«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشروع الصهيونى فى إفريقيا.. الطريق إلى تطويق العالم العربى
نشر في الشعب يوم 19 - 06 - 2013

تهديد أمن "النيل" وتأمين موانئ "الأحمر" أبرز الأهداف
"إسرائيل" تستخدم الجماعات الفوضوية لمساندتها فى زعزعة الاستقرار بجنوب السودان
شرق إفريقيا.. المركز ال"احتياطى" الذى يؤمن الصهاينة بضرورة وجوده
جولدمان: يهود الشتات مهمتهم تطبيع الحياة اليهودية فى أماكنهم
الخارجية والكنيست والهستدروت.. أدوات لدعم الخطط الصهيونية بإفريقيا
أظهرت دراسة تحت عنوان "المشروع الصهيونى فى إفريقيا"، الثوابت "النسبية" فى المشروع الصهيونى تجاه إفريقيا، وركزت على محورين: أولهما: الأهداف الاستراتيجية للكيان الصهيونى على المستوى النظرى، وثانيهما: خصوصية التعامل الإسرائيلى مع إفريقيا.
وأكدت الدراسة التى أعدها أ.د. إبراهيم نصر الدين -أستاذ ورئيس قسم معهد الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة- أن أهداف السياسة الخارجية الصهيونية فى إفريقيا تنحصر فيما يلى، أولا: الدفاع عن بقاء الكيان ووجوده وضمان أمنه، من خلال فك طوق العزلة العربية المفروضة عليه سياسيا واقتصاديا، كى يتمكن من الخروج منها إقليميا (عربيا) ليتجاوز المسرح الإقليمى إلى ما وراءه (إفريقيا) والحصول على أكبر تأييد دولى لوجوده وسياساته، والعمل على تطويق الدول العربية وبخاصة مصر لتهديد أمن مياه النيل، وتأمين موانئ البحر الأحمر، والتأثير على اقتصاديات الدول العربية وعرقلة نموها، فضلا عن السعى لخلق تيار مناهض للعرب ومؤيد للكيان الصهيونى فى إفريقيا.
ثانيا: خلق مجال حيوى لطاقاته وإمكانياته الإنتاجية والفنية، لتحقيق مكاسب اقتصادية من زيادة التبادل التجارى، وخلق سوق واسعة للصادرات الصناعية الصهيونية، وضمان مورد مهم للخامات، وخلق مجالات عمل جديدة للخبرات الفائضة لدى الكيان الصهيونى.
وقد قرر د. مجدى حماد -الباحث السياسى- أن الأهداف الاستراتيجية للسياسة الخارجية الصهيونية تتمثل فى ثلاثة أهداف، هى: الأمن القومى: المتمثِّل فى ضرورة التأكيد على "تأمين الوجود"، حيث يتميز هذا الوجود بخاصتين، أنه يسعى إلى المحافظة على الشخصية النقية للدولة، وأنه وجود ديناميكى متمدد تحت ضغط الهجرة المتزايدة التى تأتى إعمالا "للوعد الإلهى" وفكرة "أرض الميعاد"، ثانيا: الشرعية السياسية، والتى تنطوى على تأمين وضمان الوجود دوليا، والاعتراف القانونى والواقعى بالوجود والأمن الصهيونى فى المنطقة العربية، ومن قبل الدول العربية، ثالثا: الهيمنة الإقليمية، حيث يعدّ الأمن والشرعية مقدمات ضرورية لا غنى عنها لتحقيق الهدف الأساسى طويل المدى للوجود الصهيونى. وهو ما يمكن تلخيصه فى الهيمنة على الإقليم باعتباره يمثِّل "المجال الحيوى” للوجود الصهيونى من ناحية، ولضمان ألا يتجاوز فى نموه وتوجهاته حدا يعرِّض المصالح الغربية لخطر أو لتهديد جديد.
وتتفق الدراسة مع ما أورده "حماد" فى أن المرحلة الحالية ستشهد تركيزا من جانب دولة الكيان على تحقيق هدف "الهيمنة" على الإقليم العربى المجاور فى إطار مشروع "إسرائيل" الكبرى، ما يؤكِّد تزايد عملية التنسيق الصهيونى– الأمريكى فى المشرق العربى منذ عقد اتفاقات كامب ديفيد من جهة، وإصدار دولة الكيان فى أواخر عام 1989 خريطة لحدودها الجديدة المتصوَّرة من جهة ثانية، ثم ما أسفرت عنه حرب الخليج من تمهيد لتحقيق هذا المخطط، وذلك بحصار من جانب القوات الأمريكية لمعظم المنطقة التى حدَّدتها الخريطة الصهيونية الجديدة من جهة ثالثة، فهذه الخريطة تضم النصف الشرقى لسيناء وشمال المملكة العربية السعودية، وشمال الكويت، والعراق حتى حدوده مع إيران باستثناء الجنوب الشيعى، والشمال الكردى، وثلثى سوريا ما عدا شمالها، ومعظم الأراضى اللبنانية باستثناء شريط ساحلى فى الشمال، وكل الأراضى الأردنية، ومن الملاحظ فى هذا المقام أن القوات الأمريكية متواجدة فى النصف الشرقى لسيناء، وشمال المملكة العربية السعودية وكل الكويت وجنوب وشمال العراق، ولم يبقَ إذن لإحكام الحصار الأمريكى الصهيونى حول منطقة المخطط الصهيونى سوى شمال سوريا وشمال لبنان، ويبدو أن المخطط الإمبريالى الأمريكى الصهيونى يسير حاليا فى هذا الاتجاه!
ويقول ناحوم جولد مان –رئيس المنظمة الصهيونية العالمية بين عامى 1956، 1968 فى كتابه "إسرائيل إلى أين؟"-: أن "الخطر الكبير الذى تقع فيه (إسرائيل) هو نسيان صفتها الفريدة؛ ومن المؤكد أنها لا يمكن أن تبقى إلا إذا شكّلت ظاهرة لا مثيل لها فى العالم، كما رفض أية محاولة لجمع كل يهود الشتات داخل دولة الكيان لأن لهم مهمة خارجها فى تطبيع الحياة اليهودية، ويؤكد جولدمان أن حل مشكلة العلاقة بين (إسرائيل) والدياسبورا" يبقى للشعب اليهودى مهمة فريدة لا مثيل لها فى الزمن الحاضر ولا فى الماضى".
واستنتجت الدراسة من ذلك عدة حقائق:
1- الاستمرار فى تأكيد الصفة العنصرية والاستعمارية للكيان الصهيونى وللشعب اليهودى، يظهر ذلك من التأكيد على الصفة الكونية والفريدة للدولة.
2- الإصرار على انتهاك سيادة الدول الأخرى، بالزعم بأن اليهود أينما وجدوا يشكلون جزءا من الشعب اليهودى، وأن ولاءهم لدولة الكيان يتوازى مع ولائهم للدول التى يعيشون فيها، وأن الشعب اليهودى أينما وجد يشكل أمة تعمل بتوجيه من المركز (إسرائيل).
3- كما يظهر استمرار "عقدة الحصار"؛ إذ رغم رغبة القادة الصهاينة فى تجمع الشعب اليهودى فى دولة الكيان، يتضح الخوف من نتائج هذا التجميع، خوف من توجيه ضربة عسكرية لكل الشعب اليهودى المتجمع فى الكيان، وفقدان التأثير على سياسات الدول المتواجد فيها يهود الشتات، ومن فقدان مصادر التمويل الخارجية، وقد ترتب على هذه الفكرة –وبلغة العسكرية– ضرورة وجود مركز "احتياطى" تحسبا لضرب المركز الأصلى، أو مركز "تبادلى" يستخدم فى حالة ضرب المركز الأصلى، حتى يظل مركز قيادة الحركة الصهيونية مؤمَّنا فى كل الأحوال.
ويبدو أن منطقة شرق إفريقيا –والتى كانت مطروحة فى السابق كوطن قومى لليهود تشكِّل المركز "الاحتياطى" أو "التبادلى" للحركة الصهيونية، ويظهر ذلك جليا من النشاط الصهيونى المكثف فى المنطقة بعون أمريكى– فى كل الظروف والمتغيرات، وهو نشاط استهدف فى جانب كبير منه تطويق العالم العربى من الجنوب، وتقليص المد الإسلامى على أطرافه.
خصوصية التعامل الصهيونى مع إفريقيا
أولا: عملية الربط الأيديولوجى والحركى بين الصهيونية وحركة الجامعة الإفريقية والزنجية، والتى حاكتها الصهيونية العالمية، وتظهر فى أوجه عدة، أولها: الزعم بخضوع كل من اليهود والأفارقة (الزنوج) لاضطهاد مشترك، فكلاهما ضحايا للاضطهاد وللاثنين ماضٍ مؤلم، وأنهما من ضحايا التمييز العنصرى، وبينهما بالتالى تفاهم متبادل، ويزيد من تلاقى تطلعاتهما أن لهم جذورا ممتدة فى ماضيين متشابهين جوهرا، وبالتالى فإن سياسة الكيان فى إفريقيا تعدّ تطلعا أصبح لا يتمثل فى الرغبة الصهيونية فى مساعدة الذين عانوا المآسى كالشعب اليهودى.
ثانيا: إضفاء المسحة الصهيونية على حركة الجامعة الإفريقية، فمنذ أواخر القرن الماضى وبداية القرن الحالى ومع أخذ الحركة الصهيونية، وحركة الجامعة الإفريقية إطارهما التنظيمى فقد أطلق على حركة الجامعة الإفريقية اسم "الصهيونية السوداء"، وأطلق على أحد زعمائها المتصدرين لفكرة "عودة الزنوج الأمريكيين إلى وطنهم الأصلى إفريقيا" -وهو ماركوس جارفياسم- "النبى موسى الأسود"، بل أن تشبه الزنوج بين الكيان الصهيونى وإضفاء طابع دينى على حركتهم للعودة إلى إفريقيا يوضِّح هذا التأثير بالفكر الصهيونى إلى حد بعيد.
ثالثا: أن عملية الربط بين الصهيونية وحركة الجامعة الإفريقية قد استهدفت مواجهة الإسلام فى إفريقيا، وضرب العلاقة بين حركة التحرر العربية والإفريقية؛ إذ صرح عديد من القيادات الدينية المسيحية فى الولايات المتحدة الأمريكية مبكرا أن الهدف من تهجير الزنوج الأمريكيين إلى إفريقيا إنما يستهدف نشر المسيحية فيها من خلالهم، والوقوف أمام انتشار الإسلام فى القارة. وبعد الحرب العالمية الثانية فقط، أدركت دولة الكيان والقوى الاستعمارية أهمية "القيادات الوطنية" والمثقفة فى إفريقيا مع المد التحررى الذى بدت عليه الحياة السياسية الإفريقية؛ فكان اقترابها البارز فى البداية من نكروما ونيريرى وسنغور أكثر من غيرهم. وقد كان وزن هؤلاء فى حركة التحرر الإفريقية ضروريا للكيان والغرب عامة لتحجيم صلة هذه الحركة بحرية التحرر العربية.
رابعا: ظهرت دولة الكيان إلى الوجود متمتعة برصيد من التعاطف المنبثق عن العوامل الدينية والثقافية، دون أن يثقل كأهلها شىء من سلبيات التعامل العدائى مع القارة الإفريقية وأهلها، على عكس العرب الذى اتُّهموا بممارسة تجارة الرقيق فى إفريقيا، وقد كانت استجابة الزعماء الإفريقيين للتعامل مع الكيان الصهيونى فى كافة المجالات سريعة وودية. فمن المعروف أن ليبيريا كانت أول دولة إفريقية تعترف بالكيان الغاصب وثالث دولة اعترفت بها فى العالم (بعد الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى) عام 1948.
التركيز على دعم العلاقات مع جماعات إفريقية بعينها
تعدّ من ثوابت السياسة الخارجية الصهيونية فى إفريقيا، والتى تتجاوز التعامل المؤقت مع أنظمة الحكم الإفريقية -بافتراض عدم استقرارها- إلى التعامل المستقر وشبه الدائم مع جماعات بعينها تتَّسم بثقل عددى وسياسى، فتساندها إذا كانت تشكِّل قاعدة للسلطة القائمة دعما للاستقرار السياسى وتوطيد الأواصر والعلاقات مع الكيان، كما تساندها إذا كانت خارج السلطة السياسية لإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار السياسى فى دولة معادية للكيان، ولم تغفل دولة الكيان عن أهمية الربط الأيديولوجى بين التقاليد الصهيونية وتقاليد هذه الجماعات، وعلى سبيل المثال: استمرار مساعدة الكيان الصهيونى لجماعة الدنكا فى جنوب السودان -والتى يقدِّر البعض عددها بنحو خمسة ملايين نسمة- لإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار فى السودان وإجهاضه اقتصاديا وسياسيا، وخلق عقد للكراهية بين العرب والأفارقة، بصورة تُعيق السودان عن أداء دوره العربى والإسلامى، وحتى الإفريقى.
كما ظلت دولة الكيان على تعاملها الوثيق مع جماعة الأمهرا الحاكمة فى إثيوبيا؛ سواء فى ظل هيلاسيلاسى أو منجستو دعما لسيطرة هذه الجماعة على غيرها من الجماعات –ومعظمها إسلامية-، وتعزيزا لتواجد الكيان فى منطقة حوض النيل، وفى مدخل البحر الأحمر، وقد استغلت دولة الكيان فى ذلك البعد الأيديولوجى لتقوية صلاتها بجماعة الأمهرا، وكانت أيضا مصدرا لتماسك ووحدة شعب أمهرا، خاصة عندما ركَّزت فى دعايتها على أنه "شعب الله المختار".
وفى نيجيريا قامت دولة الكيان بمساعدة جماعة الايبو التى تقطن فى الإقليم الشرقى لنيجيريا (سابقا) لمواجهة الإقليم الشمالى (سابقا) المسيطر على السلطة المركزية -ويضمّ أغلبية مسلمة- حتى وصل الأمر إلى حد إعلان استقلال الإقليم الشرقى تحت اسم جمهورية بيافرا عام 1967 والتى اعترفت بها دولة الكيان تحت دعوى أنهم يشكلون قومية متميزة، كما أعلنت: الايبو هم "يهود إفريقيا".
وفى جنوب إفريقيا فإن عملية الربط الأيديولوجى بين الصهيونية والقومية الأفريكانية البيضاء قد آتت أكلها فى تعزيز الروابط بين الكيان وجنوب إفريقيا.
دور الاستعمار الغربى فى تمتين العلاقات الإفريقية الصهيونية
أسهم الاستعمار الغربى فى تمهيد الطريق للكيان الصهيونى لإقامة علاقات واسعة مع دول إفريقيا، فأثناء استعمار هذه الدول –الأوروبية- لإفريقيا كانت تفتح المجال أمام النشاطات الصهيونية لدراسة أوضاع هذه الدول ووضع الخطط المستقبلية من أجل استمالتها إلى جانبها والتغلغل فيها، وقامت الكثير من المؤسسات والفعاليات النقابية والشعبية والحكومية الغربية بدعم جهود الدولة الصهيونية فى توجهاتها الإفريقية، وكان المعهد (الصهيونى الإفريقى)، والذى يتخذ من تل أبيب مقرا دائما له، ويعتمد فى تمويله على الدول الغربية يقوم بتوجيه العلاقات الإفريقية - الصهيونية، كذلك مهدت المساعدات والقروض العربية والأمريكية للدول الإفريقية، الطريق لإقامة علاقات طبيعية بين الكيان الصهيونى والدول الإفريقية المستقبلة لهذه المنح والقروض والمساعدات، بشرط إقامة علاقات مع الكيان الصهيونى، كما أن انضمام الكيان فى اتفاقيات خاصة مع السوق الأوروبية المشتركة، ودور الكيان فى المنظمات العامة والمتخصصة أعطاها فرصة كبيرة للمناورة والتغلغل إلى قلب القارة الأوروبية.
كما لعب اللوبى اليهودى فى إفريقيا دورا رئيسا فى دعم العلاقات الإفريقية الصهيونية، ومعلوم أن أى يهودى له الحق فى الحصول على جنسية دولة الكيان والهجرة إليه والاتصالات مع يهود إفريقيا مستمرة، سواء عن طريق الكيان نفسه أو عن طريق الوكالة اليهودية.
كما أشار "نصر الدين" فى دراسته على أن أهمية إفريقيا بالنسبة للكيان، دفعته لإيجاد أجهزة وقنوات خاصة لخدمة العلاقات والتوجهات الصهيونية وخططها الإفريقية، وأهم قنوات التنفيذ:
(أ) وزارة الخارجية، والتى أوجدت إدارات ذات اختصاص، من أجل رعاية وتوجيه وتنفيذ السياسة الخارجية الصهيونية تجاه إفريقيا، وأهمها: الإدارة الإفريقية، ويقع على عاتقها تتبع التطورات السياسية فى الدول الإفريقية ورصد علاقاتها الخارجية، وتحليل واقع ومستقبل حركات التحرر فيها، وتوجيه البعثات الدبلوماسية الصهيونية فى إفريقيا، والاتصال الدائم مع السفارات والبعثات الدبلوماسية الإفريقية فى الكيان الصهيونى، ثم إدارات الإعلام وتتولى، رصد النشاط الإعلامى الإفريقى تجاه الكيان، وإعداد الدراسات الدعائية خدمة للكيان وتوجهاته، إضافة إلى تطوير العلاقات الإعلامية المختلفة مع الدول الإفريقية والتعاون الدولى، والعلاقات الثقافية، والإدارة الاقتصادية، ثم تأتى الإدارة الأوروبية، من أجل متابعة العلاقة مع جنوب إفريقيا، فى حين تقوم الإدارة الثقافية بتنفيذ الاتفاقات المبرمة بهذا الشأن، كما أن وزارة الخارجية الصهيونية ومن خلال سفاراتها وقنصلياتها تقوم برعاية مصالح اليهود فى هذه الدول، وإبقائهم على اتصال مع الكيان.
ب الهستدروت: ويعتبر من أنشط القنوات وأهمها، وتشارك فى أعماله وتنظيماته أكثر من 94% من الطبقة العاملة الصهيونية، ويلعب دورا فى تنمية العلاقات مع إفريقيا وذلك من خلال أجهزة أنشأت داخله لهذا الغرض، فمثلا تقوم إدارة التعاون الدولى والعلاقات الدولية فى الهستدروت بالاتصال المباشر مع نقابات العمال الإفريقية، ويقوم بتقديم البعثات الدراسية والزيارات المجانية لزعماء النقابات العمالية فى إفريقيا إلى الكيان، كما ويقوم بتشجيع الهجرة الصهيونية إلى الكيان، وقام الهستدروت بإنشاء جامعة العمال فى حيفا، ومن خلال استقدام المبعوثين الأفارقة، يخلق من هؤلاء الأفارقة كوادر إفريقية لخدمة المسلكية الصهيونية.
ج الكنيست: تقوم لجنة الشئون الخارجية فى البرلمان الصهيونى، بوضع الخطط العملية للعلاقة مع إفريقيا، وهنالك لجان كثيرة داخل الكنيست تدخل إفريقيا ضمن صلاحياتها، مثل اللجنة الاقتصادية واللجنة المالية ولجنة التعليم والثقافة، وهذه اللجان تقوم على رعاية المصالح (الصهيونية) فى إفريقيا وغيرها.
د الأجهزة الأمنية والعسكرية: أوجدت المخابرات الصهيونية قنوات خاصة للاتصال مع إفريقيا، فأنشأت دائرة خاصة تهتم بالشئون الإفريقية، تقوم برصد التحركات الإفريقية وعلاقتهم مع العرب خاصة منظمة التحرير، كذلك تقوم الأجهزة العسكرية الصهيونية بتدريب كثير من الكوادر العسكرية الإفريقية فى داخل الكيان، وكثير من هؤلاء القادة العسكريون أصبحوا فيما بعد قادة فى بلدانهم.
ه الفعاليات الأكاديمية: هنالك معاهد ومؤسسات عديدة فى الكيان الصهيونى تقوم بخدمة التوجهات الصهيونية فى إفريقيا، مثل معهد وايزمان للعلوم، ومؤسسة هداسا الطبية ولها فروع عديدة فى كثير من الدول الإفريقية، والجامعة العبرية، ومؤسسة جبل الكرمل الدولية.
حاضر العلاقات الإفريقية الصهيونية
بعد عقد اتفاقية كامب ديفيد بين جمهورية مصر العربية والكيان الصهيونى، بدأت الكثير من الدول الإفريقية، والتى قطعت علاقاتها مع الكيان إثر حرب رمضان 1973، بإعادة النظر فى هذا التوجه، وفعلا أعادت كثير من الدول الإفريقية علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان لسابق عهدها، بل أكثر حدة وتطورا، والدول الإفريقية التى أبقت على قطيعتها مع الكيان بعد كامب ديفيد أعادت علاقاتها مع الكيان بعد مؤتمر مدريد وبعد الاتفاق الفلسطينى الصهيونى، بل وبعد انهيار الاتحاد السوفييتى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.