كانت تسمى «اللد»، صارت تسمى «اللد»، كانت عربية، ما تزال فلسطينيةأصيلة، بحكاياتها، ومعالهما. بئر الزنبق، منارة الأربعين، الجامع العمري، كنيسة القديس جاورجيوس، جسر جنداس، مسجد دهمش، خان الحلو، بئر أبو شنب، أسماءنا على جدرانها تحكي لنا تراث العرب. الكاتب الفلسطيني خليل ناصيف، اللاجيء من مدينة اللد،أكبر وأجمل مدن فلسطين، التي سقطت بعد تاريخ النكبة بشهرين، تحديدًا في 11 يوليو، وسقطت معها الرملة، يؤكد لنا أنها حاليًا تحولت إلى مدينة للمخدرات والجريمة بعد رحيل سكانها العرب. سمع الكثير من قصص النكبة، وخص «البديل» ببعضها، كما حكى لنا عن بير الزيبق: ضيوف يوم الثلاثاء ربما كان ينبغي أن ارتشف عصير برتقالة لداوية على جسر جنداس ذات شتاء، فأثمل بمذاق التاريخ الممزوج بالجراح وحكايات الناس الذين رحلوا وتركوا لنا مفاتيح البيوت والقصص، وربما التقط حينها قصبة اصطاد بها حكاية من تيار الماء تحت الجسر. لكنني اكتفي بما رواه لي الجد قبل عشرين عامًا تحت دالية العنب في رام الله عندما كنت طفلا يتذمر من كثرة الضيوف الذي كان تواجدهم في غرفة الجلوس يحرمني من مشاهدة مسلسلي الكرتوني المفضل.. آه يا جدي لم اكن بذكائك ولم امتلك جرأتك, ثم ان ضيوف أبي لم يكونوا بوقاحة ضيوف ابيك الذين لعبوا دور البطولة في حكاياتك الجميلة. -1- مدينة اللد عام 1940 كانت مدينة اللد في ذلك الوقت مشهورة بسوقها المعروف بسوق الثلاثاء، وكان يأتيها التجار والمزارعين من القرى المجاورة ليتبادلوا السلع التجارية مع التجار القادمين من مدن الساحل وخاصة مدينة يافا، وأحيانا كان يتأخر البعض منهم للمبيت في المدينة في فنادقها أو عند بعض العائلات الميسورة. كان من بين زوار المدينة مجموعة من التجار من بعض القرى الواقعة شرقي اللد، وكانوا معروفين بجشعهم وببخلهم الشديد، وكان والد جدي يستضيفهم بشكل دائم وبما أن جدي كان أكبر أشقائه فقد كان يقع على عاتقه واجب خدمة الضيوف وإعداد أماكن نومهم وتقديم الشاي والقهوة وما شابه. كان ذلك يحرمه من الذهاب إلى السينما في مدينة يافا أو قضاء وقت ممتع مع رفاقه بعد يوم عمل شاق، وبالطبع لم يكن بإمكانه التذمر من خدمة الضيوف مع أنه لم يكن يرى فيهم سوى مجموعة من الاستغلاليين ليس أكثر. -2- -قال الرجل العجوز لجدي تعليقًا على شكواه من ضيوف والده الثقلاء:"أحضر مجموعة من أكياس الخيش وضعها في الغرفة التي ينام فيها ضيوف والدك، وأنا واثق بأنك لن ترى وجوههم بعد ذلك أبدا". - لم يفهم جدي المغزى من ذلك الطلب الغريب ولكن لم يكن بإمكانه سوى تنفيذ الامر بصمت! عند المساء كان قد اشترى مجموعة من أكياس الخيش الرخيصة ووضعها في غرفة الضيوف، وفي صباح اليوم التالي كان الضيوف قد تبخروا فعلا! وكذلك أكياس الخيش. - ضحكت كثيرًا وجدي يروي لي كيف أنهم لم يستطيعوا مقاومة إغراء سرقة الأكياس والرحيل قبل طلوع الشمس، وبالطبع لم يكن بإمكانهم العودة إلى المدينة بعد فعلتهم تلك! بعد سنوات قليلة جاء لصوص من نوع آخر وسرقوا البلاد بأكملها، سرقة من مستوى رفيع من النوع اللي بيبكي مش من النوع اللي بيضحك. بئر الزيبق بئر أثري يقع بين مدينتي اللد والرملة، ويقال أن المقدم «علي الزيبق» أحد قواد صلاح الدين الأيوبي هو من حفره وأنشأ قبة جميلة فوقه، وكانت مدينة اللد في بدايات القرن العشرين مدينة مزدهرة جدًا وكان يأتيها الكثير من الزوار من مختلف أنحاء الوطن العربي، البعض كان يأتيها بحثًا عن عمل والبعض الآخر كان يمر بها أثناء عبوره فلسطين باتجاه مصر أو العراق والحجاز، واحد زوار اللد المغاربة هو بطل حكايتنا هذه مع بير الزيبق أو (بير الزيبأ) بلهجة أهل اللد. «العقل في الرأس»..عبارة كانت مكتوبة على قبة صغيرة كانت مبنية فوق البئر، ولم يكن أحد يعلم سر هذه العبارة التي كان يمر عليها رواد البئر مرور الكرام،وذات يوم مر باللد رجل من المغرب وتودد إلى عائلة حسونة، وهي إحدى العائلات الكبيرة في المدينة وأقام ضيفًا عندها، وذات يوم مر بجانب البئر وقرأ العبارة المكتوبة عليه. حدثني جدي أنهم في صباح اليوم التالي وجدوا القبة مكسورة، وبداخلها جرة مهشمة، ويبدو أن الجرة كانت تحتوي على كمية من الذهب، لكن أحدًا لم يفهم سرها سوى الرجل المغربي الذي استنتج سر الجرة، واستخرج الذهب بعد أن كسر قبة البئر، ليختفي هو والذهب بعد أن ترك للعائلة التي استضافته بعض النقود الذهبية. لا يزال البئر حتى الآن موجودًا على الشارع الرئيسي القديم القدس- يافا، والذي يمر من قلب مدينتي اللد والرملة، وهو بحالة جيدة ويمكن ملاحظة القبة التي قام بترميمها أهل مدينة اللد قبل النكبة.