يخطيء من يصنف تيارا سياسيا بالجملة، أياً كان هذا التيار، فداخل كل اتجاه سياسي، من يتصف بالثورية ومن ينتمي لفريق الإصلاحيين، وبينهم أصحاب المصالح الذين يرتبطون بالفكرة ليس ولعاً بوهجها، وبما تمتلكه من قدرة على مواجهة الواقع وتحقيق أحلام المجتمع، لكن بقدر ما يحققه الارتباط بهذا التيار في هذه اللحظة الفارقة من مصالح لهولاء. وإذا كانت "الناصرية" هي خلاصة الوطنية المصرية كما عرفها العالم جمال حمدان عندما قال:" هي المصرية كما ينبغي أن تكون.. أنت مصري إذن أنت ناصري.. حتى لو انفصلنا عنه (عبد الناصر) أو رفضناه كشخص أو كإنجاز. وكل حاكم بعد عبد الناصر لا يملك أن يخرج على الناصرية ولو أراد إلا وخرج عن المصرية أي كان خائنا"، لكن ذلك لا يعفيها من كونها تيار سياسي يصاب بأمراض، وأوباء العمل العام. ويبدو أن هناك عوامل تؤثر في طبيعة الشخص المنتمي للتيار السياسي، وانحيازاته، منها طبيعة التنظيم الذي استقبله ومدي ثوريته وبعده أوقربه من السلطة القائمة، ومدي استيعابه لأدبيات تياره السياسي وقدرته على تطويرها طبقاً لظروف الواقع، ومن هنا كان التقسيم الأولي في تيارنا السياسي بين من يمكن أن نطلق عليهم الناصريين ب"التجربة" ممن عايشوا فترة ناصر وكانوا شهودا على سياساته، وانجازاته، وانحيازه للفقراء، وناصريوا المشروع والعقيدة، الذين يرون في "عبد الناصر" تعبيراً عن الوطنية المصرية بما تمثله من مشروع حضاري استقلالي منحاز لقضايا الوطن. النوع الأول يختزل "ناصر" في كونه ضابط جيش وطني، وهو اختزال مخل لتاريخ زعيم، قرأ التاريخ واستوعبه، وانحاز لقضايا وطنه من خلال "التجربة والخطأ" حتي امتلك"مشروعا وطنيا" لتحقيق العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني، قائم على 3 مباديء هي الحرية والاشتراكية والوحدة وحتى هذه المفاهيم التي يرفعها كل الناصريين على السواء، فتحمل وجهات نظر مختلفة، فالبعض يقف موقف المحايد من الحريات، فيما يري الفريق الثوري أنها بشقيها حرية "الوطن والمواطن" هي الركيزة الأولي لبناء وطن، وفيما يختلف الفريقين علي مفهوم الاشتركية، يقف الطرف الأول عند النقطة التي انتهي إليها ناصر بسبب رحيله، بينما يتطلع الطرف الأخر"الثوري" إلى ما كان يسعي ناصر لتحقيقه إذا أمد الله في عمره من استكمال طريق الاشتراكية، بعد تحقيق نصر أكتوبر الذي خطط وأعد له. وانطلاقاً من الماضي إلى اللحظة الراهنة، يري الطرف الإصلاحي أن الجيش هو المسئول عن تحقيق الأحلام في إطار البحث عن زعيم، بينما يقف الطرف الثوري، في موقف المقدر لدور الجيش الوطني كدرع أمان الوطن واللوذ عنه ضد الأعداء، والمدافع عن الشعب باعتباره صاحب الثورة، ويرفض الحديث عن زعيم ملهم، بل يتبني مصطلح "المشروع الملهم" الذي يسعي لبناء مجتمع العدل الذي يضمن توزيعاً عادلا للثروة، عبر بناء نظام اقتصادي وطني تتحمل فيه الدولة أركانه الرئيسية، وتسمح للقطاع الخاص بالعمل، في كنف الدولة بما يخدم مصالحها وليس مصالح رجال الأعمال، ويضمن استقلالية القرار المصري عن الولاياتالمتحدةالأمريكية ومنظمات المجتمع الدولي التابعة للغرب، ويؤمن بان صراعنا مع العدو الصهيوني صراع وجود لا حدود، لن ينتهي إلا بالقضاء على الكيان الصهيوني وتحرير كامل التراب العربي والقضاء على المنظمة الصهيونية العالمية، التي تمثل رأس حربة للدول كافة التي تعنمل على استغلال ثروات المنطقة وتمثل ذراعاً للمستعمر أياً كان لونه اوشكله أوخطته، فمن لندن إلى واشنطن تلاقت مصالح الصهاينة مع المستعمر للأرض العربية، ونؤمن بضرورة العمل على الوحدة العربية بدأ من وحدة الموقف إلى وحدة الأرض والمشروع. وبينما يقف الطرف الأول متحدثاً عن إمكانية التصالح مع "فلول نظام مبارك" باعتبار أننا واقعون في فك الاختيار الإجباري بين "سارق" (فلول مبارك).. و"قاتل إرهابي" (الإخوان وحلفائهم)، نري أن "الإخوان والفول" وجهين لعملة الفساد، وكلاهما يرتبط بالرأسمالية العالمية المتوحشة، ومصالح الأمريكان ويعبر عن مصالح فئة ولا ينحاز للكادحين والفقراء من أبناء المجتمع، وبالتالي رفض كليهما، والنضال من أجل تحقيق أهداف الثورة واجب وطني . وانطلاقاً من هذه الثوابت ..فان اختزال "ناصر" في بدلة عسكرية مع تقدير واحترام دور الجيش كأحد أهم مؤسسات البلاد، هو اختزال مخل يعرض "الناصرية" لأزمة مستقبلية، اختزال يصنفها كمجرد حركة نفذها الجيش لرفض الاستعمار وليس مشروعا وطنياً استقلاليا حدد انحيازاته منذ اللحظات الأولي ، وإن ربط "السيسي" ب "الناصرية" دون معرفة برنامجه السياسي او انحيازاته هو أيضاً ربط مخل يعرض مشروعنا السياسي لهزيمة شعبية، ففي الوقت الذي يلجأ فيه كل من يحاول التودد للشعب بصورة "ناصر" التي ارتبطت في ذهن المواطن بالكرامة والعدل، إلى شخص ربما يخطيء ويصيب، سيبقي نجاحه وفشله مؤثراً على مستقبل المشروع السياسي برمته..فهل نسلم "الناصرية" للمجهول