الناس "اللي فوق" الذين يدوسون على الناس "اللي تحت".. ومن الناس "اللي تحت" الذين مازالوا يعاندون رغبة الناس "اللي فوق" بوطئهم أهالي "مثلث ماسبيرو"، يعيشون وسط جدران منازلهم المهدمة على نفس الرقعة من الأرض التي تستقبل كبار الزوار في وزارة الخارجية وأشهر النجمات اللامعات في مبنى الإذاعة والتليفزيون.. لا يمكن تخيل أن هذه المباني الضخمة الفخمة تضم حولها وخلفها بنايات تهالكت بمرور الزمن، سقط منها الكثير لم يتحمل ظلم الحكومات المتعاقبة التي منعت الأهالي من حقهم في ترميم منازلهم؛ لتطردهم منها بشكل غير مباشر.. "البديل" نزلت لتقضي يومًا مع أهالي مثلث ماسبيرو، وتستمع إلى مطالبهم وشكواهم والخطوات التي توصلوا إليها في اجتماعاتهم المتكررة التي دارت مع وزيرة العشوائيات الدكتورة ليلي إسكندر، وانتهت بلقاء جماهيري معهم الأيام الماضية. مثلث ماسبيرو له 7 مداخل تمر عليهم يوميًّا، ولكن لا تعرف أنهم يحملون خلفهم حكايات وقصصًا كثيرة، من بينها خمسة مداخل من شارع الجلاء، وسبعة من شارع 26 يوليو، واثنان من عند مبنى وزارة الخارجية ومبنى الإذاعة والتليفزيون (ماسبيرو). دخلت البديل من جوار الأسلاك الشائكة التي تغلق الشارع المجاور لمبنى ماسبيرو من ناحية كورنيش النيل، ورغم المنظر الأنيق على الكورنيش والمبنى المدجج والمحاط بمدرعات الشرطة وضباط وجنود الأمن المركزي، فبمجرد الانتهاء من السور تجد أمامك إحدى حارات المثلث المليئة بالقمامة والبيوت المهدمة، وتستقبلنا الحاجة أم علي بابتسامة هادئة وتحكي قائلة "المثلث هنا مش مجرد بيوت وجدران تهدمت ومنازل آيلة للسقوط، المثلث حياتنا التي قضينا فيها عشرات السنين وتوارثها الأجيال آباء وأجدادًا وأحفادًا". وواصلت "لا نريد شيئًا من الحكومة على الإطلاق، نحن من كنا نريد تطوير وترميم البيوت على نفقاتنا الخاصة قبل أن تنهار، ولكن المحافظة فضلت أن تجعل حالتها تسوء إلى أن تسقط تمامًا، وأوقفت تصاريح الترميم منذ 2000، وعندما كنا نحاول على مدار السنوات الماضية قبل الثورة أن نذهب ونحصل على تصريح للترميم، كان الرد دائمًا: هو انتم فاكرين أن أرض المثلث ملك أبوكم؟! احمدوا ربنا أنكم عايشين فيها أصلاً حتى الآن". وقال "سيد لابي" عضو رابطة شباب وأهالي مثلث ماسبيرو إن منطقة المثلث سميت بهذا الاسم لأن قطعة الأرض التي تقع عليها البيوت كالمثلث، وتبلغ مساحتها 74 فدانًا، ويقطن بها حوالي 3500أسرة تقريبًا، ويعود تاريخ المنطقة إلى أكثر من 150 عامًا ملك شركس باشا، وكان يقطنها خدم الباشا، وبمرور الزمن وبعد ثورة يوليو ظل الأهالي في البيوت التي أصبحت وقفًا لهم، ومن ثم فلا يشارك الأهالي في ملكيتها أحد. وأضاف أن "أزمة أهالي ماسبيروا بدأت من عام 2000 مع رفض محافظة القاهرة إعطاء أي تراخيص بالترميم للمنازل التي تحتاج لذلك، وكان الرد وقتها أن المنطقة سوف تخضع للإخلاء والتطوير؛ لأن أرضها ملك شركات استثمارية، وهي ثلاث شركات: الأولى سعودية والثانية كويتية والثالثة شركة مثلث ماسبيرو، ولا نعلم على أي أساس تم بيع الأرض لهذه الشركات، ومرت السنوات حتى أرسل الأهالي خطابًا لمحافظة القاهرة الأسبق عبد العظيم وزير 2006 يطالبونه بإحلال وتجديد المباني وليس التهجير، ووعدنا بتنفيذ ذلك ولم يحدث شيء". ويكمل أحمد سيد – أحد أعضاء الرابطة – أن ذروة الأحداث بالمنطقة كانت في شهر مايو 2008 عندما انهار أحد البيوت في شارع محمد قاسم بسبب الأمطار وضعف حالة البيوت، خاصة بعد وقف تنكيس وإصلاح البيوت، وتكشف وقتها وجه الدولة الحقيقي بتنفيذ مشروع التطوير على حساب المواطن وعلى حساب حياة المواطن وطرده من المنازل أو ترك البيوت تتهدم فوق رءوسهم؛ حتى يخرجوا منها موتى، ثم تصاعدت الأحداث في ديمسبر 2010 قبل الثورة بأيام عندما تم إخلاء قسري لأكثر من 30 أسرة وهدم عشرات البيوت، حيث كانت حارة محمد قاسم تضم 46 بيتًا لم يتبقَّ منها الآن سوى 8 بيوت، منها ما سقط بفعل الأمطار والقدم وعدم الحصول علي قرارات الترميم، ومنها ما تم هدمه بالقوة من حي بولاق أبو العلا ومحافظة القاهرة، رغم أن هناك عدة بيوت كانت لديها قضايا بالطعن على عدم الهدم في المحاكم، ولكن لم تنتظر الشرطة وقتها لحكم القضاء وتدخلت بالهدم". وأضاف سيد "تكررت واقعة سقوط أحد العقارات في 4 ديسمبر 2011 وأدى ذلك لوفاه 5 أفراد، وقمنا بالاحتجاج وقتها في 9 ديسمبر 2011، ومنذ ذلك الحين والوعي لدي أهالي بولاق مرتفع، ولن يسمحوا بالتهجير أو الطرد من منازلهم التي عاشوا فيها عشرات السنوات لصالح المستثمرين ورجال الأعمال". أما عن الاجتماع الأخير وتحرك المياه الراكدة من جديد في أزمة مثلث ماسبيرو، فيقول "نحن نثق في الرئيس عبد الفتاح السيسي، وشعرنا بخوفه على أهالي المناطق العشوائية بحديثه المطول عن المثلث مع رئيس الوزراء إبراهيم محلب، بل تأكدنا أن القيادة السياسية الجديدة تسير في مصلحة المواطنين عندما جاءت الدكتورة ليلي إسكندر وزيرة التطوير الحضري والعشوائيات، وزارت أهل المثلث منذ أيام، واستمعت إلى المطالب الواضحة للأهالي بعدم التهجير". وأكد سيد أن الوزيرة يبدو انحيازها لمطالب الأهالي، ولكن المخاوف من تصريحات مسئولي محافظة القاهرة في المؤتمر الذين أوضحوا فيه أنهم سوف ينفذون مايحقق مصحلة الدولة أولاً وأصحاب الأرض ثانيًا؛ لأن الدولة ليست ضد القطاع الخاص، وهذا ما يقلق الأهالي؛ لذا فالجميع ينتظر تحول تصريحات الوزيرة المؤيدة للأهالي إلى قرارات على أرض الواقع وطوب وأسمنت ورمال تبنى وتطور المثلث. وحكت فوقية علي أنها تعيش في المثلث منذ 30 عامًا، تزوجت وأنجبت ولديها هنا، وعقبت "المشكلة بدأت بضراوة عندما فوجئنا قبل الثورة بشهر بقوة من الأمن المركزي تهدم البيوت بالقوة، وتجبر الأهالي على إخلاء المنازل دون سابق إنذار". وأكدت "نحن لا نريد هجر بيوتنا التي ولدنا بها مقابل تعويضات هزيلة نجد أنفسنا بعدها في مدينة السلام أو النهضة. نريد مساكن بديلة، ويتم التعامل معنا كأهالي زينهم؛ حيث حصلوا على عمارات في نفس أماكنهم القديمة بعد الإحلال والتجديد". وبالانتقال إلي "شركس الوسطاني" الأكثر حيوية وزحامًا، يحدثنا فخري – بقال – 60 عامًا – قائلاً "من أيام أبويا الله يرحمه ونسمع عن تطوير المنطقة مرة ثم إزالتها مرة أخرى، مر على شيخوختي وشعري الأبيض حكومات كتيرة من أيام عاطف عبيد وقبله ثم نظيف ثم حكومات الثورة، كل ما فهمته منهم أنهم طامعين في أرض مثلث ماسبيرو، المحافظة بكل تأكيد لها نسبة مع رجال الأعمال والمستثمرين اللي من مصلحتهم أن يذهب الأهالي في داهية، لكن لن يحدث ذلك، عندما يهدمون طوبة واحدة ممن تبقى من منازلنا القديمة سوف تكون جثثنا قبلها". وقال محمد الرحيم – جزار- أن "المثلث يعتبر صرة البلد والدولة بتضحك علينا لصالح الشركات السعودية والكويتية، وإذا كانت الدولة مكسوفة من بيوتنا المتهدمة، فإما أن يقوموا بدورهم، أو يتركوا الأهالي يشتركون في ترميم بيوتهم، وسوف نبنيها على أحسن الطرز، لأننا مللنا من الوعود التي يلجأ إليها المسئولون دومًا، والبلدوذر الذي سيرسلونه للهدم سيسير على أجسادنا قبل منازلنا". وأضاف "نحن انتخبنا السيسي عندما أكد على حقوق الفقراء وأنه لا مساس بكرامتهم، فهل يكون مثل الذين سبقوه ويفرط في حقوقنا ويبيع الغلابة لرجال الأعمال ويتم إخلاؤنا من المنطقة؟ لا نعلم ذلك، وبالرغم من الكلام المطمئن من وزيرة العشوائيات، إلا أننا نشعر بأن السلطة والجبروت ما زالا مع محافظة القاهرة ورئاسة حي بولاق، خاصة أن تصريحات نائب المحافظ للمنطقة الشمالية كانت مايعة وغير واضحة بأنه سوف ينفذ ما في مصلحة الدولة ومشروع التطوير التي توافق عليه الدولة فقط"! بينما قالت أم سيد – ربة منزل – "الحكومة بتموِّت في أهالي المثلث بالبطيء، فهي تحرمنا من كل الخدمات حتي تجبرنا على الرحيل وترك بيوتنا، وهذا لن يحدث أبدًا، با قول للسيسي خليك واقف في صف الغلابة لأنهم هما اللي نجحوك، مش بعد وصولك للكرسي هتخلي المستثمرين يدوسوا علينا، لا نملتك مكانًا آخر نعيش فيه، فكل ولادنا وأزوجنا يعملوا في منطقة وسط البلد ورمسيس، ولا يمكن أن ينقلوا أعمالهم في مناطق نائية وينفقوا يوميتهم على المواصلات".