تصدر الصحف موشاة بعناوين كبرى وصور متصدرة صفحاتها الأولى تخبرنا عن سعى الدول الكبرى لاحتواء العنف والاقتتال فى عالمنا العربى، ويهلل الكثيرين عندما تتدخل هذه الدولة أو تلك، خاصة إذا تدخلت الولاياتالمتحدة كراعية للأمن والسلام؟! ويتناسى هؤلاء أن هذه الراعية إنما هى أم الإرهاب وراعيته والقائمة عليه، ومنذ بدايات القرن التاسع عشر أصبح تدخل الدول الأوروبية فى مجريات أمور عالمنا العربى أمر لا فكاك منه، والقارئ للتاريخ المصرى سيعرف مقدار التأثير الذى كان يقوم به قناصل الدول الغربية، خاصة انجلترا وفرنسا، ومقدار نفوذهم فى بلاط السلطان العثمانى الذى كانت دولته تترنح وقتئذ معلنة بداية سقوط هذا الكيان التوسعى الكبير الذى كدر أوروبا لسنوات طويلة عندما كان فى أوج قوته وفتوته، والشئ العبثى فى هذا الأمر أن نفس الدول التى تظاهر الآن بالسعى لوقف هذا العنف تعد هى االمورد الأساسى للسلاح الذى يؤجج الاقتتال ويوسع من رقعته. فداعش مثلا تحارب بسلاح أمريكى متطور للغاية وفى نفس الوقت الجيش العراقى مسلح بسلاح أمريكى، وكلما زاد العنف وأشتد القتال كلما كانت هناك حاجة للمزيد من السلاح والرابح فى كل الأحوال هو رأس المال الأمريكى، وكذلك تفعل كل الدول الأوروبية الكبرى التى جعلت من عالمنا العربى – ومن الشرق عامة – مختبرا لأسلحتها وسوقا رائجا لشرورها، وهكذا فلا نكاد نجد قضية على وشك الحل ومن ثم توقف القتال إلا وتتدخل هذه الدولة أو تلك فنرى القتال يتجدد والنزاع يزداد والضحايا تسقط من جديد ،فتترمل النساء وتتيتم الأطفال وتخرب الأرض وتتراجع قدرات الدول على النهوض وتظل أسيرة السيد الأوروبى الذى يحكم سيطرته كل يوم على مقدرات الدول الصغرى والنامية، ولهذا نجد أننا قد أصبحنا نعيش وفق الآليات التى يقررها لنا الغرب ووفق رؤيته ورغبته هو ،وخاب من ظن أن حل قضايانا سيأتى من الدول الغربية، فهذه الدول تعيش وتزدهر على أنقاض عالمنا الذى تتفجر فيه الصراعات كل دقيقة، وهذا أمر تاريخى لن يتغير، فقضيتنا العربية الكبرى – فلسطين – خير مثال على التآمر الغربى، كما أنها خير مثال أيضا على الغفلة التى نعانى منها فى التعامل مع قضايانا المصيرية، فمنذ محادثات "الحسين مكماهون" مرورا ب "سايكس بيكو" و "تصريح بلفور" وصولا لما يحدث الآن والدول الغربية تقوم بنفس الدور الخسيس المنحاز للجانب الصهيونى، ويكفى الدور القبيح الذى لعبته بريطانيا الاستعمارية فى قيام الكيان الصهيونى الاستعمارى، وحدث ولا حرج الأدوار القذرة الكثيرة التى لعبتها الولاياتالمتحدة لصالح هذا الكيان، حيث تعد هى الأب الروحى لهذا الكيان المتوحش اللآدمى الذى يضرب بكل القيم وكل المعاهدات عرض الحائط ،ويقدم مثالا صارخا لمنطق القوة الذى يحكم سياسة العالم المتوحش الحديث، وأمريكا تفعل ذلك لعدة أسباب أولها طغيان رأس المال اليهودى على الأقتصاد الأمريكى وأهمها هو أن الكيان الصهيونى خرج للنور بنفس الطريقة الهمجية التى قامت على أساسها أميركا ذاتها ،والعجيب فى الأمر والمحزن أيضا أننا نعرف كل ذلك لكننا مازلنا نصدق أن الدول الغربية تتدخل لما فيه صالحنا، إن ذاكرتنا مثقوبة تسقط الكثير من الأحداث والمواقف، ولو تمادينا فى استسلامنا لهذه الذاكرة فلن نتمكن من النجاة من طوفان الدم والعنف الذى يلف عالمنا العربى بمباركة غربية خالصة وبأيد وطنية إما مغيبة أو عميلة أو مأجورة أو كارهة للحياة، وليس أدل على ذلك من أنهار الأموال العربية المنهوبة التى تغرق بنوك الغرب.