... وسيظل التاريخ يؤكد دوما على ان سراق الثورات لم يتبعوا نمطا واحدا فى السطو على ثورات الشعوب .فكل ثورة يصحبها لصوصها الذين يقتلون احلامها فى عالم آخر جميل ويوجهونها فى مسارات تخدم مصالحهم الخاصة على حساب الاغلبية التى روتها بدمائها .وهذا ما يجرى بالضبط حاليا لثورتنا من محاولة تلو الاخرى وآخرها”اكذوبة الانتخابات”لانجاب شرعية زائفة لوأد جذور الثورة التى مازالت فى المهد وعرقلتها عن الانطلاق فى مسيرتها لازالة واجتثاث النظام السابق بكاملة ومن جذورة. فهل يعقل ان تجرى انتخابات برلمانية لتمثيل ثورة بعد عشرة اشهر من اندلاعها رغم انها لم تسيطر على مقاليد الحكم ,بل وبعد ثلاثة ايام من سقوط شهداء جدد لها على ايدى المجلس العسكرى الحاكم ،وقبل ان تجف دمائهم بعد فى شارع محمد محمود وميدان التحرير .ان كل هذه الملابسات التى احاطت بالانتخابات والاصرار على اجرائها فى موعدها يؤكد انها صنيعة رجال النظام القديم – الذى يطلق عليه تهذبا المجلس الاعلى للقوات المسلحة – لوأد الثورة واقتسام السلطة مع رجاله الجدد من التيارات الاسلامية وغيرها فكلا منهما اصبح حليف للاخر فى مشروع انهاء الثورة فورا وان اختلفت دوافع كلا منهما عن الاخر فهذا القتل المتعمد وبالجملة ،والتنشين المقصود لفقء عيون المتظاهرين السلميين لمدة خمسة ايام متتالية قبل الانتخابات مباشرة قصد منه خلق حاله من الفوضى العارمة وعدم الاستقرار. مما دفع العقل والوجدان الجماعى المصرى إلى الوقوع فى براثن القلق والاضطراب والتوتر والخوف على مستقبل البلاد. ولذلك جاء التصويت فى الانتخابات لصالح كل القوى التى تدعوا للهدوء والسكينة والاستقرار وترفض المواجهة مع المجلس العسكرى .وهكذا فازت التيارات المتواطئة مع المجلس العسكرى سواء من قوى دينية و مدنية تبنت منذ فترة مبدأى المصالحة والتعايش مع المجلس العسكرى مثل بعض احزاب الكتلة المصرية. وقد اكمل هذا السيناريو التأمرى لوأد شرعية الثورة غياب قوى الثورة الحقيقية عن المشاركة فى العملية الانتخابية ترشحا او انتخابا لانشغالها فى استكمال الثورة باستثناء بعض الرموز المعارضة وقائمة الثورة مستمرة والتى عجزت هى الأخرى عن مجاراة العملية الانتخابية التى دارت على اساس دينى وهكذا لم يبق امام المواطنين المرتعشين خوفا وهلعا امام صور المجازر بميدان التحرير سوى التصويت للتيارات الداعية لاصلاح النظام البائد والتعايش مع المجلس العسكرى وبالطبع قصد من اجراء الانتخابات بسرعة واظهار نتائج الفوز بها والمعروفة سلفا لصالح التيارات الدينية للالتفاف على شرعية الميدان الذى اصبح اخيرا نقيا تماما من التيارات الدينية وغدا بكامله مع الدولة المدنية وضد بقاء المجلس العسكرى فى السلطة والاصرار على تسليم حكم البلاد لمجلس رئاسى مدنى فالصراع بين الميدان والمجلس العسكرى وصل الى محطته النهائية قبل الانتخابات ،فاما العسكر أو الميدان ولهذا لم يكن غريبا فى ظل هذا الاستقطاب الحاد حول الشرعية لمن:للمجلس العسكرى ام للثوار فى ميدان التحرير؟ نجد العسكر وحلفائهم من الدينين والعلمانيين اصروا على عدم تأجيل الانتخابات بل اجرائها فوق جثث الشهداء لخلق شرعية “برلمانية”بديلة لشرعية الثورة واظهار القوى الثورية على انها قوى خارجة عن الشرعية، وبالتالى فهى غير ممثلة للشعب بينما الممثلون الحقيقيون الجدد هم الذىن سيستلمون كارنيهات عضوية مجلس الشعب من يد الاستاذ سامى مهران امين عام مجلس الشعب الذى سلم بيده ايضا ايام مبارك كارنيهات العضوية لنواب التزوير من الحزب الوطنى فى انتخابات2010 والتى كان تزويرها من اسباب الثورة فهذة الانتخابات تؤكد صدق القول بانها حق يراد به باطل فمن خلالها يسعى المجلس العسكرى وحلفائه لخلق مشهد عبثى لثوار فاقدى الشرعية ونواب شرعيين يريدون وأد الثورة مما يعيدنا بشكل آخر إلى تناقضات عهد نظام مبارك البائد قبل سقوطه. فالتوظيف الإعلامى للعسكر دفع المزاج الشعبى إلى النظر إلى الميدان على أنة ممثل الفوضى وبالتالى فإن الاستقرار هو الاعتراف بالمؤسسات دون نظر إلى أن هذة المؤسسات لا تمثل شعب فى حالة ثورة بل تعكس مصالح قوى تسعى لتنفيذ رؤيتها البعيدة تماما عن اهداف الثورة بل والمعادية لها فى قضايا مثل الحريات العامة والخاصة. وفى مواجهة هذا الواقع الجديد لشرعية زائفة يتم اقامتها بأيدى العسكر وحلفائهم فى مواجهة ثورة لم تكتمل لا يبقى امام الثوار غير الاصرار على الاستمرار فى استكمال الثورة فى الميادين... فالبرلمانات كما علمنا التاريخ لاتمنع الثورات بل أكدت خبرتنا المصرية الأخيرة أن الثورات تسقط البرلمانات وشرعيتها كما اسقطنا برلمان مبارك الأخير ولهذا فالثورة قادرة آيضا على اسقاط برلمان العسكر الجديد.