«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستوطنو الضفة الغربية: (من يقف فى طريقنا سواء كان فرعون أو أوباما سيعاقبه الله)
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 10 - 2009

أغلبهم مسلح، وأغلبهم لا يؤمن بأن هناك شيئا اسمه الدولة الفلسطينية وأغلبهم مقتنع بأن الخالق أعطاهم الأرض، وهم مستعدون لفعل أى شىء للاحتفاظ بهذه الارض، هؤلاء هم بعض قاطنى المستعمرات الإسرائيلية غير الشرعية الذين يبنون منازل على أنقاض قرى فلسطينية فى الضفة الغربية. إيثان برونر وإزابيل كرشنير يرويان أحد فصول قصة الاستيطان فى الضفة الغربية.
من بين مئات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين فى الضفة الغربية يعد هؤلاء الذين يسكنون بصورة غير قانونية أعلى التلال مثل هذه المستعمرة، هم الأكثر خطورة.
لديهم إيمان راسخ بأن هناك قدرا إلهيا يأمرهم بأن يستولوا على هذه الأرض، أغلبهم مسلح، وغاضب من الانسحاب اليهودى من غزة فى 2005، من أربع مستوطنات فى الضفة الغربية، ويعيش هؤلاء تحت شعار «لن ننسى ولن نغفر». وسيكون من المطلوب إجلاؤهم فى حال إقامة الدولة الفلسطينية، فيما يخشى الإسرائيليون أن يتسبب إجبارهم على ترك هذه المستعمرات فى صدامات داخلية دموية.
لكن عشرات المقابلات على مدى عدة أشهر، بما فيها مقابلات أجريت مع هؤلاء المسلحين، تشير إلى نتائج لا تتفق بالضرورة مع هذه الصورة، فهؤلاء (المستعمرون) المقسمون وبلا قيادة سيقاومون قطعا إجبارهم على إخلاء المستوطنات، لكن لن يمكن لهم أن يتسببوا فى صراع مسلح منظم مع الجيش الإسرائيلى، ذلك رغم أنهم يؤمنون بأنه من الممكن تفسير التاريخ على أنه سلسلة من المواجهات بين اليهود وبين الذين يسعون لإبادتهم، وإيمانهم بنصرهم النهائى يدفعهم إلى التصدى.
تقول أيلت سانداك وهى مستوطنة أجبرت على ترك المستعمرة التى كانت تقيم فيها فى قطاع غزة، وجاءت للضفة للمساهمة فى بناء هذه المستوطنة غير القانونية، «نحن أخلاقيون، لكننا لسنا مجانين، فعبر بنائنا هذه النقطة نبعد الجيش عن المستوطنات الرئيسية، فنحن متأكدون، إذا كنا أقوياء فلن نُجبر على المغادرة».
وكجزء من «التزامها» بحل الدولتين وعدت إسرائيل بإزالة 20 موقعا مثل هذا الذى تسكنه سانداك خلال الأشهر المقبلة، والآن يعود مبعوث إدارة الرئيس باراك أوباما للشرق الأوسط السيناتور السابق جورج ميتشيل إلى المنطقة محاولا عقد اجتماع لمحادثات سلام جديدة.
وحتى الآن يخشى المسئولون من أن التحرك ضد هذه البؤر الاستيطانية من الممكن أن يقسم المجتمع إلى قسمين.
ويقول إيتاى زار مؤسس هافات جيلد، وهى بؤرة استيطانية، إن بعض قادة المستوطنين أعلنوا مواقفهم بنبرة حادة حيث قالوا «عليهم أن يقتلونا قبل أن نخرج من هنا».
وكذلك يقول بوز هاتزانى الذى يقيم فى مستوطنة كريات أراب، بالقرب من مدينة الخليل، وهو جزء من حركة تهدف إلى إعادة المستوطنين إلى المستوطنات المدمرة، «لم يعد المستوطنون ينظرون إلى الدولة أو جيشها بقداسة».
الإرهاب اليهودى ليس جديدا، حيث اغتال طالب متدين رئيس الوزراء إسحاق رابين فى 1995، كما قتل باروخ جولدشتاين 29 مسلما أثناء صلاتهم فى الحرم الإبراهيمى فى مدينة الخليل فى 1994.
يقول إسحاق فاهنتيش الذى رأس القسم اليهودى فى جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى شين بيت، اعتمادا على التاريخ القريب وأهداف المتطرفين «لا أستطيع استبعاد أنه سيكون هناك عنف، ولا أستطيع أن أقول إن رئيس الوزراء لن يُستهدف أو أن المساجد لن تُهاجم.. إنهم يريدون أن يوقفوا أى عملية سلام».
لكن المقابلات التى جرت مع المستوطنين تشير إلى أن التهديد بالعنف هو مجرد استراتيجية سياسية، لأن الأغلبية العظمى تقول إن معركتهم ستنتهى بمجرد وصول البلدوزرات (المكلفة بإزالة تلك البؤر الاستيطانية).
ويشير ديفيد هايفرى المتحدث باسم مستوطنو شمال الضفة الغربية إلى أننا لن نسمح لأنفسنا بالانتظار حتى يأتى الجنود إلى أبواب بيوتنا، علينا أن نحضر استراتيجية مناورة تستبق تلك اللحظة.
هذا يعنى أن هذه الاستراتيجية ستكون على الأغلب استراتيجية سياسية، وإذا جاء الجنود فلن يقاتل المستوطنون.
ويقول شاءول جولدشتاين، الذى يرأس المجلس الإقليمى لمجمع مستوطنات جوش إيتسيون، والذى يعد من بين المستوطنين غير المتطرفين، أن «الناس لن تترك منازلهم سلميا، لكنهم لن يطلقوا النار على الجنود».
ويتفق قائد عسكرى إسرائيلى رفيع، مع هذا الرأى. ويوضح هذا القائد أن جيش الاحتلال مستعد لأوامر الحكومة بإزالة العشرين بؤرة استيطانية، وأنه مستعد لكل شىء بما فى ذلك إمكانية رفض بعض الجنود المتدينين المشاركة فى العملية، وكذلك إمكانية استخدام السلاح من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين والقوات الأمنية.
ويضيف هذا القائد، الذى رفض الكشف عن هويته، «لا أعتقد أنه ستكون هناك مقاومة كبيرة، ففى العمق المستوطنون يحبون إسرائيل وجيشها».
هذا الإصرار من قبل المستوطنين على البقاء فى تلك البؤر يبدو مدهشا، خاصة عقب إجلاء الجيش لثمانية آلاف مستوطن من غزة، قبل أربع سنوات، وهى العملية التى جرحت قلوب المستوطنين، لكن هناك عدة أسباب لأخذ ما يقولونه المستوطنون بجدية.
إن عملية غزة قسمت المستوطنين بين من يقبل الإخلاء ومن يرفضه، كما أن هذه العملية شوهت صورة القادة التقليديين فى أعين الأجيال الجديدة.
فى الوقت نفسه يؤمن العديد من المستوطنين بأنهم ورثة روح الصهيونية، وأن أى تشجيع على الاقتتال الداخلى من شأنه أن يعطى نتائج عكسية.
من ناحية أخرى فإن توجهات العديد من أكثر المستوطنين تطرفا لا تستهدف بالضرورة الدخول فى صراع واسع مع الجيش الإسرائيلى.
ويميل المستوطنون للاعتقاد بأنهم ورثة الأخلاقيات الأساسية (لدولة إسرائيل)، كما أنهم ينظرون إلى أنفسهم بوصفهم الورثة الشرعيين للجنود المزارعين فى الكيبوتزات الذين أسسوا (إسرائيل)، بينما أصبح أحفاد مؤسسى إسرائيل يعيشون فى ظل المادية والفردية.
ويروج أيفى ايتان، الوزير السابق والسياسى اليمينى والمستوطن فى مرتفعات الجولان، لوجهة النظر هذه، حيث يقول إن الإسرائيليين المتدينين والمحافظين باختلاطهم بالتقاليد والأعراف الحديثة هم من سيقودون الدولة. ولهذا سيفعل المستوطنون كل شىء فى وسعهم لإبقاء هذه المستوطنات ولكن ذلك، حسب ايتان نفسه، لن يشمل أن يقدم المستوطنون على تلويث أنفسهم بدماء إخوانهم.
وبعيدا عن صراعهم مع الفلسطينيين، يتبنى المستوطنون صورة المواطنين المخلصين (لإسرائيل) الذين اختاروا الحياة المتواضعة البعيدة عن الراحة، كما أنهم يتبنون صورة المواطنين الذين يكرسون أنفسهم لأطفالهم وللمجتمع. والعديد من هؤلاء المستوطنين هم مهنيون يعملون بالطب والمحاماة والتدريس.
أما فيما يتعلق بصراعهم مع جيرانهم الفلسطينيين، خاصة مع أهالى منطقة نابلس فى الشمال والخليل فى الجنوب، فهذه الصراعات غالبا ما تكون دموية وعنيفة.
وتقع العديد من هذه المستوطنات بين مساكن المزارعين الفلسطينيين وغالبا ما يقوم المستوطنون بقطع طريق المزارعين الفلسطينيين، بل إنهم فى أحيان يقومون بالاستيلاء على مزارع الفلسطينيين باعتبارها أماكن «مهجورة»، وفى ذلك يستخدم المستوطنون أسلحتهم لدفع المزارعين الفلسطينيين بعيدا عن مزارعهم.
عمل جهاز شين بيت على تخفيض عدد تلك الهجمات، والعنف. لكن تطبيق القانون مازال متساهلا مع المستوطنين.
ويدعى المستوطنون أن العديد من البؤر الاستيطانية أقيمت باعتبارها «ردا صهيونيا» على هجمات استهدفت إسرائيليين.
تأسست (مستوطنة) هافت جيلاد عقب مقتل جيلاد شقيق زار على يد مسلح فلسطينى فى 2001، وأشار زار أن البؤرة الاستيطانية أنشأت على أرض اشتراها والده موشى زار، السمسار المعروف فى بيع وشراء أراضى الضفة الغربية، والذى يعتقد أنه شخصيا ينتمى إلى جماعة يهودية سرية قتلت وشوهت جثث عدد من الفلسطينيين فى الثمانينيات.
فى نفس الوقت، هناك عدد متزايد من المستوطنين الأيديولوجيين من جيل الشباب الذين لا يهتمون بكونهم يتسببون فى خلق صراع. ويرى هؤلاء أن أهدافهم (المتعلقة بالحصول على الأراضى الفلسطينية) هى أساسية لصيرورة تاريخ البشرية.
ولحى هؤلاء وضفائرهم الجانبية أطول من لحى وضفائر أجيال سابقة من المستوطنين من الشباب. ويحرص هؤلاء على ألا يتخلوا طوال اليوم عن الشال الذى كانت أجيال سابقة من المستوطنين تستخدمه فقط للصلاة.
ويتبع هؤلاء النصوص اليهودية القديمة وتصريحات الحاخامات كمصدر أساسى للإرشادات التى يقرورن على أساسها سلوكهم ومعتقداتهم.
ويقول زار إن جيله من المستوطنين الشباب بدأ يعيش عقب انسحاب 2005، تحت شعار «الله هو الملك»، أى الحكم لله.
ويركز مثل هذا النوع من المستوطنين اهتمامه على الحصول على الأراضى فى المواقع المقدسة لدى اليهود، مثل قبر جوزيف وهو صخرة صغيرة فى قلب مدينة نابلس الفلسطينية، أو شيشم القديمة التى يعتقد العديد من اليهود أنها المدفن الأخير لابن يعقوب.
ويقوم هؤلاء المستوطنون بجولات شهرية فى كل الأماكن المقدسة وهم يستقلون حافلات تحت حراسة مشددة، فى منتصف الليل، فيما يمثل لهم متعة لا تضاهيها متعة.
ولا يفارق هؤلاء المستوطنون التوراة التى تظهر دائما بين أيديهم وهم يقرأونها.
ويقوم الحاخام إليشام كوهين ومجموعة من تلاميذه كل يوم تقريبا بزيارة هوميش، وهى مستوطنة مدمرة شمال الضفة الغربية، للصلاة فيها وقراءة التوراة. ومنذ أن أجبر سكان هوميش على مغادرتها قبل أربع سنوات، يقود كوهين ومن معه سياراتهم عبر الحقول للوصول إليها تفاديا نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية.
واليوم فإن مستعمرة هوميش أصبحت مجردة من كل ما كان بها من منازل وبرك للسباحة، وشوارع مضاءة. المستعمرة التى تم إخلاؤها أصبحت مغطاة بأعشاب عشوائية وخرسانة مفتتة. لكن ذلك لم يحل دون التزام كوهين ومن معه من الاستمرار فى زيارة هذه المستعمرة السابقة أو من الاعتقاد بأن تمسكها بأن هذه الزيارات ستغير يوما واقعها الحالى.
وقال رجل كان يستعد للدخول خلسة إلى هوميش لقضاء ليلته هناك، «لن نترك هوميش خالية»، مضيفا أن «خالق الكون أعطانا هذه الأرض، هذا مذكور فى الوصايا، أن نسكنها ونعمرها، ومن يقف فى طريقنا سواء كان فرعون أو أوباما سيعاقبه الله».
هناك 300 ألف مستوطن فى الضفة الغربية (إضافة إلى 200 ألف آخرين فى القدس الشرقية)، وهؤلاء لا يمثلون وحدة مترابطة. وثلث هؤلاء لا ينتمى إلى أفكار سياسية أو اجتماعية محددة شأنهم فى ذلك شأن أغلب الإسرائيليين. وجاء هؤلاء المستوطنون إلى الضفة الغربية بسبب نمط المساكن الكبيرة بها والذى يجعل من المستوطنات نوعا من الضواحى الواسعة.
وهناك ثلثا من هؤلاء المستوطنين الذين يمكن تصنيفهم على أنهم من الأصوليين والذين لا يعتبرون أنفسهم صهيونيين، بل يريدون السكن فى بيئة خاصة فى أى مكان من إسرائيل.
أما الثلث الأخير فهم المستطنون الأيديولوجيون، وأغلب هؤلاء من المتدينين، وهؤلاء يلتزمون بالبقاء، وأغلبهم لا يؤمن بأن هناك شيئا اسمه الدولة الفلسطينية، وإذا رغب العالم فى إقامة دولة فلسطينية فيجب أن تكون فى الأردن، فالضفة الغربية التى يطلقون عليها اسم توراتى «يهودا والسامرة» هى قلب الوطن اليهودى.
كما يؤمن هؤلاء الأيديولوجيون أن العرب سيفعلون ما يستطيعون لتدمير إسرائيل، لذا فإن بقاءهم المستوطنون فى الضفة الغربية لا يمثل لهم فقط مسألة عقائدية، بل هى أيضا مسألة أمنية.
وبينما يعتبر الأصوليون أن الحياة مقدمة على غيرها، فإن الأيديولوجيين من المستوطنين يرون أن التمسك بما يعتبرونه أرض إسرائيل هو جوهر الحياة ذاتها، وأن الخلاص اليهودى سيكون عبر التضحية فى سبيل هذه الأرض.
ويعيش نصف هؤلاء فى مجمعات استيطانية قريبة من إسرائيل، ويمكن أن تبقى ضمن السيطرة الإسرائيلية فى أى مقايضة مع الفلسطينيين، ولا يعيش فى عمق الضفة الغربية سوى 50 ألف من هؤلاء الأيديولوجيين.
ويبدو مما يقوله هؤلاء أن لا مجال لديهم للمساومة، فواحدة من مبادئ منظمة ميشميرت يشا الخمسة، (التى ينتمى إليها العديد من المستوطنين الأيديولوجيين)، أن «كل حفنة تراب أو حجر فى أرض إسرائيل هو مقدس بالنسبة للشعب الإسرائيلى، وليس مسموحا لأى سلطة أن تتنازل عن أى جزء منها».
كما أنهم يعتقدون أيضا أن الاستقلال الإسرائيلى لن يتحقق إلا عبر إحضار اليهود للأرض، «والقضاء على أى عناصر معادية فى الأرض».
دربت ميشميرت ياشا التى وقفت «لحراسة اليهود فى يهودا والسامرة وغزة»، فرق مسلحة فى المستوطنات، لقتال الفلسطينيين الغزاة، وزرعت أشجار الزيتون حول الضفة الغربية للادعاء بها لصالح إسرائيل وإبعادها عن الفلسطينيين.
وتوجه ميشميرت ياشا الوظائف لصالح اليهود، وترفض الاعتراف بأى شرعية للفلسطينيين.
ويقول إسرائيل دايزنجر الذى يدير منظمة متطرفة ترفض كلمة «فلسطينيين» إن «على العرب أن يفهموا أنه لا يمكنهم البقاء هنا» مضيفا أنه من غير الممكن إيجاد حل وسط.
كان دايزنجر يتكلم مثل عشرة رجال فى العشرينات من أعمارهم كانوا يتدربون على بنادق إم 16 الآلية فى مستوطنة يتزهار. أغلب هؤلاء الرجال خدم فى الجيش، وجميعهم من المتدينين، وجميعهم يرفضون أى شرعية لفكرة إجلائهم لإقامة دولة فلسطينية.
ويقول هؤلاء إن قوات الأمن الفلسطينية التى تتدرب بأموال أمريكية وتنتشر فى أنحاء الضفة الغربية، سيأتى يوم توجه فيه نيران أسلحتها إلى المستوطنين، الذين عليهم الدفاع عن أنفسهم.
بعض هؤلاء المستوطنين حذر بأن هناك «ثمنا» لإجلائهم عن مستعمراتهم، بمعنى أنه إذا قامت قوات الأمن الإسرائيلية بالتحرك ضد البؤر الاستيطانية سينتزع المستوطنون ثمن خروجهم من الفلسطينيين عبر حرق مزارعهم وبساتينهم أو بإغلاق الطرق عليهم.
وحسبما ما يقوله هؤلاء المستوطنون فإنه لن يحيدوا عن مواجهة الفلسطينيين لمواجهة قوات الأمن الإسرائيلية. وبحسب دايزنجر فإن هذا لن يحدث أبدا. لكن دايزنجر يضيف أنه نادرا ما شعر بالخيانة مثل ذلك اليوم من 2005 عندما بعثت الدولة بالآلاف من جنودها لمستوطنة جوش قطيف، المستوطنة الرئيسية فى غزة، لإجلاء اليهود. ويقول دايزنجر إنه يعمل مع آخرين للتأكد من عدم تكرار ذلك المشهد فى الضفة الغربية.
أوامر الجيش بإجلاء ثمانية آلاف مستوطن فى غزة موضوعة اليوم فى متحف جوش قطيف فى القدس، وكان آخر موعد للمغادرة هو 14 أغسطس من ذلك العام وهو ما تزامن مع التاسع من شهر أيف فى التقويم العبرى، وهو يوم صوم ارتبط بسلسلة من النكبات فى التاريخ اليهودى.
أطلق المستوطنون على الانسحاب «الطرد»، ويضم المتحف الجديد الذى يزوره العشرات يوميا مفاتيح من النازل المدمرة، وقصائد حداد، وزجاجات فى رمال من شواطئ غزة. وموضوع المتحف هو تكرار واعٍ لموضوع ما بعد الهولوكوست، الذى يجعل بلدا بكامله يعيش تحت شعار «هذا لن يتكرر أبدأ».
وحقيقة الأمر أن أغلب الإسرائيليين ينظرون لإجلاء المستوطنين عن المستعمرات فى غزة على أنه كان كارثة، حيث مهد لاستيلاء حماس على غزة، وزيادة الصواريخ (القسام).
يقول دعاة المستوطنين السابقين إن واحدا من أصل عشرة هم من حصلوا على سكن دائم، حيث مازال ثلاثة آلاف من المستوطنين الذين تم إجلاؤهم يقيمون فى منازل متحركة مكتظة، فى منطقة مقفرة فى شمال غزة، وهو ما يجعل من الحديث عن إجلاء واسع وجديد فى الضفة الغربية ضربا من الخيال، حيث سيعزز إطلاق الصواريخ ويبقى الآلاف بدون سكن فى عالم النسيان.
إن بعضا من شباب المستوطنين الذين تم إجلاؤهم والمتعاطفين معهم، رفضوا أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، كما رفضوا المشاركة فى تدريب جنود الاحتياط السنوى.
يقول عوفر بن هامو، البالغ من العمر 32 عاما، والذى تم اجلاؤه من مستوطنة بدولاه المهدمة «هذه الدولة لم توجد من أجلى». وقد أدى بن هامو خدمته السنوية فى الاحتياط العسكرى لمدة أربعة أشهر قبل الانسحاب من غزة، «مثل الأبله» على حد قوله.
واليوم، وفى ظل الإدانات المستمرة التى يعبر عنها المستوطنون الذين تم اجلاؤهم، يبدو من الصعب أن أى حكومة إسرائيلية ستكرر فى الضفة الغربية سيناريو الإجلاء بالصورة التى تم بها فى غزة. لكن مع زيادة الضغط الدولى لإقامة دولة فلسطينية تتعمق المخاوف.
تقول أنيتا توكر المتحدثة باسم مستوطنى غزة السابقين، يمكن أن نتحدث بعدوانية لأننا أصحاب حق، لكن كم عددنا؟».
تعتقد توكر التى أسست أول مستوطنة فى جوش قطيف أن التحرك الجماهيرى لإسرائيليين هو ما يمكن أن يمنع تكرار انسحاب آخر فى الضفة الغربية، لكنها ليست متفائلة، وتقول إن هناك حالة كبيرة من الاستقطاب بشأن مصير المستوطنات.
فى الوقت نفسه هناك مستوطنون آخرون يراهنون على رفض الجنود الإسرائيليين إطاعة الأوامر الخاصة بإجلاء المستوطنين فى الضفة الغربية، لكن مع الانقسام الحادث فى حركة المستوطنين، ومع وجود ما يراه الإسرائيليون بأنه أخطار خارجية تهدد البلد، يرفض العديدون نهج الامتناع عن الامتثال لأوامر الإجلاء.
يقول إسرائيل هارل الرائد الفكرى لمشروع الاستيطان ومؤسس مجلس المستوطنين فى السبعينيات، والذى ساهم ابنه ايتاى فى بناء إحدى البؤر الاستيطانية، «فوق كل هذا إننا نتعامل مع كيان إسرائيل». ويضيف هارل «بمجرد أن يرفض الجنود تنفيذ الأوامر فهذه نهاية الدولة اليهودية».
خدمة نيويورك تايمز الإخبارية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.