ضمن برنامج الأفلام الكلاسيكية، التي تم ترميمها حديثا تعرض بانوراما الفيلم الأوربي، في دورتها السادسة المقامة حاليا من 27 نوفمبر إلي 7 ديسمبر ، احد أهم أفلام السينما الفرنسية ،" هيروشيما حبيبتي "،إنتاج 1959 ، و هو أول أفلام المخرج الفرنسي الكبير آلان رينيه ، كتبت له السيناريو الروائية الفرنسية الشهيرة مرجريت دوراس ، بطولة الفرنسية ايمانويل ريفا ،و الممثل الياباني إيجي اوكادا ، عرض الفيلم في مهرجان كان السينمائي الدولي لكنه بسبب الضغوط الأمريكية ضده باعتباره مناهضا للسياسة الأمريكية لم يتمكن من المشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان. الفيلم قصيدة شعرية سينمائية في هجاء الحرب، يتناول مأساة القنبلة النووية الأميركية التي أُلقيت على مدينة هيروشيما اليابانية، عام 1945،لتنهي بها القوات الأمريكية الحرب العالمية الثانية بإبادة أهل مدينتي هيروشيما و نجازاكي في أبشع صورة عرفها تاريخ البشرية للحروب . الفيلم دعوة للتأمل في الذاكرة و النظر فيما وراء الشكل الخارجي إلي التفاصيل الإنسانية لأثر أحداث ضخمة كالحرب علي البشر ، في أحداث الفيلم التي تدور في يوم و ليلة ممثلة فرنسية تذهب إلي مدينة هيروشيما بعد 13 عاما من المأساة لتصوير فيلم أوربي عن السلام ،و تعيش علاقة حب مع رجل ياباني يمزجا فيها بين مشاعرهما العاطفية و تأملاتهما في ذاكرة كل منهما، فتستعيد معها ذكريات حبها الأول لشاب ألماني والذي فقدته أثناء الحرب قبل 15 عاما، و كيف عاشت حالة من تجريم علاقتها به ، و التنكيل من عائلتها و أهل قريتها، و يحكي لها هو كيف فقد عائلته بأكملها في مأساة هيروشيما فيما نجا هو لأنه كان في الحرب علي الجبهة . يبدأ الفيلم بتوثيق سينمائي لمأساة ما حدث في هيروشيما، يجمع بين لقطات و صور من متحف هيروشيما و مشاهد سينمائية لمعاناة الناس أثناء الأحداث، استعان بها المخرج من فيلم ياباني يدور حول ما حدث في هيروشيما ،فيما يدور حوار شاعري بين بطلي الفيلم فتقول هي أنها رأت كل شئ في هيروشيما ،و يصر هو أنها لم تر شيئا علي الإطلاق من المأساة ،و يتسم الحوار بين الفرنسية و اليابانية بكثافة اللغة الشاعرية المتأملة في مخابئ الذاكرة التي تحاول الشخصيتان الهرب منها ،و من أحزانها،تساؤلات مفتوحة عما نظن حقا أننا نعرفه عن الحياة و مآسي البشر، فبينما المشاهد في الفيلم تتوالي من المآسي التي يوثقها متحف هيروشيما يصر الحوار انك لم تر شيئا . من خلال انعكاس الحرب علي الروح و ما يبقي في الذاكرة يدور الفيلم في زمنين مختلفين ، زمن أحداثه المعاصرة في هيروشيما أثناء لقاء بطليه و زمن الحرب العالمية الثانية قبل 15 عاما في فرنسا ،و في الفيلم تأملات فلسفية في الزمن و الذاكرة و معني الحقيقة، فيما تؤكد البطلة انه علينا أن "نتعلم كيف ننظر و كيف نتذكر" . رحل غالبية من شاركوا في هذا الفيلم البديع و خلال عرضه في البانوراما شاركت في الحضور،الفنانة الفرنسية السكندرية الأصل سيلفت بيدرو، مشرفة السيناريو في الفيلم و قالت إن المخرج آلان رينيه رفض كل ضغوط شركة الإنتاج ليصور الفيلم بجزء ألوان و آخر ابيض و اسود ،و أصر علي تصويره كاملا بالأبيض و الأسود ، كما أصر أن يقوم طاقمي عمل مختلفين بتصوير المشاهد في اليابان و فرنسا كأنهما فيلمان منفصلان ليأخذ كل جزء منهما طابعا مختلفا ،و لهذا كان فريق العمل الفني في الفيلم ياباني قي الأجزاء التي صورت في اليابان بما فيها التصوير و الصوت و غيرها و قالت أنها كانت التقنية الفرنسية الوحيدة التي ذهبت مع فريق الفنانين إلي اليابان لإجادتها الانجليزية لتسهيل التعامل مع الفنيين اليابانيين . و رغم أن غالبية النقاد يعتبرون الفيلم تدشينا لموجة السينما الجديدة في فرنسا ،أصرت سيلفت بيدرو أن آلان رينيه لا ينتمي إلي موجة السينما الجديدة و يعمل في أفلامه بآليات عمل تختلف عن آلياتها و رؤاها .