لم يشهد التاريخ العربى جدلا حول شيء مثلما حدث من جدل حول مصطلح الخلافة فمنذ سقيفة بنى ساعدة التى تم تحت ظلالها تحديد ملامح نظام الحكم فى الدولة الوليدة – يومئذ – وثمة نار تشتعل كل فترة حول هذا النظام، ومن المثير فى الأمر – والمحير أيضا – أن مفكرين كبار على مدار تاريخنا العربى الإسلامى قد استدرجوا إلى معارك فكرية عنيفة تدور حول الخلافة كنظام حكم وحول الخليفة كحاكم وكظل لله على الأرض. ولقد جرت أنهار غزيرة من دماء المسلمين على مر العصور بسبب الاختلاف حول الخلافة، خاصة عندما تم الباس المصطلح السياسى ثوب الدين وتم الزج بالمقدس الثابت فى أتون الإنسانى المتحول، ومن المثير للضحك، المبكى، أن يشهد التاريخ فترات كان ينادى فيها بأكثر من خلافة فى ذات الوقت فوجدنا تأسيس نظام حكم فاطمي سمى بالخلافة فى نفس الوقت الذى كان يوجد فيه نظام حكم عباسى سمي هو الآخر بالخلافة!! ناهيك عن الخلافات الأخرى الصغيرة التى كان ينادى بها هنا أو هناك والتى تمثل فيها أقصى درجات العبث السياسى، ونحن هذه الأيام نعيش فى مرحلة عبثية أخرى لا تختلف كثيرا عن هذا الإرث العبثى الذى ورثناه عن أجدادنا العرب الذين أبى القدر إلا أن يجعلنا نحمل فوق ظهورنا ميراثهم هذا، فها نحن نشهد تدشين ما يسمى بالخلافة على يد ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية فى بلاد العراق والشام "داعش" الذى حول ميدانه من الأراضى السورية وتوجه شرقا صوب العراق، بعدما وقع الصدام بينه وبين بقية الميليشيات المسلحة التى تمرح على الأرض السورية الآن فى مشهد عبثى لا يقل عبثية عن مشاهد كثيرة حفظها لنا دفتر التاريخ، لكن الأمر الذى يجب أن ننتبه له فى تحرك داعش هو النهج الأمريكى الذى يسيرها، فداعش هذه هى اليد الأمريكية فى المنطقة وهى التى يتم عن طريقها السعى لإعادة تقسيم المنطقة مرة أخرى مثلما فعلت قوى الاستعمار القديم من قبل عندما اقتسمت الأراضى التى كانت تسيطر عليها الدولة العثمانية – التى كانت تسمى خلافة هى الآخرى للأسف – ولأن الولاياتالمتحدة هى الكيان الاستعمارى الحديث فهى تسعى لتهيئة المنطقة بما يخدم أهدافها ويحقق مصالحها ولهذا مدت يدها فى دفاتر تاريخنا لتستحضر أقبح ما فيه ولتشعل عبثا جديدا/ قديما لا يعلم إلا الله إلى أين سيأخذنا. إن الخلافة التى أعلنتها داعش هى خلافة أمريكية كحلقة جديدة من حلقات استغلال منطقتنا العربية وتفتيتها، وهى بمثابة استحضار لروح "سايكس بيكو" التى تقاسمت بموجبها دول الغرب بلادنا، والحل لا يكمن فقط فى تعرية هذا القبح وفضحه، لكن الأمر يتطلب وقفة جادة لتحرير تاريخنا من أكاذيب كثيرة أثرت، ولا تزال، فى مسيرتنا الحياتية، ولعل الكذبة الكبرى التى مازالت تسيطر على عقول الكثيرين هى وهم الخلافة الذى لطالما استخدم فى الكثير من القبائح عبر تاريخنا، وها نحن نشهد حلقة جديدة من حلقات القبح والعبث تتمثل فى الخلافة الأمريكية على يد داعش.