يري النقاد أن جمال عبد الناصر ، لم ينل حقه في أعمالنا الإبداعية، تختلف الأسباب ما بين تعنت الرقباء في أزمنة مختلفة، والرغبة في تجاهله وقت فترات الحكم التي أعقبت وفاته لأسباب متباينة ،وربما وصل الأمر إلي إنتاج أعمال بهدف تشويهه، ورغم كل ذلك ،ظل عبد الناصر حاضرا في أذهان المصريين، وما زال صوته يحنو علي الشعب .. الذي لا يمل من انتظاره من جديد.. ليظل دوما في الصدارة. عبر الناقد د . حسن عطية عن أسفه بسبب عدم الاهتمام بتجسيد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فنيا سواء في السينما أو الدراما أو المسرح، وذلك بسبب كم الهجوم الذي تعرض له، ووصف البعض له بالشخصية الدكتاتورية . إضافة إلى قيام محمد أنور السادات بمحو تاريخ ناصر في 15 مايو1971 ،والدفع بأعدائه لتصدر المشهد السياسي وقتها، وفتح الملفات القديمة لتشويه سمعته ،لعدة أسباب أهمها كونه أحد المنتمين لتنظيم الضباط الأحرار الذين قاموا بثورة يوليو ،دون أن يفز وقتها بمنصب فاعل في تاريخ الثورة. لذلك يفسر د. حسن عطية، ظهور أفلام مثل "الكرنك" وقت حكم السادات للهجوم علي فترة حكم السادات وتشويها ،وهو ما دعي بعض النقاد وقتها إلي تعريف هذه الأفلام ب " الكرنكة" نسبة إلي فيلم الكرنك، ومن هذه الأعمال " طائر الليل الحزين لوحيد حامد ،وزوار الفجر لرفيق الصبان . ويري عطية أن فترات حكم السادات ومن بعدها مبارك، تعمدتا إبعاد عبد الناصر عن الشاشة، إلا أن ذلك لم يغيب شخصيته عن وجدان الجماهير التي كانت ومازالت تتطلع إلي الزعيم القوي العادل ، وقد ظهر هذا عند عرض فيلم ناصر 56 للكاتب محفوظ عبد الرحمن و المخرج محمد فاضل . ولفت عطية إلي قيام كثيرين برفع صور عبد الناصر في الميادين خلال ثورتي 25 يناير و 30 يونيو فاجأت الجميع برفع صور لعبد الناصر في الميادين تأكيدا على الحضور الطاغي وتأكيدا أيضا على احتياج "ناصر جديد" . وأضاف عطية إلى أن عبد الناصر ذكر كثيرا في العروض المسرحية سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مثل مسرحية " الفتى مهران " لعبد الرحمن الشرقاوي ، " حلاق بغداد " لألفريد فرج ، وكذلك في مسرحية " المسامير " لسعد الدين وهبه والتي كتبت بعد نكسة 67 مباشرة وتدور أحداثها حول واقعة دنشواي في أوائل القرن العشرين ، حيث تتوجه البطلة فيه إلى الزعيم ، قائله "تشبث يا عبد لله بموقعك وأضرب يا عبد لله ولا تسمع للمرتعشين حولك ولا تجعلهم يصبون العسل في أذنيك ، فالشعب يحتاجك والثورة مستمرة" . وفى سياق متصل قال الناقد محمد الروبي، أنه رغم عدم الكتاب بتناول جمال عبد الناصر، بنفس القدر الذي يستحقه إلا أن تراثنا الإبداعي قدمه بصور غير مباشرة في الكثير من الأعمال الشعب ،ويجب إدراك حقيقة أن الشعب المصري يعرف جيدا ما قام به ناصر من أجل مصر، وظهر ذلك اثناء خلال ثورة يناير عندما تعالت أصوات كثيرين بهتافات حلمت بعودته ،وهو ما يؤكد فقدان الشعب له . وأضاف الروبي إلي توافر مساحات من الحرية الآن في مصر بما يمكن المبدعين من الكتابة وتناول عبد الناصر وغيره في أعمالهم دون زيف حتي تبقي أعمالهم كما بقي ناصر. بينما يؤكد الناقد السينمائي د. وليد سيف أن روائع الفن ليست بالكم و بالرغم من وجود تجاهل وعدم اهتمام بناصر بسبب التعتيم الذى واجهه الا وجود فيلم بأهمية وقيمة " ناصر 56 " كفيلا برد الاعتبار لعبد الناصر إضافة إلي الفيلم الوثائقي القصير" رغيف العيش والحرية " للمخرج طارق الزرقاني حيث تناول الفيلم الدور المبهر لبعد الناصر في محاولة إنقاذ مصر من الجوع ، وهذاما يؤكد على عدم نسيان الشعب له رغم ندرة الأعمال التي تناولته في المسرح والسينما والتليفزيون . ويذكر سيف واقعة اعتراض الرقابة فترة حكم عبد الناصر علي التصريح بعرض فيلم "شيء من الخوف" للمخرج حسين كمال، بدعوي لناصر ب " الديكتاتور" ،إلا أن عبد الناصر أنهي الأزمة وقتها ووافق علي عرضه جماهيريا بعد مشاهدته الفيلم بنفسه ولم يعترض عليه، وهو ما يدعونا للاهتمام بتقديمه بالشكل اللائق به في أعمالنا الإبداعية. وفى سياق متصل يري الناقد والكاتب المسرحي د. عصام عبد العزيز- أستاذ الدراما والنقد بأكاديمية الفنون، أن عبد الناصر أخذ حقه وقدمت العديد من الأعمال السينمائية التي تحكى عن حياته منها ما قدمه أحمد زكى و خالد الصاوي ، في فيلمين منفصلين لكل منهما رؤيته، إضافة إلي ما كتب بطريقة غير مباشرة، ولا يمكننا إنكار وطنية هذا الرجل ، ولا يمكن أن نحكم عليه بالسالب بسبب النكسة الوارد أن تحدث لأي شعب ، أما في المسرح فكان هناك خوفا من الكتابة عنه لسببين ، الأول هو الرقابة والثاني الحرص على عدم تدخل المبدعين في الشأن السياسي خلال حقب زمنية معينة ومعروفة، ولكن الآن وفي ظل تمتع المبدعين بمساحة حرية أكبر يستطيع أي شخص أن يكتب ويعبر عما بداخله بشجاعة دون خوف أو قمع .