الكنيسة الأرثوذكسية تعلن تأسيس الأمانة العامة للمؤسسات التعليمية    الأهلي يتوج ببطولة السوبر المصري لكرة اليد بعد الفوز على سموحة    الهيئة القومية للأنفاق: تشغيل المرحلة الأولى من الخط الأول للقطار السريع في الربع الأول من 2027    "الزراعة": توزيع 75 سطارة مطورة لرفع كفاءة زراعة القمح على مصاطب ودعم الممارسات الحديثة المرشدة للمياه في المحافظات    الزراعة": توزيع 75 سطارة مطورة لرفع كفاءة زراعة القمح على مصاطب ودعم الممارسات الحديثة المرشدة للمياه في المحافظات    الطيران المدني توضح حقيقية إنشاء شركة طيران منخفض التكاليف    محافظ المنيا يبحث مع وفد الإصلاح الزراعي خطة تطوير المشروعات الإنتاجية    الخريطة الكاملة لمناطق الإيجار السكنى المتميزة والمتوسطة والاقتصادية فى الجيزة    "البرهان" يعلن التعبئة العامة من منطقة السريحة بولاية الجزيرة    وزيرا خارجية مصر والسعودية يبحثان تطورات غزة والسودان    وزير الخارجية يبحث مع نظيره في تركمانستان العلاقات الثنائية بين البلدين    الإصابة تبعد مارك جويهى عن معسكر منتخب إنجلترا    روسيا تجدد استعدادها لعقد القمة الروسية الأمريكية ولكن بشرط واحد    وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يبحثون مقترحًا لتدريب 3 آلاف ضابط شرطة من غزة    وزارة الشؤون النيابية تصدر إنفوجراف جديدا بشأن المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    شاهد بث مباشر.. مباراة مصر وأوزبكستان اليوم في نصف نهائي بطولة العين الدولية الودية    سيطرة آسيوية وأوروبية على منصات التتويج في بطولة العالم للرماية    تحذير عاجل من الأرصاد: خلايا رعدية وأمطار على سكان هذه المحافظات    مدير التصوير محمود عبد السميع: التعلم يزيد من سرعة تطور خبرات المصور    بدء تطبيق نظام الحجز المسبق لتنظيم زيارة المتحف المصرى الكبير الأحد    المسلماني: مجلس «الوطنية للإعلام» يرفض مقترح تغيير اسم «نايل تي في»    وبالوالدين إحسانًا.. خطيب المسجد الحرام يوضح صور العقوق وحكم الشرع    "سد الحنك" حلوى الشتاء الدافئة وطريقة تحضيرها بسهولة    الصحة: إنشاء سجل وطني لتتبع نتائج الزراعة ومقارنتها بين المراكز    حبس زوجة أب في سمالوط متهمة بتعذيب وقتل ابنة زوجها    اليوم.. عبد الله رشدي ضيف برنامج مساء الياسمين للرد على اتهامات زوجته الثانية    أذكار المساء: حصن يومي يحفظ القلب ويطمئن الروح    تكافؤ الفرص بالشرقية تنفذ 9 ندوات توعوية لمناهضة العنف ضد المرأة    اللهم صيبا نافعا.. تعرف على الصيغة الصحيحة لدعاء المطر    محمد عبدالعزيز عن ابنه كريم عبدالعزيز: "ابني ينوي إعادة تقديم فيلم انتخبوا الدكتور"    «الصحة» و«الاتصالات» تستعرضان دور الذكاء الاصطناعي في دعم التنمية البشرية    اليوم العالمي للسكر| وزير الصحة يعلن توجيه ميزانية موسعة للوقاية منه    سلامة عيون أطفال مصر.. مبادرة الداخلية "كلنا واحد" تكشف وتداوي (فيديو)    الأمم المتحدة: التهجير الدائم للسكان الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة يرقى لجريمة حرب    الإئتلاف المصرى لحقوق الإنسان والتنمية : خريطة جديدة للمشهد الانتخابي: صعود المستقلين وتراجع المرأة في المرحلة الأولى    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تنظم جلسة حول الاستثمار في الشباب من أجل التنمية    ضبط مصنع غير مرخص لإنتاج أعلاف مغشوشة داخل الخانكة    قبل نظر محاكمتها غدا.. تفاصيل تشويه سيدة وجه عروس طليقها ب 41 غرزة    الداخلية تضبط آلاف المخالفات في النقل والكهرباء والضرائب خلال 24 ساعة    نشاط الرئيس الأسبوعي.. قرار جمهوري مهم وتوجيهات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    أحمد سليمان ينعى محمد صبري: «فقدنا أكبر مدافع عن نادي الزمالك»    زيارة الشرع لواشنطن ورسالة من الباب الخلفي    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    توافد الأعضاء فى الساعة الأولى من التصويت بانتخابات نادي هليوبوليس    قيصر الغناء يعود إلى البتراء، كاظم الساهر يلتقي جمهوره في أضخم حفلات نوفمبر    أيمن عاشور: انضمام الجيزة لمدن الإبداع العالمية يدعم الصناعات الثقافية في مصر    جبران: تعزيز العمل اللائق أولوية وطنية لتحقيق التنمية الشاملة    هطول أمطار وتوقف الملاحة بكفر الشيخ.. والمحافظة ترفع حالة الطوارىء    أسعار اللحوم اليوم الجمعة في شمال سيناء    زى النهارده.. منتخب مصر يضرب الجزائر بثنائية زكي ومتعب في تصفيات كأس العالم 2010    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    كيف بدأت النجمة نانسي عجرم حياتها الفنية؟    مصرع شقيقتين في انهيار منزل بقنا بعد قدومهما من حفل زفاف في رأس غارب    اليوم.. أوقاف الفيوم تفتتح مسجد"الرحمة"بمركز سنورس    أدار مباراة في الدوري المصري.. محرز المالكي حكم مباراة الأهلي ضد شبيبة القبائل    غلق مخزن أغذية فى أسوان يحوي حشرات وزيوت منتهية الصلاحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة الصهيونية بين المأساة والملهاة
نشر في البديل يوم 24 - 09 - 2013


(مقالة بحثية)
النكتة لها وظائف عديدة، بعضها سلبي وبعضها إيجابي، فمن الناحية السلبية يمكن أن تكون النكتة مجرد تنفيث عن غضب مكبوت بخصوص أوضاع اجتماعية وسياسية غير مرضية وغير عادلة، ولكن بدلا من أن يحاول المرء أن يتمرد عليها ويغيرها فإنه يكتفي بإطلاق النكتة والضحك على الوضع القائم. ولكن النكتة لها أيضا جوانب إيجابية عديدة، فهي محاولة للمرء أن يفهم وضعا متناقضا ربما لا يمكنه تغييره، وهي طريقة للتصالح مع حقيقة أن الطبيعة البشرية تحوي داخلها "فجورها وتقواها"، وأنه لا مناص من قبول هذا التناقض، وهذا شكل بلا شك من أشكال النضج الإنساني. والنكتة باعتبارها جزءا من الثقافة الشفهية يمكن أن تكون قناة يعبر من خلالها الرأي الشعبي عن رأيه ورؤيته وغضبه بعيدا عن رقابة سلطة الدولة المركزية، وبالتالي يمكن للنكات أن تكون مؤشرا على تصاعد الوعي الشعبي ودعوة لقوى المعارضة وأعضاء المجتمع المدني للتحرك، تساندهم قاعدة شعبية عريضة.
ولكن النكتة بكل حسناتها ومساوئها تعبر عما يسمى السكوت عنه، وهي الأمور التي لا يمكن التصريح بها لأسباب عديدة. قد تكون هذه الأسباب ذاتية، بمعنى أنه لا يمكن للمرء أن يواجهها بصراحة خاصة إن فوجئ بأن الواقع الذي يواجهه مختلف عن رؤيته له وتوقعاته منه. وقد تكون أسباب موضوعية، بمعنى أن المرء يخشى أن يصرح برأيه علانية، فيلجأ للتعبير عنه بطريقة ملتوية مغلفة بالضحك والسخرية، لا تؤدي بالضرورة إلى المساءلة والمحاسبة من "الجهات المسئولة".
ومنذ أعوام طويلة وأنا أجمع بعض النكت من الصحف الإسرائيلية وقد وجدت أن هذه النكات تعبر عن لا وعي الإسرائيليين وعن خريطتهم الإدراكية الحقيقية، أي الطريقة التي يدركون بها الواقع. وما تعبر عنه هذه النكت يختلف إلى حد كبير عن التصريحات السياسية الصهيونية التي يؤكدون من خلالها عن مقدرة الدولة الصهيونية على إلحاق الهزيمة بأي قوة تقف في طريقها وعلى التوسع من النيل إلى الفرات أو من النهر إلى البحر، وعن مدى حداثة الدولة الصهيونية وتقدمها ومستوى معرفتها، وأنها خططت لكل شيء وأن مخططاتها كلها آخذة في التحقق، إلى آخر هذه الترهات التي يصدرونها لها، ويفسح لها الإعلام العربي المجال، كما لو كانت المزاعم حقائق، فيخلق جو الهزيمة دعوة خفية أن نقبل شروط الدولة الصهيونية والسلام التى تعرضه بالشروط تفرضها.
ومثل هذه التصريحات الصهيونية التي تعبر عن الثقة بالذات تخبئ في واقع الأمر إحساسا إسرائيليا عميقا بالورطة التاريخية التي وجد الإسرائيليون أنفسهم فيها. لقد أخبرهم الغرب أنه سيوطنهم في صهيون، فلسطين، أرض السمن والعسل (كما تخبرهم الرواية التوراتية)، وهي أرض يسكنها العماليق والكنعانيون الذين يمكن إبادتهم ببساطة (كما تخبرهم الرواية التوراتية أيضا، وكما تخبرهم الرواية التاريخية لما حدث في تجارب استيطانية أخرى مثل الولايات المتحدة وأستراليا). ولكنهم بدلا من ذلك وجدوا أن فلسطين عامرة بسكانها الذين يتكاثرون كما وكيفا، ويقاومونهم بكل عنف. وأن الغرب في واقع الأمر كان يود التخلص منهم من خلال توطينهم في منطقة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة له حتى يمكنهم حماية مصالحه، وأنهم دخلوا في طريق مسدود، فصراعهم مع الفلسطينيين والعرب مستمر لم يتوقف منذ بداية الاستيطان عام 1882 حتى عام 2007، ولا توجد نهاية للصراع في الأفق. وقد ولَّد هذا عندهم إحساسا سوداويا بالورطة التاريخية وشعورا بفقدان الاتجاه.
ويتبدى هذا الإحساس بالورطة التاريخية في قصة دان أدليسط "أغنية الموت" حيث يجلس جنديان إسرائيليان في الخنادق، ويدور الحوار التالي بينهما:
- هل ستسقط قنبلة؟
- لقد سمعت أن الموقع البديل على طريق الإمدادات ينطوي على انتحار حقيقي.
- ماذا إذن؟ هل سنظل هكذا للأبد!
- هل جننت؟
- هل ننس
- حب؟
- هل جننت؟
- حرب جديدة إذن؟
- هل الموقف مجرد من الأمل إلى هذا الحد؟
- هل تعرف ماذا تريد؟
- كلا.. وأنت؟
- كلا…
- واحسرتاه.. هيا بنا نفتش عن الموقع الثانوي.
ثم يحدث انفجار، لعله أودى بحياتهما (وربما حياة الكيان الصهيوني).
ونجد نفس الإحساس بالورطة التاريخية في هذه القصيدة القصيرة التي خطها مستوطن صهيوني على حائط دورة المياه في الجامعة العبرية.
ليذهب السفارد إلى إسبانيا
والإشكناز إلى أوربا
والعرب إلى الصحراء،
ولنُعد هذه الأرض إلى الخالق -
فقد سبب لنا من المتاعب الكفاية
بوعده هذه الأرض لكل الناس.
والقصيدة تعبير فكاهي عبثي عن رفض فكرة الوعد الإلهي التي يستند إليها الخطاب الصهيوني.
وقد تعمق الإحساس بالورطة التاريخية وفقدان الاتجاه بعد حرب لبنان الأخيرة التي هُزم فيها الجيش الإسرائيلي، ولم يحقق أيا من الأهداف التي أعلن أنه ينوي تحقيقها. وتقول النكتة الإسرائيلية إن أحد الصحفيين طرح على وزير الدفاع عمير بيريتس السؤال التالي: "صرحت قبل الحرب أن عمير بيريتس سيجعل حسن نصر الله ينسى اسمه، فما تعليقك"؟ فأجاب مندهشا: "من هو عمير بيريتس هذا؟" فكأن الذي نسى اسمه هو وزير الدفاع الإسرائيلي بعد الهزيمة الساحقة الماحقة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر (كما يدعون).
ونفس الإحساس المأساوي الملهاوي بفقدان الاتجاه تبدى في هذه النكتة التي تدور أحداثها في منزل إسرائيلي عادي. جاء مستوطن إسرائيلي إلى الحاخام وأخبره أن جاره يثير الكثير من الضجيج ويلقي بالقاذورات في الشارع. ففكر الحاخام قليلا وقال: أنت بلا شك على حق. وبعد يومين جاءه الجار المشار إليه وأخبره أن المستوطن صاحب الشكوى هو في الواقع الذي يثير الضجيج الذي لا ينتهي، كما أنه لا يتوقف عن إلقاء القاذورات في الشارع. ففكر الحاخام قليلا وقال: أنت بلا شك على حق. فسمعت زوجة الحاخام ما قاله زوجها فصاحت من المطبخ: لا يمكن أن يكون الاثنان على حق، أليس كذلك؟ ففكر الحاخام قليلا ثم قال: أنت أيضا بلا شك على حق. ولأن الجميع على حق، رغم تناقض الرؤى والادعاءات، تضيع الحقيقة ويفتقر المرء إلى الاتجاه.
والدولة الصهيونية مليئة بالصراعات فهناك الصراع العلماني/الديني، والصراع الإشكنازي (الغربي) السفاردي (الشرقي)، والصراع الطبقي بين الذين ازدادوا ثراء بعد سياسات الخصخصة والعولمة والفقراء الذين ازدادوا فقرا، وهناك الصراعات بين الأحزاب المختلفة. ولذا يرى البعض أنه لو ترك الإسرائيليون وشأنهم فإنهم سرعان ما سيلتهمون بعضهم البعض في صراعات داخلية. وتعبر إحدى النكات الإسرائيلية المتداولة عن هذا الوضع: هبطت طائرة ركاب أمريكية هبوطا اضطراريا ناجحا فوق قطعة أرض جرداء في وسط غابة. وكانت تخضع هذه المنطقة لسيطرة قبيلة من أكلة لحوم البشر. ووجد المسافرون أنفسهم يقتادون إلى خيمة، فنظر رئيس الطباخين إليهم وأمر أعوانه بإطعامهم مدة أسبوع، ففعلوا وبعدها احتفل أبناء القبيلة بوليمة فاخرة. وبعد سنة هبطت على نفس المنطقة طائرة فرنسية هبوطا اضطراريا ناجحا، وتم اقتياد ركابها ال 200 إلى رئيس الطباخين الذي نظر إليهم مليا ثم أمر أعوانه بإطعامهم من خيرة الطعام المتوفر مدة أسبوعين، وبعدها احتفل أبناء القبيلة بوليمة فاخرة أخرى. ثم مرت سنة ثانية وهبطت طائرة في نفس المنطقة وكانت تحمل 450 مسافرا إسرائيليا، فجُمع كل المسافرين في الساحة وأخذ أبناء القبيلة ينتظرون تعليمات رئيس الطباخين المعتادة، فطلب منهم إعداد أواني الطهي على الفور واتخاذ الخطوات اللازمة لإعداد الوليمة الفاخرة. فقال أحد أبناء القبيلة متسائلا: ألن نقوم هذه المرة بتسمينهم لمدة أسبوع أو أسبوعين كما هي عادتنا؟ فنظر إليه رئيس الطباخين نظرة احتقار وغيظ وقال: "هؤلاء إسرائيليون يا عزيزي، فهم سيلتهمون بعضهم البعض خلال أسبوع" (يديعوت أحرونوت 26 أغسطس 2005).
ويتبادل الإسرائيليون هذه الأيام (22 ديسمبر 2006) رسالة إلكترونية طويلة بعض الشيء تعكس اليأس الذي يعتريهم من الوضع الذي آلت إليه دولتهم والفساد الذي يضرب فى أطنابها، ولشدة انتشار هذه الرسالة قرأتها إحدى مقدمات البرامج السياسية المهمة في الإذاعة الاسرائيلية كاملة، ولم تعقب عليها سوى بالتنهد. وفي ما يلي نص الرسالة: «مستشفى تل هشومير، ومساء ماطر. ممرض واحد فقط اسمه شميل وبقي ليمضي الليل في غرفة رئيس الحكومة السابق آرييل شارون الذي كان يغط في نومه.
كان شميل جالسا يقشر تفاحة (بينما كان حارس من جهاز الأمن الداخلي شاباك يغط في النوم). فجأة أخذت الأجهزة الطبية في المستشفى تصدر أصواتا… المصابيح الكهربائية أضاءت… الخطوط المستقيمة أخذت في الاعوجاج… رئيس الحكومة يستيقظ.
شارون: منذ فترة طويلة لم أنم نوماً هكذا… أيها الشاب اطلب من (المستشار الإعلامي) أدلر أن يحضر… ثمة فكرة جديدة لاتجاه جديد.
شميل: صباح الخير سيدي، كيف تشعر الآن؟
شارون: أنا ميت من الجوع… أين أنا؟
وفيما يواصل الحارس من شاباك نومه، يحكي شميل لشارون ما حصل له، وأنه لم يعد رئيسا للحكومة. فيسأله شارون: من حل محلي؟
شميل: ايهود اولمرت.
شارون: أولمرت؟ ذلك المقدسي المبعثر؟ ما هي مؤهلاته؟ ماذا سيحصل لو وقعت حرب… هل يعرف كيف يدير الجيش… من حسن الحظ أن شاؤول موفاز مازال هناك (في وزارة الدفاع).
شميل: شاؤول موفاز ليس وزيرا للدفاع، إنه وزير المواصلات.
شارون: ومن هو وزير الدفاع؟
شميل: إنه بيرتس
شارون: وهل هذا العجوز (يقصد شمعون بيريز) ما زال على قيد الحياة؟
شميل يهمس مرتجفا: ليس بيريز إنما بيرتس، عمير بيرتس.
شارون: ماذا؟ هل مسّكم جنون؟ أغمضت عيني للحظة وأتحتم لزعيم العمال أن يسيطر على أمن الدولة؟ اسمع أيها الشاب أرسل لي على عجل ابني عومري، سيرتب الأمور.
شميل: آسف سيدي، عومري في طريقه إلى السجن.
زأر شارون وقال: إلى السجن؟ على ماذا؟ على ذلك الهراء؟ (يقصد تورطه في تجنيد أموال بطرق احتيال)، لا أصدق ذلك… أنا بحاجة إلى محام وفورا… أرسل لي المحامي كلاغسبلد.
شميل مرتبكا: كلاغسبلد في المنطقة ذاتها مع عومري.
هدأ روع شارون: عرفت دائما أنه يمكن الاعتماد على كلاغسبلد.
شميل، مصححاً: أقصد أن كلاغسبلد أيضا في طريقه إلى السجن، تورط في حادث طرق، لم يحذَر، فقتل من دون سبق إصرار شابة وطفلها الصغير.
شارون: أطلب من مدير مكتب رئيس الحكومة السابق النائب حاليا في الكنيست افيغدور يتسحاقي أن يأتي، انه يجيد إطلاق الحملة المناسبة في مثل هذه الظروف.
شميل: سيدي، ثمة شبهات ضد يتسحاقي بتقديمه استشارة ضريبية غير قانونية، يبدو أنه تمادى في الحملة التي قام بها.
شارون: هذا ليس معقولا، أعرفه جيدا، لقد رتبوا له ملفا. اطلب القائد العام للشرطة (موشيه كرادي).
شميل: آسف سيدي، إنه منشغل بالتحقيق.
شارون: إنه شرطي، أكيد إنه منشغل بالتحقيق.
شميل: لا سيدي، هذه المرة يجري التحقيق معه.
شارون: ليس معقولاً، نظام القانون معطوب، ينبغي تخليصهما، يتسحاقي وكرادي، من الورطة، جئني بوزير الأمن الداخلي تساحي هنغبي.
شميل: سيدي، تم تقديم لائحة اتهام ضد تساحي بعدد من المخالفات المتعلقة بالرشوة والخداع، لم يعد وزيرا للأمن الداخلي.
شارون: ماذا عن وزير العدل؟ من عيّنه أولمرت في هذا المنصب؟
شميل: حاييم رامون.
شارون: حسنا، ليأت إلى هنا.
شميل: معذرة، لقد تم تقديم لائحة اتهام ضده لارتكابه عمل شائن؟
شارون: لا أصدق، إذن ابعث للرئيس كتساف ليحضر… ما زال رئيسا، ليس كذلك؟
شميل: آسف سيدي… كتساف في وضع علق مهماته، انه تحت التحقيق في قضايا اغتصاب خمس شابات والتنصت السري.
شارون: آه … دائما لمست كم يقترب كتساف من الشخص عندما يتكلم. اسمع الوضع فعلاً مزر، اطلب من رئيس الأركان بوغي، آسف حالوتس، ليحضر، وضعه جيد أليس كذلك؟
شميل: ثمة قضية بالنسبة إلى أسهمه المالية في البورصة، لكنها ليست جنائية. المشكلة الاكبر أنه سيتم استدعاؤه قريبا للجنة تحقيق برئاسة قاض في فشل الحرب على لبنان. [أرغم حالوتس على الاستقالة].
شارون: لكنه كان فتى يافعا أثناء الحرب، بالكاد طيار صغير.
شميل: إنها حرب لبنان الثانية، تذكر انك كنت نائما، وقعت حرب. ونحن، كيف لي أن أقول ذلك بلطف، خسرناها. لكن رئيس الحكومة طلب إلينا أن نتحلى بالصبر، ربما يأتي النصر في المستقبل.
نظر شارون حوله، نظر إلى المصباح الكهربائي في الغرفة والى غرفته الخضراء، على الكرسي بجانب سريره ولاحظ أن الحارس من «شاباك» واصل نومه وإلى جانبه وعاء مع باقة ورد في أيامها الأخيرة.
نظر إلى الممرض شميل وقال له:
اصنع معروفا، لا تحك لأحد عن محادثتنا.
شميل: بإمكانك الاعتماد علي، سيدي.
شارون: أنا عائد للنوم.
وعلى عكس ما يتصور الكثيرون هاجس نهاية الدولة اليهودية يعشش فى الوجدان الإسرائيلي. وهم محقون في ذلك، إذ يجب ألا ننسى أن كل الجيوب الاستيطانية المماثلة (الممالك الصليبية – الجيب الاستيطاني الفرنسي في الجزائر- دولة الأبارتهايد في جنوب أفريقيا) قد لاقت نفس المصير، أي الاختفاء. ويعبر هذا الهاجس عن نفسه أحيانا عن طريق دراسات، أو مقالات متشائمة تحذر المستوطنين من هذه النهاية الحتمية، كما أنها تعبر عن نفسها أحيانا عن طريق النكات.
وقد نشرت إحدى المجلات الإسرائيلية مقالاً بعنوان "خروج صهيون"، وكلمة "خروج" exodus في الوجدان الديني اليهودي تعني "الخروج من مصر" (مع موسى التوراتي) و"الصعود إلى صهيون أو إرتس يسرائيل" أي فلسطين، أي أنها تعني الهجرة الاستيطانية، ولذا فاستخدامها للحديث عن "الخروج" من صهيون يحمل قدراً كبيراً من السخرية النابعة من الإحساس بالمفارقة المتضمنة في الموقف. وقد أشار المقال الذي كُتب عام 1987 إلى أن عدد النازحين سيبلغ 800 ألف إسرائيلي بعد 12 عام (في الواقع يُقال إن العدد قد وصل بالفعل إلى أكثر من مليون). ثم علق كاتب المقال بقوله: إذا وضعنا في الاعتبار أن هيئة الأمم قد قررت الاعتراف بحق اليهود في أن تكون لهم دولة خاصة بهم في الوقت الذي كان عدد المستوطنين في البلاد يُقدر بحوالي 600 ألف، فإننا سنفهم المغزى لهذه المعلومة المفجعة!
ومن أطرف النكات تلك التي أطلقتها صحيفة إسرائيلية مع تزايد النزوح أو الهجرة إلى خارجها تلك النكتة التي تقول إنه توجد الآن في مطار ابن جوريون لافتة تقول: "على آخر المغادرين أن يطفأ النور"، كأن عملية النزوح سينتهي بها الأمر أن تفرغ فلسطين المحتلة من مستوطنيها اليهود.
والصراع العربي – الإسرائيلي –حسب التصور الصهيوني- صراع ليس له نهاية، أو أن نهايته شمشونية، مدمرة للجميع، كما يتضح في هذه النكتة إذ يجلس راعيان، موشيه ومحمد، واحد يهودي والآخر عربي، على صخرتين فوق أرض محروقة، ويدور الحوار التالي بينهما:
* كيف حالك يا محمد؟
* الحمد لله، وكيف حالك أنت؟
* با روخ هاشيم (حرفيا: تبارك الاسم، وتعني الحمد لله).
* قل لي، كم ولد عندك في القبر؟
أي أنه لم يبق أحد بعد حالة الحرب المستمرة، هذه هي النهاية المأساوية المتوقعة لصراع لن ينتهي.
ولعل النكتة التالية تلخص الموقف تماما. ففي إحدى الكيبوتزات أي المزارع الجماعية، وهي ما أسميه الزراعة المسلحة حيث كان المستوطنون يستولون على الأرض الفلسطينية ثم يحيطونها بالسياج وأبراج حراسة، فيقومون بزراعة الأرض وبصد العرب الذين قد يحاولون استرجاع أرضهم بقوة السلاح، ويعيشون حياة عسكرية صارمة تتسم بالزهد والجماعية ولا يمكن لأي إنسان أن يقوم بهذا الفعل الاستيطاني المسلح إلا إذا كانت دوافعه الأيديولوجية قوية. وقد بلغ الإحساس بالجماعية درجة عالية حتى أن أعضاء الكيبوتزات كانوا لا يدركون هويتهم ولا يحققونها إلا من خلال الجماعة. وقد أطلق أحد الإسرائيليين نكتة عن هذا الوضع. فقال إنه في إحدى الليالي خرج أعضاء الكيبوتس للنزهة وتركوا عضوا واحدا للحراسة. فشعر بوحدة قاتلة فقرر أن ينتحر، ولكنه أخفق لأنه كان لا يوجد أحد لمساعدته! ولكن مع تساقط الأيديولوجية الصهيونية، تغيرت طبيعة الكيبوتزات فدخلت عالم الصناعة والمضاربات المالية، وأصبحت مركزا للنخبة الإشكنازية الأرستقراطية تتمتع بمستوى استهلاكي مرتفع، ولا علاقة لها لا بالزراعة أو القتال. وزادت معدلات الاستهلاك والتوجه نحو اللذة. وتعبر النكتة التالية عن هذا الوضع الجديد، وتقول إن أحد أعضاء الكيبوتزات المسنين ممن تعودوا على أسلوب الحياة القديم اختفى طيلة النهار وفي المساء حين عاد سأله شباب الكيبوتز أين كان؟ فكان رده أنه ذهب لزيارة رفاقه القدامى في قبورهم. فكان ردهم: "لماذا عدت؟" بمعنى أن ما يمثله هذا المستوطن القديم لم يعد له وجود.
هذه هي بعض النكات التي يطلقها الإسرائيليون والتي تعبر عن حقيقة رؤيتهم للواقع واستجابتهم له، وهي رؤية مختلفة عن التصريحات الصهيونية وعن الصورة التي يقدمها الإعلام العربي وبعض الدراسات الأكاديمية التي تكتفي بدراسة التوراة والتلمود والتصريحات الصهيونية، بدلا من دراسة الواقع الاستيطاني الصهيوني بكل تناقضاته وإنجازاته وإخفاقاته.
والله أعلم.
المصدر: موقع الدكتور عبد الوهاب المسيري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.