كان إلقاء قنبلة ذرية علي مدينة هيروشيما قبل ستة وستين عاماً »1945/8/6« إيذاناً بنهاية الحرب العالمية في الشرق الأقصي، وذلك باستسلام اليابان ببداية ما اصطلح علي تسميته بالحرب الباردة بين الولاياتالمتحدة والدول الدائرة في فلكها من ناحية، والاتحاد السوفيتي والدول التابعة له من ناحية أخري. وهي حرب ليست كغيرها من الحروب، فنيرانها لم تشتعل لا لشيء سوي أن طرفيها كليهما كان مسلحاً بترسانة من القنابل النووية والهيدروجينية والكفيلة فيما لو استعملت بالقضاء علي الحياة في البر والبحر خلال بضع ساعات. ومع نشر صور الدمار الشامل غير المسبوق الذي لحق ب »هيروشيما« ثم مدينة »نجازاكي« التي ألقيت عليها هي الأخري قنبلة ذرية بعد بضع ساعات من إلقاء قنبلة »هيروشيما«. ومع اتضاح خطورة سباق التسلح بتلك الأنواع من القنابل التي يؤدي استعمالها إلي هلاك مئات الآلاف من المدنيين العُزل من السلاح إن لم يكن الملايين. تحركت الأقلام والأفلام لتشجب وضع الإنسانية الذي علي حافة الهاوية، بسبب غطرسة القوي الذرية العظمي، وقصر نظر نفر من ساستها. ومن بين الأقلام الرائدة في هذا الخصوص قلم الأديب الأمريكي »نيفيل شوت« والأديبة الفرنسية »مارجريت دورا«.. فالأول ألف قصة تحت اسم »علي الشاطئ« مدارها حرب نووية أدت إلي نهاية البشرية.. أما هي فكتبت سيناريو تحت عنوان »هيروشيما.. حبيبي«.. وكلاهما، رأي القصة والسيناريو ترجما إلي لغة السينما بنفس الاسم وذلك قبل حوالي خمسين عاماً »1959«. و»علي الشاطئ« فيلم من نوع الإنتاج الضخم المرصع ببعض النجوم الساطعة في سماء هوليوود »جريجوري بيك« و»إيتا جاردنر« و»فريد أستير« أخرجه »ستانلي كرامر« ذلك السينمائي الذي تميزت أفلامه بأنها تحمل رسالة. والفيلم يقول من بين ما يقول: إنه أثناء عام 1964 ضغط شخص ربما خطأ علي أحد الأزرار، فشبت نيران حرب نووية أحالت كرتنا الأرضية أنقاضاً.. ولم يبق علي ظهر البسيطة سوي مدن نائية في استراليا وغواصة أمريكية تائهة، فيها بعض عشرات من بني الإنسان، محبوسون في مصيدة الموت كالجرذان. ومن بين الأسئلة التي يطرحها أبطال الفيلم، وهم ينتظرون موتاً بشعاً بالإشعاعات الذرية، سؤال لا يزال يبحث عن إجابة حتي يومنا هذا: من المسئول عن الخوف من الذرة وإشعاعاتها المستبد بقلوبنا؟.. هل هم السياسيون؟.. هل هم العسكريون؟.. أم أن المسئول هو »ألبرت إينشتاين« صاحب نظرية النسبية الذي قال لنا: إن الذرة من الممكن أن تنفلق. وعلي كل، فالفيلم ينتهي بالعالم وقد أصبح خراباً، وكلمة معلقة في ميدان خال، تقول: »مازال هناك وقت«. هذا عن الفيلم الأمريكي الذي فقد الكثير من تأثيره بحكم عاديات الزمان. أما الفيلم الفرنسي وهو من إخراج »آلان رينيه« - أحد رواد الموجة الجديدة الفرنسية - فلا يزال محتفظاً بتأثيره حتي هذه الساعة. وعكس الفيلم الأمريكي »هيروشيما.. حبيبي« ليس من نوع الإنتاج الضخم، بطلاه ممثلة فرنسية وممثل ياباني، وكلاهما »إيمانويل ريفا« و»إيجي أوكادا« غير معروف لجمهور السينما خارج بلده، فرنسا أو اليابان.. وبطلة الفيلم فرنسية، نجمة سينما، متزوجة ولها ولدان.. أما البطل فياباني، متزوج، ومهندس وهما يلتقيان لقاء عابراً، علي أرض هيروشيما. وقصته هي قصة أول مدينة تدمر مع شعبها بقنبلة دمار شامل.. أما هي فلها بدورها قصة ولكن في مدينة نيفير بفرنسا، أثناء الاحتلال.. واكتفي بما جاء علي لسانها هي، لا هو، عن هيروشيما، قالت: إنها رأت جلوداً، أصبحت أحجاراً، وشعوراً سقطت من علي رأس النساء، وصور الأطفال الذين كانوا في بطون أمهاتهم ونزلوا عمياناً.. وصورة الرجل الذي عجز عن النوم لسنوات وهكذا.. وهكذا. وما حدث في هيروشيما قبل حوالي ثلثي قرن من عمر الزمان، يحدث الآن في »فوكوشيما« بفعل انفجار المفاعلات النووية، وتسلل الإشعاعات وقد يحدث في بلاد أخري، أقل تقدماً من اليابان مثل الهند وباكستان وإيران.. والسؤال القديم، لا يزال مطروحاً: من المسئول؟