رغم أن اللافتة المرفوعة حتى الآن هى لافتة الحرب على الإرهاب إلا أن الأمر لا يحتاج إلى كبير مجهود ليدرك أن ما يتم الترتيب له يتجاوز " داعش " بمراحل ليضعنا مباشرة أمام حرب عالمية جديدة ستكون منطقة الشرق الأوسط مسرحاً كبيراً لها كما كانت فى الحرب العالمية الأولى . وهنا لابد ونحن نحاول فك طلاسم المشهد الذى يكتنفه الغموض من جميع جوانبه حيث أن ما يتم كشفه للرأى العام حتى الآن أقل بكثير مما هو متفق عليه فى دهاليز السياسة وأروقة أجهزة الاستخبارات ومراكز صنع القرار العالمية ، وما يتم ضخه يومياً من تحليلات وكتابات لا يعدو كونه اجتهادات تحاول قراءة الجزء المسموح بقراءته والنفاذ من خلاله إلى النص " المخفى " والذى قد يحتاج إلى فترة طويلة حتى تتكشف أجزاؤه . ففى نكبة التقسيم الأولى فى بدايات القرن العشرين كانت الأمور تسير بسرية تامة وكانت بريطانيا العظمى آنذاك تمنى العرب بملك يشمل كل آسيا العربية بحيث يتحررون من سلطة الدولة العثمانية ويدخلون الحرب العالمية الأولى كتفاً إلى كتف وظل الشريف حسين يرسم مستقبله السياسى من خلال مراسلاته مع السير هنرى مكماهون فيما عرف لاحقاً بمراسلات الحسين – مكماهون والتى كانت ما بين عامى 1915 و 1916 . ففى الوقت الذى كان فيه آرثر مكماهون يؤكد للشريف حسين أن مصالح العرب هى عين مصالح بريطانيا وأنه ينبغى التريث قليلاً فى مسألة ترسيم حدود الدولة العربية المنتظرة لأنها مازالت بيد الأتراك المحتلين ( والتعبير لمكماهون ) كانت التفاهمات على أشدها بين الدبلوماسى البريطانى مارك سايكس ونظيره الفرنسى فرانسوا جورج بيكو فيما بين عامى 1915 و 1916 ( نفس فترة مراسلات الحسين – مكماهون ) من أجل إعادة ترسيم منطقة الهلال الخصيب وذلك تمهيداً لوضع فلسطين تحت الانتداب الدولى لحين تمكين العصابات الصهيونية من السيطرة عليها وإقامة وطن قومى لليهود . هذه اللمحة التاريخية إنما أردت من ورائها التأكيد على أن ما يجرى أمام أعيننا قد يكون هو الخدعة الكبرى التى نلهث خلفها بعيداً عن الحقيقة التى تمتلك الدول الاستعمارية كنهها ومفاتيحها . ففى الوقت الذى يمتلأ الفضاء الكونى بعبارات التهديد والوعيد ل " داعش " نفاجأ باغتيال كل قادة الصف الأول والثانى فى حركة أحرار الشام أحد ألد أعداء داعش فى سوريا !! ثم نفاجأ الاثنين 15/9 بغارات جوية على قاعدة جوية غرب العاصمة الليبية طرابلس تتبع قوات الثوار وقد أفادت التقارير الواردة من ليبيا أن هذه الطائرات انطلقت من مصر التى كانت قد أعلنت قبل يومين من هذه الغارات عن توقيع اتفاقية مع مجموعة " طبرق " تتيح لها استخدام المجال الجوى الليبي بمجرد تقديم طلب لوزارة الخارجية . وفى الجولان مازالت الأجواء مشتعلة بفعل المعارك التى تخوضها جبهة النصرة والتى اقتربت كثيرا من المناطق المحتلة صهيونياً وفى العاصمة الفرنسية باريس عقد ممثلو ثلاثين دولة مؤتمراً لتنسيق الجهود وتوزيع الأدوار لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية . أما الكيان الصهيونى فلا يستطيع إخفاء قلقه مما يحدث فصحيفة "جيروزاليم بوست" نقلت عن مصدر سياسي قوله: "في حال تمددت داعش ووصلت للأردن فإننا لن نتردد في التدخل عسكرياً ضدها". وشدد المصدر على أنه في حال تمكن "تنظيم الدولة" من العمل داخل الأردن فإن الكيان الصهيونى سيتخذ إجراءات من أجل مواجهته، وقال: "ليكن واضحاً وجلياً أن تحركنا العسكري ضد (تنظيم الدولة) في هذه الحالة مؤكد وقطعي هذه المشاهد الساخنة توحى بأن الأمر أكبر من تنظيم الدولة الإسلامية وبغض النظر عن الجدل الدائر حول نشأته وارتباطه بالدول الاستعمارية - الذى أعتقد أن بعيد كل البعد عن هذا الارتباط - فالأمر فى حقيقته أشبه ما يكون ب " تجريدة " تأديبية تعد لها الدول الاستعمارية عقاباً للشعوب العربية على محاولتها المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات الخلاص من أسر " سايكس – بيكو " وحدودها وأنظمتها القمعية المستبدة وهذا ما قاله وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى صراحة حينما صرح قائلاً : إزالة الحدود بين سوريا والعراق هو أخطر ما فعله تنظيم الدولة الإسلامية . هذا التصريح لم ينتبه له كثيرون ويعبر عن الهاجس الحقيقى الذى يقلق مضجع أمريكا وبقية الدولة الاستعمارية ، فالمنطقة العربية تتململ بشدة بعد أكثر من نصف قرن من التحرر الزائف واستطاعت اكتشاف مواطن الخلل فيها وتحديد أعدائها بكل دقة ، وليس بوسع التحالف الاستعمارى القديم – الجديد ترك الأمور تخرج عن سيطرته بهذه الصورة . وعلى الجانب الآخر فمن يتابع المناقشات التى تجرى على فضاء مواقع التواصل الاجتماعى يجد رغبة محمومة لدى قطاع كبير من الشباب فى ملاقاة هذا الحلف دوافعها مختلفة ومتباينة إلا أنها تصب جميعها فى خانة الرغبة فى التحرر الكامل . الحرب العالمية الثالثة التى تدق أبواب المنطقى العربية بشدة لها تبعاتها كشأن أى حرب فهل تؤدى إلى إعادة تقسيم المُقسَّم ؟ أم تزيل الحدود وتعيد هندسة المنطقة بأيدى أبنائها هذه المرة ؟ ومسك الختام قوله تعالى : " قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزعه ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير "