سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المستشار محمود الخضيرى فى حوار ما بعد الاستقالة.. نظرة على أوضاع القضاء من الخارج (1 - 3): «النظام الحاكم» يريد إذلال القضاة.. والدولة جعلت لجوء المواطنين للمحاكم «مضيعة للوقت»
«أشعر براحة نفسية كبيرة منذ أن تقدمت باستقالتى».. بهذه العبارة بدأ المستشار محمود الخضيرى، نائب رئيس محكمة النقض «المستقيل»، حواره مع «المصرى اليوم»، سارداً عدة أسباب دفعته للانسحاب من منصة القضاء بعد 46 سنة خدمة. منها «احتجاجه على تردى أوضاع القضاة. ويأسه من إصلاح أحوال القضاء». الخضيرى «69 سنة» استقبلنا فى منزله بالإسكندرية ب«الجلابية البيضاء»، متخليا عن ملابسه الرسمية عند استقباله ضيوفا فى بيته، وكأنه يؤكد فى كل تصرف أنه استقال من القضاء دون رجعة بعد أن أمضى فيه 46 سنة بالتمام والكمال منذ التحاقه به العام 1963، قبل مذبحة القضاة الشهيرة بخمس سنوات كاملة. واللافت أن الخضيرى لا يرى فى استقالته ما يدعو إلى الدهشة أو التعجب الذى يبديه البعض، مؤكدا أن أى قاض يكفيه سبب واحد لتقديم الاستقالة، قائلا «سارعت بالاستقالة خوفا من الزلل لأن الخطأ فى محكمة النقض خطير ولا يمكن إصلاحه، فإذا ضاع حق لمواطن فى النقض بخطأ قاضٍ فقد ضاع إلى الأبد». هذا «الحس الفطرى للعدل» جعل الخضيرى يعرب عن دهشته أكثر من مرة بشأن الضجة التى أثيرت حوله منذ انفراد «المصرى اليوم» بخبر استقالته، الخضيرى أصبح «على راحته» كما أكد لنا كثيرا خلال الحوار، مشددا على أنه «سيفتح على الرابع والخامس ولو فيه سادس كمان» سواء فى نقده لتصرفات وممارسات السلطة ضد القضاء، أو فى الدفاع عن الحريات. وإلى الحلقة الأولى من الحوار: ■ سعادة المستشار.. لماذا الاستقالة فى هذا التوقيت؟ - استقالتى فى هذا التوقيت بالذات مناسبة، حتى لا يتم إرباك العمل قبل العام القضائى الجديد، فى الدائرة التى أترأسها، وأيضا عند توزيع العمل القضائى فى المحكمة، ويجب أن أوفق بين مصلحة العمل ومصلحتى الشخصية، لذلك لم أفكر فى نفسى فقط، فكان من الممكن أن أستقيل فى العام الماضى، وحتى لا تتغلب مصلحتى الشخصية على مصلحة العمل، كما أننى قدمتها إلى المستشار عادل عبد الحميد، رئيس محكمة النقض، حتى أعطيه الفرصة لاختيار رئيس دائرة مكانى، وهذا أمر صعب، خصوصا لو كنت قدمتها قبل بداية العام القضائى بأيام قليلة، مما سيحدث ارتباكاً فى العمل بالمحكمة. ■ البعض يردد أنك كنت ستحال إلى المعاش فى 30 يونيو المقبل والاستقالة فى ذلك التوقيت لجذب الانتباه؟ - هذا كلام مردود عليه، لأن الفترة المقبلة هى عام قضائى كامل، والمقربون منى يعرفون أننى كنت سأستقيل منذ عامين، كما أننى قررت أن أستقيل العام الماضى أيضا، وما منعنى أن استقالتى كانت ستكون فى منتصف العام القضائى مما قد يربك العمل وتكون فى النهاية على حساب مصلحة المتقاضين. ■ بصراحة هل جاءت الاستقالة بعد تأكدكم من عدم رفع سن التقاعد للقضاة؟ - أنا لم أنتظر مد السن فى أى وقت، كما أننى من المعارضين بشدة داخل القضاء لمد سن التقاعد للقضاة، لأن سلبياته ومساوئه أكثر بكثير من مزاياه، كما أن المد وارد فى أى وقت، ويمكن أن يحدث أو لا يحدث، ولا أحد يستطيع الاطمئنان إلى حقيقة معينة، فقد يتم رفع السن إلى 72 سنة، وقد لا يتم ذلك، وأنا لا أراهن على رفع السن، وقررت أن أتخذ قرارى الذى اطمأن إليه قلبى. ■ لكن إذا تأكد لك أن هناك مد سن إلى أكثر من 70 سنة.. ماذا كنت ستفعل؟ - تقصد أننى كنت لن أستقيل.. لا.. فحتى لو كان هناك مد لسن التقاعد كنت ساستقيل.. والدليل أننى كنت عازماً على الاستقالة منذ عامين رغم مد السن من 68 سنة إلى 70 لكن الزملاء أقنعونى وقتها بتأجيلها. ■ وما رأيك فيمن يقول إن استقالتك فرقعة إعلامية؟ - هذا كلام تافه ليس له معنى.. وفى الحقيقة لا يجب الرد عليه أصلا، لكن ما سأقوله فقط هو أننى لو أردت «شو إعلامى» أو «فرقعة إعلامية»، لكنت قد أبلغت جميع وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، ووزعتها عليها، كما كان بمقدورى الدعوة إلى مؤتمر صحفى، خصوصا أننى قدمتها منذ أسبوع تقريبا لرئيس محكمة النقض الذى أحالها بدوره إلى المكتب الفنى للمحكمة، لكن ما حدث كنت أنت أول من اتصل بى لمعرفة حقيقة الأمر، فكان السبق ل«المصرى اليوم»، وأنا لم أكن أنوى أن أفتح هذا الأمر فى الوقت الحالى، وكنت سأنتظر الوقت المناسب. ■ وما هو الوقت المناسب؟ - فى بداية العام القضائى، أى فى الأول من أكتوبر المقبل، حتى تكون على مكتب وزير العدل، أى ستكون قد دخلت حيز التنفيذ. ■ معنى ذلك أنها لم تدخل حيز التنفيذ؟ - لا بالطبع، فاستقالتى تمت بمجرد كتابتى لها.. لكن القانون ينص على أن الاستقالة تقدم لوزير العدل. ■ لكن الوزير يمكن أن يرفضها طبقاً للقانون، فما رأيك؟ - بالتأكيد يمكنه ذلك.. لذلك قدمتها للوزير دون أسباب، أى أنها «استقالة غير مسببة» حتى لا يتم رفضها، وكانت عبارة عن كلمتين مقتضبتين هما «السيد وزير العدل.. تحية طيبة وبعد، أتقدم لكم باستقالتى من عملى بمحكمة النقض اعتباراً من 1/10/2009 مع الشكر». ■ لكنك ذكرت فى خطابك لرئيس النقض.. بعض الأسباب.. لماذا؟ - بالفعل.. أولاً حتى لا أعرّض المستشار الفاضل عادل عبد الحميد لأى نوع من الحرج وهو يبدأ فترة رئاسته لمحكمة النقض، كما كنت متحفظاً فى ذكر معظم أسبابى حتى لا أحرج أحداً من الزملاء الذين تربطنى بهم علاقات جيدة. ■ قلت فى أول تعليق لكم ل «المصرى اليوم» عقب انفرادنا بخبر الاستقالة أن هناك أسباباً عديدة.. ما هى؟ - من الأسباب التى ذكرتها صراحة فى الخطاب المرفق بالاستقالة لرئيس المحكمة، هى أننى أصبحت زاهداً فى الاستمرار فى العمل القضائى، فقد دفعنى لتقديمى الاستقالة عدم قدرتى وطاقتى نفسيا وجسديا على الاستمرار فى العمل، خصوصا أننى سأبلغ سن 70 عاما بعد أقل من سنة واحدة. ■ هل تعتقد أن مد السن للقضاة يفيد القضاء؟ - رأيى فى هذا «بيزعّل منى» بعض القضاة، لكن فى الحقيقة رفع السن المتتالى للقضاة من 60 سنة حتى وصلنا الآن إلى 70 سنة، أضر ويضر بالقضاء وبالتدرج الوظيفى وبمستقبل شباب القضاة، وعلى فكرة عدد المستفيدين من رفع السن قلة وهم شيوخ القضاة وهم من أصحاب المناصب القيادية بالقضاء. ■ وهل المستشار عادل عبد الحميد كان له موقف من استقالتك؟ - أمام إصرارى وافق فى النهاية، رغم أنه حاول إقناعى بالعدول عن استقالتى، قائلا لى «فكر يا محمود تانى، وهنمشى مع بعض السنة الجاية» فقلت له أنا فكرت وعزمت وتوكلت على الله، واستقالتى ليست وليدة انفعال، بل هى خوف وتعب وعدم مقدرة ويأس، فتسلمها منى قائلا: «أنا مقدر عذرك وأنا مثلك تماما فأغلبنا أصيب بنوع من الملل». ■ ولماذا تقوم الحكومة والنظام برفع سن التقاعد للقضاة؟ - لأنه يعتبر أحد أكبر الوسائل التى تتدخل فيها السلطة التنفيذية للتأثير على إرادة القضاة، وليس مقصودا به - كما يحلو للحكومة أن تشيع – إنجاز العمل والاستفادة من الخبرات، واللعبة التى يجيدها النظام الحاكم مع القضاة أن يقرر رفع السن لفترات من بين سنتين أو أربع حتى يتم المد لأناس بعينهم، وفى أوقات محددة، وهذا يجعل إرادة قيادات القضاة وشيوخهم لعبة فى يد الحكومة تتلاعب بهم، وسن التقاعد يجب أن تكون سناً محددة لا يتم رفعها أو خفضها لأى سبب كان، ولأن لعبة المد بالتقسيط تؤثر على إرداتهم وأعمالهم، وفى نهاية كل عام قضائى يتحول مد السن إلى سوق للقيل والقال، وهذا يؤثر عليهم، بالتأكيد، من خلال حياد واستقلال القاضى. ■ فى رأيك ما السن المناسبة لتقاعد القاضى؟ - أعتقد أنه فى فترة ما بين 60 إلى 65 سنة تكون مناسبة لتقاعده، لأنه بعد سن الخامسة والستين يتناقص جهده، وعطاؤه يقل، ويصبح العمل والتفكير شاقين جداً عليه، وهذا هو ما حدث معى فقد أصبحت أخشى على نفسى من الخطأ، وهذا أحد الأسباب التى دفعتنى لتقديم استقالتى. ■ ما رأيك فيمن يعملون حتى ال80 سنة؟ - الاستمرار فى العمل الرسمى إلى هذا العمر خطيئة، ويمثل خطورة على البلد فهو يصيب كل البلد بالاحتقان والجمود والتصلب. ■ ذكرت لنا أن استقالتك كانت بمثابة صرخة الاحتجاج.. ضد ماذا؟ - ضد جميع المضايقات والمشاكل والمعوقات الموجودة داخل القضاء وفى المحاكم، التى يشعر بها ويعيشها جميع القضاة، بدءا من عدم تنفيذ الأحكام القضائية، مما يصيب القضاة بالإحباط واليأس، ويثير غضبهم وسخطهم على السلطة التنفيذية التى تتعمد ذلك، حيث يشعرون بعدم جدوى عملهم القضائى، فنحن فى محكمة النقض نشعر بذلك، فالطعن عندنا قد يتأخر لأكثر من10 سنوات، فمثلا عندما تشتد المداولة بين الزملاء فى الدائرة يخرج علينا زميل ويقول لنا أنتم تنحرون أنفسكم «على الفاضى»، فالطعن يستغرق سنوات طويلة فى المحاكم، وبعد صدور حكم فيه يقابل بعدم التنفيذ، ومع الأسف الحكومة استطاعت أن تنقل للشعب الإحساس بعدم اللامبالاة بأحكام القضاء، وعدم احترامها، فأصبح الواحد يتندر فى المشاكل والخناقات بمقولة « باب المحكمة قدامك.. روح اشتكينى» لأنه أصبح يعلم أنه لن يحصل خصومه على حقوقهم إلا بعد سنوات طويلة، ويصبح الحصول على الحق فى النهاية دون جدوى، ناهيك عن إنفاق الأموال الكثيرة على المحامين وأتعابهم، ومصاريف أخرى من أجل تنفيذ الحكم، فأصبح اللجوء إلى المحاكم مضيعة للوقت والحقوق، والنتيجة أن المواطن أمامه طريقان: إما أن يترك حقوقه أو يأخذ حقه بيده، وهذا يحدث حاليا باستئجار بلطجية «واضرب وخذ حقك بيديك»، وهكذا تتحول الدنيا إلى غابة، والحقوق تضيع، والحل هات بلطجية، واضرب وخذ حقك بيديك. ■ وأين الدولة؟ - الدولة غافلة. ■ غافلة أم متعمدة؟ - الاثنان معا.. فهى غافلة لدرجة التعمد.. وغفلتها هنا تتساوى مع العمد الذى يصبح عمداً مع سبق الإصرار والترصد. ■ قلت فى أسباب استقالتك أنك محبط؟ - لست وحدى المحبط، فهذا حدث لمعظم القضاة، مصابون بإحباط شديد من أمور كثيرة تحدث داخل القضاء وخارجه، مثل إحالة ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى، وهذا الأمر يمس استقلال القضاء، وهناك أمر آخر يصيب القضاة بالإحباط الشديد، ويعتبر ماسا بكرامتهم، وكنت أشعر به داخل القضاء، ويتردد فى أوساط القضاة، وهو تحويل أحكام البراءة والإفراج إلى حبر على ورق، فبمجرد أن ينطق القاضى ببراءة متهم يقوم الأمن مباشرة باعتقاله مرة أخرى، ولا يسمح له بالخروج من باب المحكمة، والسؤال للدولة، لماذا تعطينى كقاض سلطة الإفراج أو البراءة، وفى نفس الوقت تفرغها من مضمونها تماما؟! وأين كلام الرئيس عن احترام القضاء؟! وهل الاحترام مجرد تعظيم سلام للقضاة فقط؟! ■ لكن الرئيس يحترم القضاة ويقدرهم؟ - الرئيس مبارك دائما ما يردد أنه يحترم أحكام القضاء ولا يتدخل مطلقا فيها ويقدر القضاة ودورهم، لكن الواقع «عكس ذلك تماماً» مع الأسف، فاحترام الأحكام القضائية، ليس كلاماً يقال فى المناسبات، وهناك آلاف الأحكام القضائية، التى تتعمد الحكومة عدم تنفيذها، ومصيرها يكون إلى سلة المهملات. ■ وما هو دور الرئيس هنا؟ - رئيس الجمهورية، مسؤول عن كل شىء يحدث فى البلد، وفى إحدى الدول الأوروبية سمعت أن عدم تنفيذ حكم قضائى أدى لاستقالة الحكومة بالكامل، كما أنه بالتأكيد لا يخفى على الرئيس، أن أحكاماً قضائية كثيرة لا يتم تنفيذها، ولا يمكن أن يحدث ذلك إطلاقا دون علمه، لكن يتم ذلك عن طريق إقناع سيادته بأنهم يفعلون ذلك بحجة مصلحة أمن الدولة واستقرار النظام، ويقولون له إن القضاة يعيشون فى برج عاجى ولا يعنيهم الأمن والاستقرار. ■ بصراحة هل المضايقات «كالمضايقات الأمنية» مثلا كانت وراء تعجيلك بالاستقالة؟ - حدثت مثل هذه المضايقات أيام اعتصامنا بالنادى، احتجاجا على إحالة هشام البسطويسى ومحمود مكى للصلاحية بسبب كشفهما التجاوزات التى حدثت فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وكانت تحدث أيضا طوال فترة رئاستى للنادى، عندما أعلنا أننا سنراقب سير الانتخابات، وسأكشف لك عن أن رئيس مباحث أمن دولة فى الإسكندرية، كان يتصل بى دائما ليسألنى عن حقيقة تحرك قمنا به أو خبر منشور فى الصحف، وكان فى الحقيقة يحصل على معلوماته منى شخصيا، وأنا كنت لا أخفى شيئًا ولا أخاف من شىء، لكن فجأة تغير الوضع، ووجدت تحت منزلى مراقبة على مدار الساعة وكانوا يجلسون بالكرسى بالقرب من سور نادى سموحة القريب من منزلى، كما يراقبنى 4 أشخاص اثنان بسيارة واثنان بموتوسيكل رغم أنى لم أشعر بهم، لمدة أشهر، إلا عندما نبهنى بعض الزملاء والجيران من ذلك الأمر، بل وصل الأمر إلى أن السيارة كانت ترافقنى إلى المحطة عندما كنت أستقل القطار إلى القاهرة، كل أسبوع، وكانوا يعرفون مكانى فى القطار بالعربية ورقم الكرسى الخاص بى، ليبلغوهم بكل التفاصيل، واستمر الحال إلى أن حدثت مشادة أمام النادى بين موظفى النادى والأمن السرى الذى يراقبنى، وكان رئيس المباحث لم يعد يتصل بى كما كان يفعل كل فترة، ولما سألت عرفت أنه تم نقله، وجاء رئيس مباحث جديد وله أسلوب مختلف، لكن لم يضايقنى هذا الأمر، حتى وأنا أعلم أن جميع تليفوناتى تحت المراقبة.. لم أنزعج ولا أخشى من شىء، وعندما عرفت أن تليفونى مراقب كنت أزود العيار حبتين فى الكلام، فأنا مبدأى ألا أفعل شيئا فى الخفاء لا أستطيع أن أقوله فى العلن، وهذا مبدأى طوال عمرى. ■ ما هى علاقتك برجال السلطة والضباط؟ - علاقتى ببعض المسؤولين جيدة، ولا أحب أن أذكر أسماء حتى لا أحرجهم. أما بالنسبة للضباط فهم يعاملوننى بشكل جيد جدا، وكثير منهم يرحبون بى ويستوقفوننى للتحية أو الاطمئنان على صحتى، وكانوا يقولون لى: «أنت رجل محترم». كما كانوا يطلبون منى رقم هاتفى، رغم أن بعضهم كان يرتدى ملابس «الملكى» العادية، وبالمناسبة، مرة استوقفنى أحد اللواءات وهمس فى أذنى «ربنا يقويكم». ■ نعود للأسباب التى دفعتك للاستقالة؟ - أوضاع المحاكم «لا تسر عدواً ولا حبيباً» وتكفى زيارة واحدة للمحاكم الكبرى لتتأكد بنفسك من كم القذارة والإهمال اللذين ترزح تحت وطأتهما المحكمة، وأحد الأشياء التى تسىء للقضاة أنهم يعملون فى أماكن حقيرة للغاية، وليس هم وحدهم بل المحامون والمتقاضون، فالمحاكم أصبحت أماكن لا يمكن أن يعيش فيها بنى آدمين، وعندك محكمة النقض مثلا، وتحديدا ما يحدث فى إدارة القلم الكتابى مهزلة كبيرة من الإهمال الشديد، ويكفى أن تشاهد كيف يتم التعامل مع المستندات والأحكام القضائية، فعود كبريت واحد يمكن أن يقضى على محكمة النقض بالكامل، وأنت كمواطن تشعر بالخوف والرعب عندما ترى طريقة حفظ القضايا بإلقائها فى الممرات والدهاليز وأعلى الدواليب رغم أنها حقوق الناس، أما ما يحدث فى بدروم محكمة النقض أو دار القضاء العالى فحدث ولا حرج، «يعنى اللى يشوف دار القضاء العالى، من برة هلا هلا ومن جوة يعلم الله» رغم أن هناك شيئًا ا سمه صندوق أبنية المحاكم بوزارة العدل، ورصيده بالمليارات من محصلة رسوم التقاضى، والسؤال أين تذهب تلك الأموال إذا كان هذا هو حال المحاكم؟. ■ بعض القضاة كانوا يأخذون عليك بعض التصريحات والتصرفات؟ - بالفعل هذا كان يحدث وكان يصلنى، ولا أخفيك سرا إذا قلت لك إن من ضمن الأسباب التى دفعتنى للاستقالة، هذا الأمر، فعندما كنت أسمع تعليقا على مواقفى وتصريحاتى، كنت أحزن للغاية لأننى لا أخجل مما أفعله، مادام فى سبيل الله والبلد، كما كان يصلنى كلام من أناس خارج القضاء بأننى أتحدث بهذه الطريقة لأنى محمى فى الحصانة القضائية، وأننى لا أجرؤ على أن أقول هذا أو أتصرف بهذه الطريقة لو كنت خارج القضاء، وأنا أعلنها من خلال المصرى اليوم: «أنا سأفتح على الرابع والخامس، وإذا كان فيه سادس كمان» فى مواجهتى للنظام الحاكم الذى يريد إذلال القضاة، ولن يوقفنى مخلوق طالما ما أقوم به فى الدفاع عن قضية أؤمن بها، وسأقول كل ما أؤمن به وأجرى عند الله. ■ سعادة المستشار.. كيف سترتب حياتك بعد الاستقالة؟ - سأفتتح مكتبا للمحاماة وهذه خطوة كنت سأتخذها بمجرد أن أخرج من القضاء، لأن الزملاء بمجرد خروجهم للمعاش يتم وضعهم فى لجان فض المنازعات للحصول على راتب شهرى بجانب المعاش. ■ بصراحة ما أقصده هو الأمور المادية هل ستتأثر ماديا بعد الاستقالة؟ - «صمت قليلا».. وقال: «بالطبع فأنا أتقاضى نحو 10 آلاف جنيه مجمل راتبى بالأساسى والحوافز والبدلات كرئيس دائرة بمحكمة النقض، بجانب نحو 1800 جنيه معاشى كقاض لأن جميع القضاة الذين بلغوا سن الستين يتقاضون معاشهم بغض النظر عن مد السن إلى ال70 سنة، يعنى يصل إجمالى ما أتقاضاه إلى حوالى 12 ألف جنيه تقريبا، وبعد الاستقالة لن أحصل بداية من أكتوبر المقبل سوى على ال1800 جنيه وهذا معاش ضئيل للغاية، خصوصا وأنك كنت «مرتب حياتك» بشكل معين. ■ المستشار البسطويسى فى حوارى معه رصد هذه المعاناة التى كانت سببا فى قبوله الإعارة بالخليج؟ - ما يحدث هو نوع من الذل للقضاة، وجميع رجال القضاء من أكبر رأس إلى أصغر رأس، فى معاناة مادية، مع استبعاد القضاة المرضى منهم والمحسوبين على الحكومة، وقد لا يشعر الناس بمعاناة القضاة لأن القاضى الحق هو عفيف النفس طاهر اليد، يحافظ على مظهره ووضعه، والنظام الحاكم يريد الحال أن تبقى على ما هى عليه حتى يذل القضاة ويجعلهم محتاجين له، وبشكل عام الأمور المادية مخطط ترغيب وترهيب للقضاة، ولعبة لكسر إرادتهم، هذا أعلى راتب فى القضاء، ورواتب القضاة بشكل عام بين 3000 و5000 جنيه، لا يوجد قاض يستطيع أن يركب سيارة أو يشترى شقة من فلوس القضاء، ومعظم القضاة يعيشون على القروض، وأعرف قضاة كثيرين لا يستطيعون تلبية متطلباتهم الأساسية، وهذا كما قلت مخطط حتى يكون القضاة تحت رحمة النظام وحكومته، ويصبح البديل الجاهز إما الندب أو الإعارة. ■ وهل سبق لك الندب؟ - لم أنتدب إلى أى جهة أو عمل خارج القضاء، والمرة الوحيدة التى ندبت فيها كانت داخل القضاء فى إدارة التفتيش القضائى بوزارة العدل، لمدة 9 سنوات، ويعتبر التفتيش القضائى من أصعب الأعمال فى القضاء حيث يتم اختيار الأفضل فنيا للعمل به حتى يستطيع تقييم عمل القضاة ومراجعة أحكامهم، لكن تمت إعارتى لمدة 5 سنوات إلى دولة الإمارات، ولم أكمل السنة الأخيرة لى ورجعت إلى مصر.