(1) إستقلال القضاء من الأمور التي يختص بها جموع الشعب وليس القضاه وحدهم. “نعم القاضي والمدرس اصحاب رسالة سامية ويجب أن لا يقل مرتبهم عن أكبر مرتب يحصل عليه أي شخص في الدولة” بهذه الكلمات وباهتمام خاص رد والدي حين وجدني أخبر أخي ان 27 أغسطس هو يوم للتدوين من أجل استقلال القضاء, فمنذ الصباح وتسيطر علي افكاري حيرة لم تصيبني من قبل فإذا اردت ان اكتب شيئا في هذا اليوم لدعم معركة القضاه في نزع استقلاليتهم في هذا التوقيت الحاسم من تاريخ الوطن ماذا أكتب ؟! افكار عديدة تكاد تفجر رأسي لن يكفيها عشرات المقالات, كلمات والدي زادتني حيرة هل الحديث عن مرتبات القضاء هو المناسب في مثل هذا اليوم ؟ وماذا عن التعليم هل يجب علي ان اتناوله في نفس الموضوع؟؟ في نهاية الحوار وجدتني قد أيقنت تماما إن كلاهما لا يقل اهمية عن الآخر فإن كان القضاء هو الضامن لتحقيق العدل وحماية كافة الحقوق الإنسانية, فالتعليم هو عملية البناء التي تشكل ثقافة ووعي الأفراد الذين يشكلون بدورهم المجتمع بقضائه ومحامييه وإعلامييه وعماله وكل طوائفه وفئاته, حتي لا أطيل اود ان اخبركم أن يقيني هذا لم يقلل من حيرتي بل زادها وكان عليا الحسم الأن لأبداً في الكتابة , نعم القضاء والتعليم اهم معارك الثورة المستمرة وهذا ما سأتناوله عبر سلسلة من المقالات اتمني ان تتاح لي الفرصة لإستكمالها ونشرها. دون أن اخفي أملي في ان يهتم المدونين المصريين بتخصيص يوم للتدوين من أجل التعليم. أما عن إستقلال القضاء فلا يمكن تصور أن يكون هناك أي تحول ديمقراطي فعلي في مجتمع ما دون أن يشمل هذا التحول تطهير مؤسسته القضائية التي فشلت في حمايته من فساد ونهب وتشويه دام لإكثر من 30 عاما وفشلت في إغلاق ابواب الإفلات من العقاب في وجه عصابة سيطرت علي ثروات البلاد وأهانت الوطن وكرامته, وفشلها ليس خطيئتها الوحيدة بل ان هناك بعض القضاة الذين استخدموا سلطاتهم وعلاقتهم في تلفيق قضايا جنائية في حق النشطاء علي خلفية مطالبتهم بما هو حق ,كما إن هناك عدد من القضاة الذين ثارت حولهم شبهات الفساد والرشوة دون أن يتحرك للنائب العام -القابع في منصبه حتي الأن والذي أهدرت دماء خالد سعيد علي يد النظام الساقط في عهده- ساكن , ودون أن يجرؤ حتي علي اتهام وزير الداخلية أو فتح تحقيق في ممارسة التعذيب المنهجي ضد مواطنين ابرياء رغم وجود ما يكفي من أدلة لإدانته, انما اكتفي بأن يملئ ادراج مكاتبه بتظلمات وبلاغات الأبرياء دون أن يشغل رأسه بفتح تحقيق حتي وإن كان صوريا, وهذا ما ساهم بدوره في أن يرتع الطغاة في بلدنا وهم علي ثقة تامة بقدرتهم علي الإفلات من العقاب إذا ما تعرضوا للمسائلة من الأساس. فالثورة التي اسقطت الفرعون عليها أن تعي الأن أن معركة إستقلال القضاء ليست معركة مجموعة من الشرفاء في المؤسسة القضائية فحسب, وإنما هي معركة كل مصري يريد لهذا البلد أن يتقدم وينهض ليصبح في مكانته الطبيعية بين الدول, فهذه المعركة تستحق أكبر دعم شعبي ممكن حتي اذا تطلب الآمر خروج المصريين بالملايين والعودة للإعتصام في ميدان التحرير, فاهميتها لا تقل عن معركة إسقاط مبارك إن كانت لا تزيد, وهذا الأمر قد أكده المستشار أحمد مكي – احد قضاة تيار الإستقلال المحرك الرئيسي لإنتفاضة القضاه في عام 2006 ورئيس اللجنة المكلفة من قبل رئيس المجلس الأعلي للقضاء الحالي لمراجعة قانون السلطة القضائية – في رده علي قضاة تيار “الإصلاح والتغيير” حين أكدوا انهم يملكون أغلبية اعضاء اندية القضاه في مصر قائلا في احدي الصحف الإقيليمة أن هذا الأمر “يخص جموع الشعب المصري، الذي يهمه في مسيرته للمستقبل أن يكون في بلاده قضاء مستقل”. إن إستقلال القضاء يعني في الإساس عدم التدخل او التأثير المادي او المعنوي من قبل أي سلطة او جهة او شخص في عملية اختيار القضاه او عملهم , الأمر الذي اكدته التشريعات الدولية والدساتير المصرية المتعاقبة في ذكرها لمبدأي الفصل بين السلطات و استقلال القضاء احد اهم الشروط والضمانات الاساسية للمحاكمة العادلة , تحقيق استقلال القضاء يتنافي مع السماح للسلطة التنفيذية أو رئيس الدولة بالتدخل أو التأثير في عملية اختيار القضاء او النائب العام أو الجمع بين منصب قضائي وآخر تنفيذي في توقيت واحد مثلما كان الحال في عهد الديكتاتور المخلوع. أما عن عملية تعيين رؤساء المحاكم ونوابهم والنائب العام وفقا للعرف السائد الذي يعتبر الأقدمية هي المعيار لإختيارهم فهي تحتاج للمراجعة, خاصة وإن الأقدمية إن كان من الممكن إعتبارها دليل علي الخبرة فليس من المنطقي الإكتفاء بها للتدليل علي الكفاءة, لا سيما وإن كنا نتحدث عن القضاء الضامن لتحقيق العدل وحماية الحقوق الإنسانية. وأخيراً اود أن ادعوا السادة المستشارين حسام الغرياني واحمد مكي من قادة تيار الإستقلال لنشر القانون الذي اعدته لجنة مكي وطرحه للنقاش المجتمعي وقبول التعليقات ومناقشتها حتي يتمكنوا من حشد التأييد الشعبي اللازم لمواجهة أغلبية تيار الاصلاح والتغيير داخل اندية القضاة , مع الوضع في الإعتبار انني لا أقصد بهذا محاولة اقصائهم من مناقشة تعديلات قانون السلطة القضائية ,وإنما أقصد عدم احقيتهم في إقصاءنا نحن من مناقشة هذه التعديلات. اما عن راتب القضاه والمدرسين ودخلهم الذي يجب ان يضمن استقلاليتهم وأقنعني والدي بأهمية تناوله فسأجد متسعاً للحديث عنه في مقالات قادمة.