أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ورقة بحثية أعدها الباحث معتز عطا الله، تعليقًا على خبر في الأسبوع الماضي، حول احتلال مصر الترتيب الأخير في جودة التعليم الابتدائي، بين الدول التي تناولها تقرير التنافسية العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي. ويرى «عطا الله» أنه على الرغم من موضوعية الأرقام التي أوردها التقرير، والاعتراف بأن التعليم العام في مصر في حال يرثى لها، فإن ما أثاره التقرير إشكالي لسبب هو أن التقرير أورد رقمين للتدليل على حال التعليم الابتدائي في مصر. الرقم الأول يخص معدل نسبة القيد الصافي، الذي يعكس نسبة الأطفال الملتحقين بسنةٍ دراسيةٍ للتعليم، تخص فئة عمرية معينة، فإذا ما افترضنا أن السنة الدراسية الخامسة تخص الفئة العمرية لأطفال سن العاشرة، فإن معدل نسبة القيد الصافي للسنة الخامسة سيكون حاصل قسمة عدد الأطفال الملتحقين بالسنة الخامسة، على مجموع الأطفال الذين بلغوا سن العاشرة في الدولة، وهذا هو المؤشر الأول والأساسي الذي يستخدمه المرء لتلمس حجم النظام التعليمي، وحجم من يخدمهم من تلاميذ. وتابع عطالله "الاتاحة التعليمية دون شك لا تمثل مؤشرًا على الجودة التعليمية، وأداء مصر من منظور هذا المؤشر ليس بالسيئ، إذ تبلغ المرتبة الثامنة والخمسين بين مائة وثماني وأربعين دولة، ببلوغ معدل القيد الصافي نسبة 95.6%، بينما على الجانب الآخر يُعدُّ أداؤها في مؤشرات الجودة بالغ الضعف، ربما تبدو هذه النسبة للالتحاق جيدة، لكن لابد أن ننتبه لاعتبارين اثنين، أولهما، أنه يعكس متوسط الالتحاق العام، ولا يعكس الحال بالنسبة لفئة محددة كالفتيات مثلاً أو أطفال الريف والمناطق النائية، أو المنتمين إلى مناطق مهمشة اقتصاديًّا، فهؤلاء يقعون تحت هذه النسبة، وثانيهما: أنه يشير فقط لعدد الأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة، دون أن يعكس بحال نوعية التعليم الذي يتلقونه هناك". وأضاف "أما الرقم الثاني الذي يورده التقرير، والذي حفز المعلقين للرد، فهو الخاص بجودة التعليم، والرقم الذي يتحدث عنه التقرير، وهو 2.0، يضع مصر في المرتبة الأخيرة بين 148 دولة شملها التقرير". فطبقًا لما يقوله التقرير، يمثل هذا الرقم الترتيب المتوسط لمجموع ردود الذين أجري عليهم البحث على سؤال تضمنته استبانة المسح الخاص بآراء التنفيذيين. وهو مسح يشكل كتلة من البيانات التي يعتمد عليها التقرير. وقد أجاب المبحوثون في هذا المسح. وهنا النقطة المهمة التي أود الوقوف عندها، فهم أناس يمثلون قطاعات مختلفة داخل مجتمع الأعمال. وفي تقرير هذا العام، تناول المسح الخاص بمصر، الذي قام به المركز المصري للدراسات الاقتصادية إجابات من 71 فردًا من أصحاب الأعمال. وربما كان السؤال الذي وجه إليهم فيما يخص التعليم الابتدائي، هو في أي مستوى تُقَيِّم جودة التعليم الابتدائي في بلدك؟ (أو بصيغة شبيهة لهذه، إذ كان هذا هو السؤال الذي حوته استبانة المسح عام 2009 في نفس الموضوع، ولا أتصور تغيير السؤال بعيدًا عن هذه الصيغة). ويقدم المبحوثون إجاباتهم في صورة ترتيب على مدى الإجابة يبدأ من الرقم واحد الذي يعني "ضعيف"، وصولًا إلى سبعة الذي يعني "ممتاز"، وبين الأفضل في العالم. والرقم 2.0 هو متوسط ما قدمه المبحوثون الواحد والسبعون كترتيب لمستوى التعليم الابتدائي من وجهة نظرهم وفق هذا المدى. وقال عط الله :"لذا دعنا، لغرض الدقة، نعيد تسمية هذا المؤشر باسمه الحقيقي، والذي سيصف الأمر على نحوٍ مختلف ، يمكننا القول إن هذا المؤشر يقول إن رجال الأعمال المصريين (من بين رجال الأعمال في العالم ممن رتبوا نظامهم التعليمي بالنسبة إلى نظم التعليم في الدول الأخرى) قد وضعوا نظامهم التعليمي في المرحلة الابتدائية في المرتبة الأدنى، وهو مؤشر يفترض أن العينة المبحوثة ممثلة بشكل جيد لمجتمع الأعمال، ولا نجد سببًا في رفض هذا الافتراض، فيما يخص الغرض من التقرير". وأشار عطا الله ، إلى أن ثمة ضرورة لأن نتفهم حقيقة أن تقرير التنافسية العالمية الذي يسعى في المقام الأول لإمداد رجال الأعمال وصناع السياسات بمعرفة تخص السوق وكل تلك العوامل التي تؤثر على الأداء الاقتصادي في دولهم، والفئة الأكبر من هذه العوامل تتعلق بالعمليات التي لها تأثير على الأعمال، (ولعل هذا هو ما يفسر الالتجاء للمبحوثين من داخل مجتمع الأعمال ذاته الذي يتوجه إليه التقرير، وليس للمسئولين وصناع السياسة الحكوميين) . ونبه عط الله ، على أن رجال الأعمال معنيون بالتعليم استنادًا إلى كونهم آباءً لتلاميذ يتلقون التعليم في المدارس، والمحتمل أن هذا هو الباعث على رأيهم الخاص في التعليم الابتدائي، وليس كونهم مديرين أو أصحاب أعمال. وكذلك لكونهم أصحاب أعمال (من أحجام صغيرة أو كبيرة)، ربما على المرء أن يفترض، أن وضعهم المعيشي أعلى من المتوسط، ومن ثم فإن أطفالهم ربما ملتحقون بالتعليم الخاص أو على الأقل في مدارس تجريبية وليسوا في مدارس التعليم العام العادية، ولكونهم احتمالًا يستطيعون إرسال أبناءهم إلى مدارس خاصة ذات مصروفات عالية، فماذا يعني لنا ترتيبهم المتدني في نظام التعليم الابتدائي؟ ربما المعني لديهم أنه رغم التحاق أبنائهم بتعليم مميز أكثر، فإن هذا التعليم ذاته ضعيف بسبب ضعف المناهج ونفور الطلاب منها، أو بسبب مدرسين لا يحسنون تحفيز تلاميذهم، إن كنا نفترض أنهم يعنون بآرائهم مدارس التعليم العام في مرحلة الابتدائي، فإن قيامهم بإلحاق أبنائهم بالتعليم الخاص هو من قبيل الضرورة وليس رفاهية بحال. وأوضح عط الله ، إن تقرير التنافسية العالمية ليس بالتقرير الذي نركن إليه فيما يخص تقييم مستوى التعليم الابتدائي في مصر ، والمؤشرات الخاصة بجودة التعليم من الصعب حسمها ، بديلا من ذلك نجد معيارًا في الاختبارات الدولية المعيارية، مثل اختبار TIMSS و اختبار PISA ، إذ يُختبر تقدم الطلاب في مهارات اللغة والرياضيات، بالإضافة إلى مجموعة متكاملة من المؤشرات النوعية استنادًا إلى آراء وتقييمات الطلاب والأساتذة وأولياء الأمور ورجال الأعمال. واختت عطا الله بقوله :"لا يجب أن نفزع لأن تقريرًا دوليًّا أنيقًا يقول إن التعليم في مصر سيئ ، علينا أن نفزع من الأصل لأن هذا عينه هو ما نقوله جميعًا عن التعليم في مصر".