أثارت زيارة رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت لإسرائيل أخيرًا، جدلا فى ندوة أقامتها لجنتا السودان والقدس باتحاد الأطباء العرب، حيث طرح كل من سفيرى دولتى الشمال والجنوب وجهتى نظر مختلفتين للأمر. وقال السفير كمال حسن على، سفير دولة السودان بالقاهرة: إن دولة جنوب السودان دولة مستقلة وذات سيادة ولها الحق فى تحديد سياستها الخارجية وأضاف، أنه سعيد بزيارة سلفاكير لإسرائيل لسبب بسيط أنها كشفت ماكان مخفيا، وما كانت الخرطوم تدركه تمام الإدراك عن علاقات الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة لدولة الجنوب الآن منذ نشأتها بالصهيونية العالمية وإسرائيل، وهو ماكان يجعل بعض إخوتنا فى العالم العربى يتهموننا بأننا نعلق أمورنا على مشجب إسرائيل، وأشار إلى أنه من الثابت أن جوزيف لاقو، زعيم حركة التمرد الأولى فى الجنوب، ذهب إلى إسرائيل يعرض خدماته عليها لمنع الجيش السودانى من المشاركة فى حرب 1967، وأكد أن ما ظهر خلال زيارة سلفاكير لإسرائيل هو رأس جبل الجليد فقط، وأن قول سلفاكير للقادة الإسرائيليين: كنتم تقاتلون عنا ولولا إسرائيل ما قامت دولة الجنوب يظهر حجم التدخل الإسرائيلى فى الشأن السودانى، وذلك لم يكن مخفيا فى سياسات تل أبيب ضد مصر والسودان. وقال: إن اللوبى الصهيونى لعب دورًا فى توجيه السياسة الأمريكية تجاه السودان حتى بعد توقيع إتفاق السلام، وفى تضخيم الصراع فى دارفور لخدمة الأغراض الأمريكية والإسرائيلية وفى تقديم الدعم الإعلامى والمادى للحركات المسلحة بالإقليم، وأضاف سفير دولة السودان إن مزيدًا من العلاقات بين دولة الجنوب وإسرائيل ستتضح فى مقبل الأيام، وأن الخرطوم لا تنزعج من هذه العلاقة بقدر ما تتعامل معها بحكمة لحفظ مصالحها، مشيرا إلى دولة الجنوب عليها فواتير تريد أن تدفعها الآن، ولذا زار سلفاكير أولا الذى دعَّم قيام دولته فى أمريكا وإسرائيل. وقد انبرى الدكتور فرمينا مكويت منار، سفير دولة الجنوب للرد على كلام نظيره فى الشمال، مؤكدًا حرص دولة الجنوب على علاقة متميزة مع الدول العربية، مشيرًا إلى أن الخرطوم تحاول دائما تشويه صورة الجنوب وتصوير أبنائه كشياطين ووضعه فى مواجهة مع العالم العربى، وقال: إنه ليس فى موقف الدفاع وإنما توضيح الحقائق وأن زيارة سلفاكير لإسرائيل هى زيارة عادية. وأضاف، أن جعفر نميرى، الزعيم السودانى الشمالي العربى المسلم، هو من نقل يهود الفلاشا إلى إسرائيل الذين أصبحوا جنودًا بالجيش الإسرائيلى فى مواجهة العرب، وأكد أن مسئولين كبارًا فى الحكومة الحالية بالخرطوم التقوا بقيادات إسرائيلية فى العقبة الأردنية، وأنه ليس صحيحًا ما يدعون من عداء لواشنطن وإسرائيل،وهم بإعتراف رئيس مخابراتهم السابق صلاح قوش أكثر من تعاون مع أمريكا، وقدم لها ملفات القاعدة والإسلاميين. وأكد سفير دولة الجنوب أن بلاده حريصة على إقامة أوثق العلاقات بالدول العربية، وعلى أن تكون أكبر صلة بين العرب وإفريقيا، مشيرا إلى وجود أعداد كبيرة من المسلمين فى الجنوب ولكنها قال: إن العلاقة مع العرب لا يمكن أن تستقيم فى ظل توتر العلاقة مع الشمال السودانى، وتساءل: أين نذهب والجنوب محاصر، بعد أن أغلقوا الحدود بعد استقلال دولتنا ومنعوا عنا الدواء والغذاء، وأناشد الأشقاء العرب مساعدتنا بالدعم الطبى، ومن جانبه قال الدكتور جمال حشمت، عضو مجلس الشعب ورئيس لجنة السودان بالإتحاد: إن الجنوب جزء مهم ويجب أن نوليه الرعاية وإذا لم نحتضنه وندعمه سيذهب لإسرائيل، ولاينبغى أن نلومه وقتها. فيما أعلن الدكتور جمال عبد السلام، رئيس لجنة القدس باتحاد الأطباء العرب، استعداد الاتحاد ونقابة أطباء مصر لإرسال مائتى طبيب إلى دولة الجنوب ومساعدتها فى المجال الصحى. ومن ناحية أخرى أكد أن الوجود الإسرائيلى فى الدول الإفريقية سيكون له تأثير سلبى على مصر، وأعرب عن أمله أن تتجاوز مصر عثرات الماضى، وتقوم بدورها الفاعل فى جنوب السودان وإفريقيا. وأكد السفير محمد مرسى عوض، مساعد وزير الخارجية ومدير إدارة السودان، أن دولة جنوب السودان دولة مستقلة ولها الحق فى إدارة أمورها وقال: إننا فى مصر نحترم إرادة إخواننا فى إدارة علاقتهم الخارجية وفقا لما يرونه ونهتم فى ذات الوقت بتطوير وتدعيم علاقاتنا مع إخوتنا فى الجنوب التى بدأناها منذ سنين طويلة كما نهتم بإقامة علاقات طيبة وطبيعية بين دولتى الشمال والجنوب؛ لأن هذا يخدم المنطقة كلها وقال: لسنا فى مجال منافسة ولاصراع فى إفريقيا، والتحرك الإسرائيلى الذى نراه مؤامرة تراه هى حقا شرعيا لدعم سياساتها واقتصادها والتأثير على خصومها، لذا يجب أن نركز نحن على دعم علاقتنا كمصر وكعرب بأشقائنا الأفارقة، وألا تكون سياساتنا مجموعة ردود أفعال، مؤكدًا أن لمصر فى جنوب السودان والدول الإفريقية رصيد وموروث وقاعدة قوية، ولديها فوق ذلك إرادة سياسية داعمة لهذا التعاون. وأضاف: أن ثورة 25 يناير أكسبت السياسة المصرية زخما كبيرا ومنحت العلاقة مع دولتى السودان مكانة متميزة اللذين تربطنا بهما رابطة دم وتاريخ وثقافة ومصير واحد، وقال: إن هناك رغبة مصرية فى تدارك القصور وتعزيز العلاقات. وقال الدكتور حلمى شعراوى، رئيس مركز البحوث العربية والإفريقية، إنه ليس من حق أحد مناقشة زيارة رئيس دولة أخرى لدولة ثالثة، وقال: إن هناك مشكلة فى الثقافة السياسية فى مصر وأن الأفارقة يسخرون منا فى موضوع إسرائيل الذى نقحمه فى علاقاتنا معهم وسفارتها موجودة فى القاهرة، ولذا يجب أن نراعى أن إسرائيل عدو رئيسي لمصر والشعوب العربية وليس للدول الإفريقية، وقال:إن زيارة سلفاكير لإسرائيل كانت محدودة وللمناقشة حول موضوع اللاجئين السودانيين الين هربوا إليها عبر الحدودوقال: إن هناك توجهًا كبيرًا لجنوب السودان من عدد من القوى الدولية وأن إسرائيل ليس لها وزن مادى حقيقى، وإن كانت تدعم دورها بتواجدها فى دوائر رأس المال العالمى كالثعبان، بينما نحتاج إلى تعزيز مصالحنا ومشروعاتنا والعمل على حل المشكلات بجنوب السودان. واتفقت معه الدكتورة إجلال رأفت أستاذة العلوم السياسية التى قالت إن القضية الفلسطينية هى قضيتنا المحورية وإسرائيل هى عدوتنا إلى أن تحل هذه القضية، لكنها قالت: إن عروبة مصر وإسلامها لايجب أن ينسينا إفريقيتها، وأن لها مصالح فى إفريقيا لاتقل عن مصالحها فى شرقها وشمالها، ويجب أن تقوم علاقاتها على المنافع والمصالح، وأضافت أن دولة الجنوب دولة مستقلة وحرة تماما فى إختيار والتخطيط لسياساتها بعيدا عن إختيارات الدول الأخرى، وقالت: إن إقحام قضية إسرائيل فى علاقاتنا مع الدول الإفريقية يمثل أحيانا عقبة تعوق سير مصالحنا، كما حدث عند استقلال إريتريا وعدم انضمامها للجامعة العربية، وأشارت إلى تحركات قوى أخرى فى إفريقيا يجب أن ننتبه لها ولكل ما يهدد مصالحنا سواء كانت أمريكية وإسرائيلية أو إيرانية أوغيرها. وانتقدت السياسة المصرية فى إفريقيا قائلة إنه ليس لنا خطة إستراتيجية لحماية أمننا القومى وهذا هو الخطر الأساسى على مصالحنا فى إفريقيا، وأن كل مانملكه هو سياسات حسب الظروف والمناسبات، ولو كان لنا خطة إستراتيجية ماخشينا إسرائيل ولا إيران ولاغيرها. ومن جانبه قال السفير حسنى، مدير إدارة التعاون العربى الإفريقى بالجامعة العربية: إن الجامعة العربية أيدت حق شعب الجنوب فى تقرير مصيره وستواصل توطيد العلاقة به بعد إستقلاله وحث المستثمرين والمعونات العربية بهدف تأكيد العلاقة، وأن الجنوب كما قال رئيسه سلفاكير لن ينقل من مكانه، وسيظل محكوما بجواره العربى ومصالحه المشتركة مع الشمال، وأكد ضرورة إقامة علاقات وثيقة وتكاملية بين دولتى السودان. وأوضح: أن الواقع الآن يؤكد أن الجنوب يتجه لتوطيد علاقاته بدول جنوبه الإفريقية على النقيض من علاقاته بدولة الشمال والدول العربية، وقال: إن من حق دولة الجنوب إقامة علاقات وفق تصوراتها، لكن الدول والجامعة العربية صدمت بامتناع دولة الجنوب عن التصويت لصالح إقامة الدولة الفلسطينية فى الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو حق يراه العرب مماثلا لحق الجنوبيين فى إقامة دولتهم، وهو الأمر الذى رد عليه سفير الجنوب بأن امتناع سفير دولته عن التصويت لأنه لم يتول منصبة رسميا بعد، حيث لم يؤد السفراء الجنوبيون القسم بعد، وحمل السفير سمير حسنى الطرفين الشمالى والجنوبية المسئولية فى فشل الوحدة وعدم حل القضايا الخلافية، مؤكدًا أن المصالح بين الشمال والجنوب لايمكن أن تنفصم لأنها ليست سياسية واقتصادية فقط، بل اجتماعية لايمكن قطعها. وقال: إن الجامعة العربية تضع كل إمكاناتها لدعم المشروعات الرابطة بين دولتى السودان، لأن التعاون بينهما ليس لمصلحتهما فقط، بل للتعاون العربى الإفريقى كله. وأضاف أن المؤتمر الذى عقد مؤخرا لدعم الجنوب فى واشنطن كان عبارة عن مظاهرة سياسية لدعم حملة الرئيس الأمريكى باراك أوباما الانتخابية ولم تقدم فيه أى عطاءات أو مشروعات أو دون فلس واحد لدعم الجنوب وقال: إن ما أقلقه أن السودان لم يكن حاضرًا خلافا لكل دول جوار جنوب السودان الجنوبية، وأن هذا يعطى مؤشرًا أن الولاياتالمتحدة والغرب يدفعان دولة الجنوب دفعا لصوغ علاقاته مع دول الجنوب.